!! المعرض المغاربي للكتاب بوجدة: أو عندما يموت المؤلف مرتين
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة: أو عندما يموت المؤلف مرتين !!
بقلم : حسن الزكريتي الجزنائي (حسن أوزكري أݣزناي)
مرت حوالي أربعة أسابيع على اختتام المعرض المغاربي للكتاب بوجدة الذي دام أربعة أيام، و لا زال الحدث يلقي بظلاله على المشهد الثقافي المحلي ، و ترك انطباعات متباينة بين من رحب به أو استحسنه و من استنكره أو تبرأ منه (كأعضاء من اتحاد الناشرين المغاربة و بعض المؤلفين الذين تم إدراج أسمائهم دون علمهم ) و بين من شد إليه الرحال و قاطعه (اتحاد كتاب المغرب – فرع وجدة)، بل انعقدت بعد أسبوعين ندوة صحفية نشطها بعض الفاعلين (في مجال التأليف) الغاضبين من طريقة التدبير و التحضير للمعرض و من إقصاء و تهميش الفعاليات الثقافية المحلية من المساهمة في صنع الحدث، و مشككين في الأرقام الرسمية لدرجة المطالبة بالمحاسبة و إجراء افتحاص مالي.
سبقت المعرض أيام من الترويج من قبل « وكالة تنمية أقاليم الشرق » (منظمة المعرض) بواسطة دعائم أثثت شوارع المدينة حاملة شعار « لنعبر عن الشباب، لنكتب الأمل » و عرف الافتتاح مظاهر البهرجة و الاحتفال حيث تنوعت الفرجة بين لوحات من الفنون الشعبية المحلية و « الطرب الغرناطي » و « العيطة » (التي اتخذت حيزا زمنيا هاما إكراما لضيف جعل من هذا اللون الموسيقي حقلا أكاديميا و بصم على تاريخ اتحاد كتاب المغرب لسنوات بل كان مسؤولا عن قطاع الكتاب بالوزارة الوصية). و كان السفير الفرنسي أهم المرحب بهم في حفل الافتتاح حيث غاب نظيره السينغالي الذي كان أجدر بالحضور باعتبار السينغال ضيف شرف الدورة، و حتى حضور المستشار الخاص للرئيس السنيغالي لم ينل النصيب الإعلامي الذي يستحق !
و قد جاء المعرض المغاربي في ظرفية جغرافية-سياسية عرفت « نعيا » ملكيا لما سمي بـ »الاتحاد المغاربي »، و في سياق محلي يعرف تراجعا على المستوى الجودة لأحداث ثقافية من قبيل « مهرجان الطرب الغرناطي » و « المهرجان الدولي لفن الراي » باستثناء « مهرجان السينما المغاربية » الذي يعرف – بعد 6 دورات- نوعا من التطور الملحوظ .
عموما تعددت الأنشطة لدرجة التضخم حتى ذاب فيها العنصر الشبابي الذي جعل منه المنظمون شعارا للحدث بمضامين دلالية فضفاضة، حيث نكاد لا نجد لحضور الشباب مكانا إلا في جلسة وحيدة جعلت من » الشباب والهجرة » محورا لها و منح جوائز لمؤلفين شباب تم التعتيم على نائليها. بل حضر الناشرون المغاربة (دور نشر و مؤسسات ) و غاب الناشرون المغاربيون !
و من باب الإنصاف يجب الاعتراف أن الحدث ترك انطباعا جيدا لدى المتلقي على الأقل على مستوى التنظيم و تعبئة الموارد اللازمة لذلك و نظرا لقيمة الحاضرين، خصوصا و أن وكالة تنمية أقاليم الشرق » قد راكمت من التجارب على مستوى التنظيم (حيث سبق لها تنظيم أيام « الصناعات الثقافية » و « التسويق الترابي ») بحيث ستجعل الدورة القادمة للمعرض الجهوي للكتاب حدثا أكثر بهتا و شحوبا مما كان و دون فائدة، مما يستدعي إعادة النظر فيه من قبل القائمين عليه و ربما التفكير في ترحيله عن مدينة وجدة !
و يبدو أن هناك مساعي من الوكالة لمنح الحدث موقعا وسط المعارض الدولية للكتاب (كالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء و معرض طنجة الدولي للكتاب والفنون) رغم أن أهدافها التنموية الواردة في الوثيقة التأسيسية لا تتضمن الشق الثقافي بل مهامها الرئيسة هي التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بجهة الشرق، و هي تحاول أن تجعل من الثقافة رافدا للتنمية مستنسخة التجربة الفرنسية –على الأقل- على مستوى لغة الخطاب، و « تراهن » على الحدث الثقافي لتجعل من الجهة ذات جاذبية في إطار « التنافسية الترابية » بواسطة « التسويق الترابي ». و لها بعض الإسهامات عن طريق النشر في التعريف بالجهة و جعلها ذات جاذبية، و يلاحظ أن أغلبها –إن لم يكن كلها- من إنجاز دار النشر la Croisée des Chemins في إطار علاقة تجمع بين الطرفين تكاد تشبه « الزواج الكاثوليكي » أو عقد احتكار كما هو رائج في الصناعات الموسيقية.
لم يدرك المنظمون بعدُ أن الكتاب هو صناعة و يعتبر أول منتوج متسلسل في تاريخ الإنسانية و جزء من سلسلة إنتاجية ذات قيمة مضافة عالية، و جزء من منظومة معيارية عالمية الغاية منها حماية الملكية الفكرية (من القرصنة و السرقة..) باعتبارها على رأس هرم كل نظام ملكية و ضمانة لدوام العملية الإبداعية و تجددها. و لا يعي المنظرون في التنمية الثقافية أن هذه الأخيرة تنطلق من الإنسان و به و إليه في دورة تكاملية متجددة، و الكتاب من حواملها الرئيسة المتعددة الأبعاد، و أن حجم النشر و تراكم العناوين لدى الأمم هو مؤشر عن وجود مجتمع معرفة قابل للانخراط بانسيابية في اقتصاد المعرفة، و أن صناعة الكتاب هي الشعبة الأضعف من بين الشعب الثقافية في دول الجنوب مثل المغرب، و أننا أمام تحديات تقليص الهوة المعرفية بين الشمال و الجنوب بسبب التخلف على مستوى النشر لعدم الاستثمار في هذه الصناعة، و بسبب نوع من الرقابة الذاتية على الإنتاج الفكري و الإبداع الأدبي كتفاعل منطقي مع مصادرة الأنظمة الاستبدادية للحق في التعبير بعد التأخر الكبير في ولوج الطباعة إلى دول الجنوب (حوالي 4 قرون من استعمالها في أوروبا).
إن مثل هذه المعارض –ذات البعد الإقليمي أو الدولي- ليست فضاء للتلاقي بين مؤلفين قادمين من أقطار مجاورة فقط، بل فرصة لتأسيس فضاء إقليمي للمبادلات التجارية و الثقافية في بعديها الإنساني و الاقتصادي، و فرصة لخلق طلب فعال مقابل عرض متعثر بسبب تدني مستوى المقروئية و غياب محفزات جبائية، و مناسبة أيضا لطرح قضايا متصلة بالنشر و مشاكله و بأزمة القراءة و تدنيها و بإشكالية الولوج إلى السوق من قبل المستهلك، و بتحديات الكتاب الرقمي و الدعائم البديلة، و بتوسيع دائرة الخدمات على مستوى القراءة العمومية (المكتبات و نقط القراءة).
و هذه الملتقيات هي فرصة لاستدعاء متجدد لإشكالية المؤلف كمهنة و ليس –بالضرورة- كحامل لفكر أو إبداع، فالإبداع أو الفكر لدى المؤلف لا « وجود » له في بعديه المادي و الرمزي، إن لم يجد طريقه نحو النشر بإرساء منظومة معيارية و اقتصادية و مؤسساتية متماسكة، و ليس فقط استدعاءه « تأثيثا » لـ »الصالونات الأدبية » لتداول قضايا فكرية متعددة -و بعضها مستهلك- حول « موائد مستديرة » تنتهي برحيلهم عن الفضاء و بداية بعدهم –زمنيا- عن الحدث.
في مثل هذه المعارض يموت المؤلف مرتين: موتا « بارثيا » (نسبة للفيلسوف الفرنسي « رولند بارث »Roland Barthes ( بعد انتهائه من التأليف و انتقال روحه إلى الكتاب، و موتا بسبب منظومة تغتال المؤلف ككائن مبدع لا تخلق و لا تُهيّء له مساحة للإنتاج ليعيش دورته الحيوية بشكل مستمر.
لا شك إن النشر و لازمته الأزلية أي الكتاب (الورقي أو الرقمي) دعامة لتحفيز الإبداع بخلق منافذ للكتاب على السوق و على الحدث الثقافي (كالمعارض و مهرجانات « سينما المؤلف ») باعتبار الفعل الثقافي المتعلق بالكتاب مدخلا من مداخل التنمية و المصالحة مع الكتاب و بعث روح جديدة لدى المؤلف في دورة إحيائية متجددة حتى لا « يحس » المؤلف بالموت أكثر من مرة !
Aucun commentaire