مذكرة « الوضع رهن الإشارة »: إسفين جديد في جسد الجامعة
د. بلقاسم الجطاري جامعة محمد الأول، وجدة
أصدرت كتابة الدولة المكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي، بتاريخ 22 يونيو 2017، مذكرة موضوعها وضع الأساتذة (الدكاترة والمبرزين) التابعين لقطاع التربية الوطنية رهن إشارة الجامعات، وهي المذكرة التي تروم، حسب منطوقها، توفير الموارد البشرية الضرورية والرفع من نسبة التأطير البيداغوجي بالمؤسسات الجامعية.
الوثيقة المذكورة تأتي بالموازاة مع مراسلة وزارية ثانية ذات صلة أصدرها وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بتاريخ 15 يونيو 2017، في شأن الإجراءات والترتيبات الخاصة بالدخول المدرسي 2017-2018، وهي المراسلة التي حددت العتبات التي ينبغي ألا يتجاوزها عدد التلاميذ في القسم الواحد (وهي عتبات أدنى قياسا مع ما كان يعمل به سابقا بخصوص مؤشرات الاكتظاظ).
هي، إذا، إجراءات قطاعية تأتي في سياق الحد من ظاهرة الاكتظاظ المدرسي والجامعي من خلال توفير عدد إضافي من الأساتذة، باعتماد صيغتين: صيغة « التعاقد » بالنسبة للتعليم المدرسي، وصيغة « الوضع رهن الإشارة » بخصوص التعليم العالي. وهما صيغتان مختلفتان بالنظر إلى مترتباتهما الإدارية والاجتماعية بالنسبة للأساتذة، لكنها متوافقتان بالنظر إلى الخلفية السياسية والمالية التي تحكمهما، ونعني بالخلفية هنا حرص الوزارة على تقليص الكلفة المالية اللازمة لإنجاح مشروع الحد من الاكتظاظ، والتزامها بتوجيهات المؤسسات المالية الدولية المعروفة، والتي تحث حكومات الدول المستدينة على تقليص نفقات الخدمات الاجتماعية.
ما يدفعنا إلى طرق هذا الموضوع هو إجراء موازنة سريعة بين إيجابيات القرار وسلبياته، بغية صياغة حكم يلامس الموضوعية نساهم به في توضيح أجزاء من الصورة أمام المسؤولين عن تدبير قطاع التعليم العالي، وهي أجزاء نعتقد أنها غائبة أو مغيبة عن أذهانهم أو غير مستدعاة إلى قاعدة المعطيات التي بني عليها القرار المذكور.
ينبغي القول أولا إن الاكتظاظ هو أحد المعضلات الكبرى التي تواجهها الجامعة المغربية، بل ولا شك في كونه أحد المتغيرات السوسيوبيداغوجية ذات الأثر الكبير في إنتاج الواقع القطاعي باختلالاته وأعطابه الآنية، وأحد العراقيل الكبرى التي وقفت في وجه المشروع الإصلاحي الذي انطلق سنة 2000، خاصة وأن هذا المشروع قد شيد أهم لبناته على أساس إقامة نظام جديد قوامه المراقبة المستمرة والتتبع والمصاحبة.
الاعتقاد بهذا المعطى واستدعاؤه إلى حلبة نقاش التدبير يدفعنا إلى الاعتقاد بلزوم تخطي هذه المعضلة على نحو استعجالي، والمسارعة إلى مباشرة التدابير الضرورية التي تخفف منه بغية الرفع من جودة التكوين والتأطير، وتحسين المخرجات التعليمية والبحثية للجامعة المغربية. ومن هذا المنطلق أيضا ينبغي تفهم البواعث التي أطرت قرار إصدار المذكرة موضوع المقال. وقولنا هنا بضرورة تفهم البواعث مرده إلى يقيننا بالحاجة إلى فضيلة الإنصات والحوار وإيماننا أيضا بوجود نوايا حسنة وصادقة تريد السير بالقطاع إلى الأمام، وإن كنا نميل إلى الاعتقاد بأنها من صنف النوايا الطيبة التي حُفَّ بها طريق الجحيم كما يقول القول المأثور.
في موضوع ذي صلة، نستطيع القول إن أحد أعطابنا السياسية الكبرى عنوانه الغرق في التدبير « اللحظوي » الذي تحركه الاعتبارات « المرضية »، إذ يتوقف فعلنا السياسي في حدود التصرف بموجب طروء الأزمات، إلى حد يمكن القول معه إن دور المسؤول التدبيري والسياسي يكاد يشبه دور رجل إلإطفاء، وبذلك لا ينتظر منه إلا أن يحافظ على ثبات الوضع واستقراره وضمان السير العادي للمرفق العمومي، أو العمل على إعادة هذا المرفق إلى هذا وضع « الاستقرار »، في حال حصول اختلال أو اضطراب طارئ.
في ضوء هذا التقليد يمكن فهم المذكرة الوزارية المذكورة، أي في ضوء سعي كتابة الدولة في التعليم العالي إلى وضع حد لاختلال طارئ هو الاكتظاظ، وذلك باعتماد حل « لحظوي » إطفائي لا يأخذ بعين اعتباره تبعات عديدة تساوق قرار المذكرة وتسير في مسيرها بالموازاة، وهذا هو مكمن الخطر الذي ينبغي التنبيه إليه.
ليس صعبا استشراف المشاكل والاختلالات التي ستظهر حال العمل بهذه المذكرة. يمكن أن نعرض مسألة جودة التأطير بالنسبة للجانب البيداغوجي، إذ يُتوقع انحدار مستوى التكوين والتأطير وما يتصل بهما من مستلحقات بحثية، كما يمكن توقع ضعف المُخرجات المعرفية والقيمية والمهارية، وازدياد خفوت جاذبية الجامعة العمومية، وهو ما سيؤدي بالنتيجة إلى ارتفاع معدلات الهدر الجامعي. وهذه نتائج يمكن قياس معدلاتها منذ اليوم، كما يُتوقع، أيضا، أن تمس هذه النتائجُ مشاريعَ تنمية الجهات، لأنها ستضع الجامعة خارج الاهتمامات التنموية المؤسسية، وستخرجها من دائرة المؤسسات الحاضنة للاحتياجات السوسيومهنية.
أما على المستوى الوضع الإداري (الوضع رهن الإشارة) الذي تقترحه المذكرة للموارد البشرية المعنية، ونعني دكاترة ومُبَرَّزي التعليم المدرسي، فيبدو وضعا ملغوما لاعتبارات عديدة، أولا لأنه متناف مع القانون الإطار، ومن المتوقع أن يسهم في خلق حالة من التشظي داخل جسم الأساتذة، مع ما سيترتب عن ذلك من توترات دافعها الرغبة في تعديل وضعيات هشة، وهو أمر طبيعي ومشروع، إذ لا يعقل من الزاوية الأخلاقية القبول بتكريس تراتبية فجة داخل هيئة الأساتذة، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى التطبيع مع خيار التراجعات وفقد المكتسبات على مستوى الحقوق المادية والمعنوية لشغيلة الجامعة العمومية.
ملامح الاختلال المتوقعة كثيرة لا يمكن أن نحيط بها كليا عبر هذه الورقة الموجزة، وما ذكرناه لا يعدو أن يكون أمثلة فقط، وإذا كان من المفيد التنبيه إلى موطن خطر كبير تنطوي عليه هذه المذكرة، فهو بالتأكيد عملها بقاعدة الدواء الخطإ، وهي قاعدة تزيد، كما هو معلوم، من حدة الداء مخلفة أعراضا جانبية إضافية، يصعب معها تشخيص المسببات الحقيقة للمرض، إذ يتم بموجبها استبدال الخيار العلاجي كاملا، دون أن يكون الخيار العلاجي الأول فاقدا للفعالية في مداواة الداء.
نعني هنا أن مشروع الإصلاح الجامعي قد يبدو فاشلا لا لبواعث موضوعية تخصه كبنية علاجية، ولكن بسبب تراكم « التدخلات » الترقيعية التي يباشرها بعض المسؤولين عن قطاع التعليم العالي، جهويا ومركزيا. وهي تدخلات يمتد أثرها إلى البنية الإصلاحية العلاجية، مما يؤدي إلى سريان الحكم بفشل هذه البنية، رغم أن هذه البنية تكون في واقع الأمر براء من الفشل. فتتم مباشرة مشروع إصلاحي جديد، وهكذا دواليك.
إن علاج آفة الاكتظاظ يتطلب كلفة مادية يستوجبها الارتفاع الطردي للطلبة المسجلين بالجامعات، وازدياد عدد الأساتذة الباحثين المحالين على التقاعد، أي لا مفر من فتح باب التوظيف وإحداث المناصب المالية الضرورية، وكذا ابتداع محفزات مالية وإدارية لتشجيع الأساتذة على الاستمرار بالتدريس بعد الإحالة على التقاعد.
أما اتباع طريق التعامي واللجوء إلى حلول الترقيع في قطاع حساس يفترض فيه أن يجر قاطرة النهضة بالبلد، فيبدو خيارا عواقبه غير آمنة، وطريقا محفوفا بالمشاكل والأعطاب، لذلك نناشد المسؤولين والأوصياء عن القطاع أن يعملوا على إشراك الأطر الجامعية في بلورة الحلول الممكنة، وأن يستشعروا التبعات الخطيرة لمضمون المذكرة موضوع الحديث، وأن يعمدوا إلى إشاعة مناخ الثقة والحوار وحسن النوايا. وليكونوا على ثقة أن الجسم الجامعي في عموميته قد راكم من التجربة والخبرة ما يسمح له بامتلاك رؤية موضوعية لمشاكل الجامعة، تراعي الاحتياجات وتتفهم الممكنات الاقتصادية والسياسية للبلد. أما أن يحصروا كل جهدهم في طرق تقليص الكلفة والميزانيات (في قطاع مُرْتَكَزُهُ الإنسان) فهذا سيؤدي، حتما، إلى خسارات مضاعفة. ألم يقل المغاربة قديما إن البخيل يتعشى مرتين؟
3 Comments
كثير من الاختلالات العلمية شابت المقال, نكنفي بالإشارة إلى بعضها:
– ادعى صاحب المقال بأنه سيكون موضوعيا لكن عنوان المقال يوحي بالعكس, إنها مزلة البداية
– الموضوعية تتناقض مع الذاتية التمديد للمتقاعدين وتتناقض مع الجودة معلومات متقادمة وملخصات مكرورة لعدة عقود في معظم الشعب الأدبية والقانونية
– ترجمون بالحجر دكاترة وزارة التربية الوطنية وهي من صنيعكم ومن إنتاج جامعاتكم وهذا تناقض آخر
– هذا ناهيك عن الاستعمال غير الدقيق لوضعيات لا تقبل المقارنة مثل التوظبف بموجب عقود / تدبير جديد/ والوضع رهن الاشارة وهوتدبير إداري قديم فشتان ما بينهما
طالب
أنا طالب بالجامعة، وما أعرفه، وبعرفه كل الطلبة، هو أن الأساتذة العاملين بقطاع التربية الوطنية (ثانوي – إعدادي – ابتدائي) هم أكثر كفاءة وبيداغوجية ومنهجية من الأساتذة الجامعيين الذين لا يعرفون إلا الأمالي، والتسابق في نيل التعويضات بكل الطرق، بالكذب، والزور، والتملق، والاحتيال… هذا ما يفقد التحصيل الجامعي نجاعته يا صاحب المقال، ويخرج طلبة شبه أميّين.
أنهي كلامي بالآتي: كفاكم حقدا وأنانية وفنطزية يا أساتذة اللاّشيء، باستثناء قلة قليلة منكم.
صدقت يا حسن
ليس في الجامعة المغربية طالب إلا وسيوافقك تمام الموافقة في أن أساتذة التربية الوطنية المكونين يتسمون بالكفاءة والمنهجية والقدرة البيداغوجية العالية؛ بينما أصحابنا العاملون في الكليات -ما عدا قلة منهم- فارغون معرفيا، فقراء منهجيا؛ تصغي لأحدهم ساعتين فأكثر، فلا تدري ماذا يريد أن يقول، بل كلام مدخول غير منخول، وترترة لا رأس لها ولا دنب.
أذكر أن أحدهم كان له بحث في فتوى لأبي الحسن الحجوي حول التأمين التجاري، فكان يدرسها في إطار جل المواد التي تسند إليه، ففتوى أبي الحسن هى الفكر البشري، هي افكر الإصلاحي في المغرب، هي مادة الإجتهاد، هي الفكر الإسلامي…..؛ وهكذا من غير منهاج ناظم، ومن غير رقابة حاكمة