لا يمكن مواجهة حرب الطرق الضارية إلا بالوازع الديني
لا يمكن مواجهة حرب الطرق الضارية إلا بالوازع الديني
محمد شركي
الوازع الديني هو الحل الذي يلجأ إليه عادة عندما تحل الخطوب بالناس ، فإذا انقطع القطر ، أو حل الوباء ، أو عم الخوف …جأر الناس إلى ربهم يستغيثونه . وقد يستخف بعض من يغيب لديهم الوازع الديني بذلك ، فيسخرون من الناس حين يتوجهون إلى خالقهم ضارعين كما يحدث دائما عندما يتأخر نزول المطر ، ويستمطرونه بصلاة الاستسقاء والدعاء . ولقد قرأت يوما مقالا لأحدهم يقول فيه إن نزول المطر مرتبط بخطوط الطول والعرض لمواقع الأقطار الجغرافية ، ولا دخل في ذلك لصلاة الاستسقاء أو الدعاء ، أو ارتكاب المعاصي، ذلك أن الدول الأوروبية لا يحتبس فيها القطر بحكم مواقعها الجغرافية ،والناس فيها لا يصلون صلاة استسقاء ، ولا يتضرعون ، ويشربون الخمر ويزنون … وفي اعتقاده أنه قد أفحم وأقنع بأن الأرض لا رب لها يدير كل صغيرة وكبيرة فيها ، و أن خزائن هذه الأرض و خزائن السماوات بيده سبحانه، وله يرجع الأمر كله ، وأنه إنما خلق البشر ليبلوهم ، ومما يبلوهم به أن يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، ولا علاقة لذلك بخطوط طول أو عرض، بل هي إرادة الخالق القاهر فوق عباده والذي لا يضيره من عصاه ، ولا ينفعه من أطاعه واتقاه .
وإذا كان الناس يجأرون إلى ربهم في الحروب المعروفة التي تزهق فيها الأرواح ، فإنهم يغفلون عن حرب الطرق ،وهي حرب لا تقل ضراوة عن غيرها من الحروب التي تستخدم فيها الأسلحة ، وأن أسلحتها هي المراكب المختلفة ثنائية ،وثلاثية، ورباعية ، ومتعددة العجلات . والوازع الديني وحده كفيل بمنع الناس من خوض هذه الحرب الضارية . ومعلوم أن الوازع الديني يمنع الناس من مخالفة أوامر خالقهم، ويزجرهم عن ذلك . وينشأ الوازع الديني لدى الناس عن طريق معاشرتهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ففي الكتاب يجدون الزاجر الآتي وهو قول الله عز وجل : (( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )) ، وفي السنة يجدون الزاجر الآتي وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : » لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق » . وهذان الزاجران يولدان وازعا دينيا لدى الناس ، وذلك يجعلهم يقدرون مسؤولية صيانة أرواحهم وهم يستقلون مراكبهم المختلفة . ولما كانت هذه المراكب من حديد ، وقد جعل فيه الله عز وجل منافع للناس وبأسا شديد مصدقا لقوله عز وجل : (( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس )) تعين عليهم اتقاء بأسه وهم يركبون مراكبهم ،علما بأنهم في الغالب يهتمون بمنافع الحديد فيما يركبون ، ولا يبالون كثيرا ببأسه الشديد ، ومن بأسه الشديد حوادث السير أو حرب الطرق ، وصدق من سماها كذلك لأنها تحصد الأرواح حصدا كما تحصدها الحروب المعروفة . ومعلوم أن اعتماد الوازع القانوني بالرغم من دوره الذي لا ينكر في مواجهة حرب الطرق لم يفلح في وضع حد لهذه الحرب المستعرة، والتي لا يزداد أوارها إلا اشتعالا سنة بعد أخرى . وعندما نتأمل ما تصرح به الجهات المسؤولة بخصوص أعداد ضحايا حرب الطرق عندنا من قتلى وجرحى ومعطوبين أعطابا دائمة ومسببة للإعاقات والعاهات نستشعر ضرواة هذه الحرب الطاحنة . فمما تم التصريح به بخصوص حوادث السنة الفارطة ما يلي :
ـ مجموع حوادث السير 81827 حادثة ، بمعدل 225 حادثة يوميا .
ـ مجموع الحوادث التي أزهقت فيها الأرواح 3163 حادثة ، بمعدل 9 حوادث يوميا .
ـ مجموع الأرواح التي أزهقت 3593 قتيل ، بمعدل 10 قتلى يوميا .
ـ مجموع الجرحى جروحا خطيرة 8950 جريح ، بمعدل 25 جريحا يوميا.
ـ مجموع الإصابات الخفيفة 109304مصاب ، بمعدل 300 مصاب يوميا .
إنها أرقام تكشف عن فظاعة حرب الطرق التي لم تفلح الإجراءات القانونية في التقليل من خسائرها البشرية . ولهذا السبب يبقى الوازع الديني هو المؤهل لمنع الناس من خوض هذه الحرب ، وذلك من خلال استحضار وعيد الخالق سبحانه وتعالى الذي توعد به الذين يزهقون الأرواح عمدا . ومن إزهاق الأرواح عمدا أن يستخف الناس بقوانين السير، وهي مما تعارف عليه البشر في المعمور من أجل سلامة الأرواح البشرية . والإسلام وهو دين من مقاصد التشريع فيه حفظ النفس إلى جانب حفظ الدين والعرض والمال والنسل ، علما بأن حفظ النفس هو أساس حفظ الدين والعرض والمال والنسل، يقرعرف قوانين السير ، ويعتبره مصدرا من مصادر تشريعه . والتعامل مع قانون السير يجب أن يكون تعاملا مع مصدر من مصادر التشريع الإسلامي بحكم غايته التي هي صيانة الأرواح البشرية المنصوص عليها في الكتاب والسنة . ومن القتل العمد أن يتعمد الناس مخالفة قوانين السير ، فعلى سبيل المثال السرعة حيث لا تجب السرعة، والمرور حيث يمنع بشارات أو أضواء خشية إزهاق الأرواح ، يعتبران في حال حدوثهما محاولتين للقتل العمد الذي حرمه الله عز وجل . وكلما أسرع الناس أو مروا مع وجود ما يمنعهم من ذلك ، فإنهم يذنبون سواء ترتب عن ذلك إزهاق الأرواح أم لم يترتب ، لأن الأعمال في دين الإسلام بالنيات ، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المسلمين إذا اقتتلوا كان القاتل منهم والمقتول في النار، فلما قيل له ما بال المقتول ،قال لقد كان في نيته القتل لما انخرط في القتال ، فكذلك شأن المخالف لقوانين السير لأنه يتعمد فعل ما يترتب عنه القتل . ونظرا لأهمية الوازع الديني في منع حوادث السير ،وهو منع للقتل العمد ، فقد ارتأت وزارة الشؤون الإسلامية تخصيص خطبة منبرية للتحذير من حرب الطرق بمناسبة حلول اليوم الوطني للوقاية من حوادث السير الذي يصادف السابع عشر من شهر فبراير .
ولقد تناولت هذه الخطبة بعض أسباب حوادث السير كالتهور في السرعة ، وإهمال صيانة المركبات، لكنها لم تشر إلى سبب خطير هو تعاطي السائقين المسكرات، والمخدرات، و حبوب الهلوسة . ولست أدري لما تعرض وزارة وصية على الشأن الديني عندنا عن ذكر دور أم الخبائث في حوادث السير، وهي على رأس الأسباب . ولقد أوصت الخطبة بأخذ السائقين الذين يسوقون الحافلات التي تقل المسافرين قسطهم من النوم ، وأمرت من يشغلهم بذلك، لكنها لم توصهم بتجنب تناول المسكرات والمفترات والمخدرات والمهلوسات ، ولم توص من يشغلهم بمنعهم من ذلك . وتكاد الخمر تصير من الأمور الممنوع الحديث عنها عندنا وإن أهلكت العباد، لأنها عند البعض تساهم في اقتصاد البلاد، ولكنهم لا يتحدثون عن إثمها وهو أكبر من نفعها كما قال الله عز وجل ، ومن إثمها أنها سبب من أهم أسباب حرب الطرق . ولقد أتى على الناس زمان يكاد فيه الحديث عن المحرمات والموبقات يعتبر جرما . وفي غياب الوازع الديني يتحول السير عندنا إلى فوضى عارمة مهددة للأرواح والأبدان التي صانها الخالق سبحانه وتعالى . ومن مظاهر غياب الوازع الديني، وهو الخوف من الله عز وجل أن يخشى الناس العقوبات المالية بسبب مخالفاتهم لقوانين السير ،ولا يخشون غضب الله ولعنته ومصير جهنم المخزي إن هم قتلوا النفس التي حرم الله بسبب مخالفتهم لتلك القوانين ، وتراهم يتواطئون على تشجيع بعضهم البعض على الافلات من المراقبة عن طريق استعمال أضواء المركبات لتنبيه المفرطين في السرعة من المراقبة لا من خطورة ما يقدمون عليه من تهور، وهم لا يعلمون أن ذلك الفعل يعتبر جرما في نظر الدين قبل أن يكون جرما في نظر القانون ،لأنه عملية تستر على الذين يتعمدون القتل العمد في حرب الطرق ، بل هو تشجيع وتحريض لهم على ذلك. ولقد شهدت الجهة الشرقية مؤخرا حادثتين مفجعتين حيث صدم شاب متهور طائش بسيارته وهو يقوم بحركات استعراضية متهورة سيارة كانت مركونة جانب الطريق بحي القدس بمدينة وجدة وبداخلها صبية بريئة لفظت أنفاسها أمام عيني والديها ولاذ القاتل المتهور بالفرار، ولعله لا زال في حالة فرار كما قيل . أما الحادثة الثانية فقد وقعت بين مدينتي تاوريرت وجرسيف ، وقد صورها أحد شهور عيان حيث امتطى شابان دراجة نارية، وهما يسيران يسار الطريق، ويعترضان المركبات القادمة أمامهما ، وهما في حالة الله أعلم بها ،ولا يمكن إلا أن توصف بحالة فقدان الوعي بسبب مسكر أومخدر أو مهلوس ، وكانت النتيجة أن صدمتهما شاحنة ، فأردتمهما قتيلين كما يصور ذلك الفيديو المتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولو كان الوازع الدين حاضرا لما أقدم القتيلان على التهور في سيرهما وهما في حالة فقدان الوعي ، ولما أقدم قاتل الصبية الضحية على العربدة بسيارته، ومن غير المستبعد أنه كان هو الآخر تحت تأثير مسكر أو مخدر أو مهلوس .
فهل سيتحرك الوازع الديني لدى الناس لوضع حد لحرب الطرق الضروس أم أنهم سيتجاهلون هذا دور الوازع ، ويضيقون ذرعا بالخطاب الديني الذي يكشف عن هذا الدور في صيانة الأرواح ؟؟؟ ومن المؤسف أن يستخف الناس بهذا الخطاب الديني من خلال الاستخفاف بخطب الجمعة التي صارت موضوع انتقاد وتندر وسخرية واستهزاء .
Aucun commentaire