عندما انعقد المؤتمر الاستثنائي الذي حمل معه حزب القوات الشعبية اسمه الحالي بدلا عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي تمسك به المرحوم،،عبدالله ابراهيم،،واخرون،شهدت الحركة السياسية اليسارية انتعاشا قويا.
لقد لملم الحزب جراحه بعيد أحداث ،،مولاي بوعزة،،والمحاكمات المراطونية التي توجت مرحلة بأكملها،لينطلق العمل السياسي في حلة جديدة مطيته الكفاح الديموقراطي لتحقيق الأهداف بدل ،العنف الثوري،الذي لم ينتج غير،،دار المقري،،وأخواتها بكل ما نجم عنها من فظاعات أعاد معظم الضحايا صياغتها خلال جلسات الانصات التي عقدتها هيئة ،،الانصاف والمصالحة،،.
تمكن الاتحاديون من تجاوز الانكسارات وضريبة النضال الغالية التي دفعوها،واستطاعوا أن يبنوا حزبا قويا تجاوزت شعبيته المحلي الى الدولي.
يعود الفضل في جدارة الحزب الى شخصيات جسدت مفاهيم النضال الشامل على أرض الواقع عبر تعبئة الجماهير واستقطاب الاعضاء والعاطفين ،ومن خلال المداخلات وعقد التجمعات التي كانت تقض مضاجع السلطة .
لن أسرد الأسماء حفاظا على مكانة كل مناضلي الحزب الذين صاروا مثلا أعلى للشباب.
وليتكامل العمل الحزبي،فقد رأت النور أول نقابة ديموقراطية موازية سرعان ما انفردت بطليعة الدفاع عن قضايا الجماهير العمالية،وجردت النقابات التقليدية من الهالة التي طالما نحتتها لنفسها ولزعمائها المزمنين!
كانت انتخابات سنة سبع وسبعين وتسعمائة والف التشريعية خاصة،مناسبة تواصل خلالها الاتحاديون مع الجماهير،وكان منتظرا أن يحصد الحزب حصة كبيرة من المقاعد،غير أن أجهزة الدولة التي شعرت بخطورة المد الاتحادي،لجأت الى الأساليب التي تبدع فيها،فخلقت حزب الأحرار الذي خرج قبل الاوان في عملية محبوكة ليحظى بأغلبية المقاعد ضدا على كل منطق!
وسيتكرر السيناريو سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة وألف عندما ظهر حزب،،الاتحاد الدستوري،،الذي احتكر أغلبية المقاعد البرلمانية في أول تجربة له! وهكذا…
سنة ثمان وسبعين وتسعمائة وألف،شهد المغرب إضرابا خاضه قطاعا التعليم والصحة كانت له تداعيات مؤلمة،حيث تعرض العديد من موظفي القطاعين للتوقيف،وعاش هؤلاء الموظفون أياما عصيبة الى درجة أن الناس تنكروا لهم،وأصبحوا شبه منبوذين ليتعظ غيرهم ويدركوا أن هناك سلطة لها اليد الطولى،ولا يمكن لأحد أن يتحداها!
بعد أشهر من المعاناة،كان على الموقوفين أن يرفعوا رسائل الاستعطاف حتى يفتح امل العفو في وجوههم،رغم أن البعض فضلوا الصمود على نهج هذا الأسلوب،وان كانوا أقلية طبعا!
في هذه الأجواء التحقت بعملي بنيابة بني ملال.كانت أواخر الأسبوع حافلة بالأنشطة الثقافية.فهذه دعوات لمحاضرات،وهذا عرض لأفلام سياسية تعقبها مناقشات رصينة…
كان للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حضور قوي في الاقليم،أتيح لي أن أعيشه خلال تظاهرة فاتح مايو لعام ثمانين.
ما كاد موكب النقابة الفتية،،ك .د.ش يصل الى قلب المدينة حتى انخرط السكان في الصفوف رجالا ونساء مما رفع من وتيرة الحماس وأربك القوات العمومية التي لم تجد بدا من الاستسلام لهدير الجماهير التي نأت بنفسها عن الشغب والتخريب،وعبرت عن مطالبها بأسلوب حضاري.
كنت قد تعرفت على مناضل اتحادي لا يشق له غبار.كان الرجل ناظرا بإحدى الثانويات،وتعرض للتوقيف بدوره،لكنه اختار التصعيد،فقد رفض مسطرة الرجوع،وفتح مكتبة يروج فيها صنفا متميزا من الاصدارات لا يقبل عليه الا المثقفون.
تلقيت ذات يوم دعوة لحضور ،،محاكمة،،برلماني اتحادي من المنطقة،يشرف على ادارتهاالناظر الموقوف.
جرت وقائع المحاكمة الشعبية ليلا،وكانت التهمة طريفة،ذلك أن مناضلي المدينة قد استكثروا على ممثلهم زيارة لأمريكا،واستغلال حيز في ،،المحرر،،للنشر مرتين!
تناوب على المرافعة شباب عاطل وحرفيون،لكن هؤلاء أبانوا عن تكوين اديولوجي جعل المتعلمين الحاضرين يخجلون من أنفسهم!
لقد كان النقاش منطقيا وينم عن دور خلايا الحزب في التأطير يومئذ مما أكسبه رصيدا شعبيا منقطع النظير.
دامت المحاكمة ساعات طويلة اضطر معها البرلماني المعروف لذرف الدموع أمام قوة الحجة التي استند إليها المرافعون!
ان التهم التي وجهت للرجل لم تبلغ درجة الخطورة،ولكنها أظهرت مدى امتثال الاتحاديين لقوانين الحزب،وعدم ترفع البرلماني كما يحدث في ايامنا!
ليست نتائج المحاكمة هي ما شغل ذهني ،بقدر ما شغلتني مقارعة الأفكار!
عندما استرجع شريط الأحداث،أشعر بغصة وأنا أنظر إلى المال الذي انتهى اليه حزب القوات الشعبية بعدما كانت كل الامال معلقة عليه!
أتمنى أن يشهد الحزب صحوة أخرى تعيده الى السكة كما حصل في محطة المؤتمر الاستثنائي.