هل يعاد النظر في قانون التقاعد المدمر؟ !
بكثير من المرارة والحسرة، والإحساس العميق بالقهر والغدر، مازال بعض الشرفاء خاصة في « التنسيقية الوطنية لإسقاط خطة التقاعد » مصرين على مواصلة النضال، يجوبون ربوع الوطن رافعين شعارات الشجب والتنديد، عبر وقفات واعتصامات ومسيرات احتجاجية سلمية، ضد الهجمة الشرسة لحكومة ابن كيران المنتهية ولايتها على تقاعدهم، مطالبين بإلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء وإسقاط قانون التقاعد المدمر، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6495 مكرر بتاريخ: 30 غشت 2016.
ذلك أنه رغم محاولات الرفض والتصدي، وفي خطوة جبانة وفريدة من نوعها، تم تمرير القانون على حساب المستضعفين عوض محاسبة المفسدين، إذ شكلت المصادقة عليه صدمة عنيفة لآلاف الأجراء، الذين شعروا بالخذلان من قبل أحزاب المعارضة والنقابات تحديدا، لأنها أبانت عن ضعفها في حماية مكتسباتهم أمام حكومة فاشلة، تتخذ قراراتها بانتقائية مكشوفة، وإلا ما سر عدم قدرتها على المس بمكاسب وامتيازات الفئات المحظوظة والمستفيدة من اقتصاد الريع وغيره، كمراجعة نظامي معاشات البرلمانيين والعسكريين مثلا، علما أن النظامين معا يعرفان « عجزا ماليا منذ سنوات، تتحمل الدولة أعباء تغطيته من الميزانية العامة »؟
فمجلس المستشارين المتوفر فيه للمعارضة أغلبية مطلقة وتمثيلية وازنة للمركزيات النقابية، وبعد مدة طويلة من « البلوكاج »، سرعان ما باغت الجميع بالمصادقة على مشاريع تلك القوانين، حيث صوت يوم 28 يونيو 2016 لصالحها 27 مقابل 21 وانسحاب 4، فيما تغيب 45 مستشارا من المعارضة والنقابات. وبقراءة سريعة لهذا التصويت « الملغوم »، يتضح أن هناك شيئا ما مبهما، يكشف عن زيف ادعاءات ثلة من الانتهازيين الذين ما فتئوا يوهمون الناس بانحيازهم إلى مطالبهم المشروعة، والانتصار لقضاياهم المصيرية… فأي شيء أكثر إيلاما للشغيلة من انخداعها بمن وضعت فيهم ثقتها الكاملة؟
وليس إقدام الحكومة على استغلال أنفاسها الأخيرة وانشغال المواطنين بالعطلة الصيفية ونتائج آخر السنة الدراسية في تمرير مخططها الجهنمي، هو فقط ما أغاظ المستهدفين من خبطتها العشوائية الموجعة، بل كذلك التصريح الاستفزازي لقائدها ابن كيران، المطيع الدائم لأوامر صندوق النقد الدولي والمدافع الصلب عن مصالح الدولة ضد إرادة الشعب، معبرا عن مدى سعادته بما تحقق له من فتح مبين، إثر تصويت البرلمان على مشروعه التخريبي والمدمر للأجيال الراهنة والقادمة، ب70 صوتا مقابل امتناع 30 دون رفض أي برلماني، في الجلسة العامة المنعقدة يوم 20 يوليوز 2016، حيث قال باعتزاز بالغ: « لنا أن نفتخر بأننا أزلنا من قدم الدولة شوكة مزعجة ». ترى أي شوكة أشد إدماء وألما، من تلك التي غرسها في خاصرة الطبقة العاملة والموظفين، والمتمثلة في الثالوث الملعون: تمديد سن العمل إلى 63 سنة تدريجيا بدل 60 سنة، الرفع من نسبة المساهمات وتخفيض قيمة المعاشات؟ وأي إزعاج أبشع من قراراته الجائرة؟
والأنكى أن يشاع بين الناس أن مسؤولين نقابيين أبرموا صفقة دنيئة مع الحكومة من تحت الطاولة، حيث أشارت مصادر إعلامية إلى أن ترتيبا سبق عملية التصويت، وحسم في النتيجة النهائية، مقابل التغاضي عن إخراج قانون النقابات الذي ينص على تخلي المتقاعدين عن مناصب القيادة بالنقابات، وأن انسحاب أعضاء من مجلس المستشارين احتجاجا على برمجة عملية التصويت، لا يعدو أن يكون مسرحية رديئة للتمويه. أهذا هو الالتزام بالدفاع الحر عن حقوق ومكتسبات المنخرطين؟ أليست أصوات المتغيبين والمنسحبين تصويتا ضمنيا لفائدة الخطة التدميرية؟ وأين نحن من التنسيق النقابي، والتهديد بزلزلة الأرض من تحت أقدام ابن كيران وأعضاء حكومته؟ ألا تعتبر المواقف المتخاذلة للنقابات والمعارضة في الحد من غطرسته والتصدي لقراراته اللاشعبية، ضربا لمصداقيتها وسببا مباشرا في النفور من العمل السياسي والنقابي وضعف المشاركة في تشريعيات السابع أكتوبر الفارط، مما فسح المجال أمام كتلته الناخبة الوفية للواجب الدعوي بإعادته إلى رئاسة الحكومة، وسيشجعه على التمادي في سحق الطبقات الفقيرة والمتوسطة؟
فالمصادقة على القانون/ الكارثة يعتبر اعتداء سافرا على أهم مكتسبات الشغيلة المغربية، وسيظل محفورا في الذاكرة ما لم تتم مراجعته، لاسيما أن ابن كيران كعادته وضع مسودته دون مقاربة تشاركية مع الفرقاء الاجتماعيين، مجبرا أشخاصا أبرياء على دفع فاتورة إفلاس لم يساهموا في حدوثه، لكسب رضى البنك الدولي، مستعملا مختلف أساليب التضليل والترهيب والزعم الزائف بأنه كلما تأخر زمن الإنقاذ، إلا واستفحل الوضع وتعاظمت خطورته، وقد يتعذر على الدولة قريبا صرف معاشات حوالي 400 ألف متقاعد »ة »، بدل إجراء بحث دقيق حول ملابسات هذا « الإفلاس »، ومعرفة إن كانت وراءه تماسيح وعفاريت متورطة في نهب أموال الصناديق أو إساءة تدبيرها، والحرص على عدم الإفلات من العقاب…
ولأن النقابات المناهضة لخطته التخريبية، أرادت تبرئة ذمتها واسترداد بريقها، فقد قامت رفقة فرق المعارضة بالطعن لدى المجلس الدستوري، وطالبت رئيس مجلس المستشارين حكيم بنشماش بتشكيل لجنة تقصي الحقائق حسب المادة 77 من النظام الداخلي، للبث في وضعية الصندوق المغربي للتقاعد. ترى هل من المنطق الحد من تشغيل الشباب العاطل، وإرغام البالغين سن الستين على الاستمرار في العمل لمدد إضافية وتقليص معاشاتهم، دون حتى التفكير في وضع استراتيجية وطنية تعنى بأحوالهم المادية والصحية والنفسية… واستثمار خبراتهم في التنمية؟ وهل ستنجح لجنة التقصي في إعادة الملف إلى الصفر؟ لنواصل الصمود والتعبئة بعزم، فما ضاعت حقوق خلفها مناضلون مخلصون وأوفياء.
اسماعيل الحلوتي
1 Comment
محال يا أستاذي لا أظن ذلك لي عطا الله عطاه!