قدر مدينة حلب أو الشهباء أو مدينة التين والزيتون والفستق أن يكتسحها الغزاة
قدر مدينة حلب أو الشهباء أو مدينة التين والزيتون والفستق أن يكتسحها الغزاة
محمد شركي
أقدار الحواضر كأقدار الخلق ، والأقدار تسر زمنا وتسوء أزمانا ، وقدر مدينة حلب الملقبة بالشهباء ،وهي مدينة تقع شمال سوريا ولها سبعة أقضية هي : جبل سمعان ، وعين عرب ، ومنبج ، والباب ، وعفرين ، وأعزاز، وجرابلس أن تكون عبر تاريخها هدف الغزاة . وحالها مع الغزاة الطامعين كحال حسناء ذات بهاء يتنافس العشاق على طلب يدها ، وخطبة ودها . وتاريخ هذه المدينة ضارب في أعماق التاريخ حيث ورد ذكرها في الكتابات الحثية حوالي الألف الثانية قبل الميلاد ، وكانت عاصمة » يمهاد » احتلها الحثيون نحو 1600 قبل الميلاد , ومع انهارت الامبراطورية الحثية ، استعاد حلب استقلالها من جديد . وتعاقب على احتلالها الأشوريون نحو 738 قبل الميلاد ، واحتلها الاسكندر المقدوني حوالي 333 قبل الميلاد ، واحتلها السلوقيون وسموها » بيرويا » ، واحتلها الرومان حوالي 65 قبل الميلاد ، وخربها الفرس حوالي 540 ميلادية ، وفتحها العرب حوالي 637 ميلادية ، و أصبحت عاصمة جند قنسرين ، وجعلها الحمدانيون عاصمة ملكهم حوالي 944 ميلادية ، وقد عرفت ازدهارا كبيرا في عهدهم خصوصا في عهد الأمير سيف الدولة ، واحتلها البيزنطيون مرتين حوالي 962 و 969 ميلادية ، وخضعت للفاطميين حوالي 1017 ميلادية ، واحتلها السلجوقيون حوالي 1070، وحكمها الأيوبيون في عهد صلاح الدين حوالي 1183 ميلادية ، واجتاحها المغول حوالي 1260 ، واحتلها المماليك بعد معركة عين جالوت حوالي 1260 ميلادية ، وحكمها العثمانيون حوالي 1516 ميلادية ، واحتلها الفرنسيون خلال العقد الثاني من القرن العشرين . وكان قدر حلب كقدر كل المدن السورية أن تعيش تحت ظل تسعة انقلابات عسكرية آخرها انقلاب 1970 الذي جاء بحكم الأسرة العلوية النصيرية وبالطاغية حافظ الأسد الذي ملّك على سوريا ابنه الطاغية بشار الذي قمع ثورة الشعب ضده، كما كان الغزاة يفعلون دائما حينما يثور عليهم أهل حلب ، وهم أهل أنفة وإباء . ومن أجل إنقاذ الديكتاتور النصيري البعثي جاء الاحتلال الروسي والإيراني، علما بأن سوريا بعد انقلاب حافظ الأسد صارت قاعدة عسكرية روسية .
والمتأمل لتاريخ حلب الشهباء يلاحظ تناوب الغزاة على غزوها واحتلالها . وما أشبه يومها بأمسها ، فهاهم الروس المغول والإيرانيون الفرس يخربونها كما خربها أسلافهم من قبل ، وقد خاطوا لها من نسيجها الشهير كفنها ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة على عادة الملوك الطغاة كما قالت ملك سبأ التي ورد ذكرها في القرآن الكريم . والمتأمل لتاريخ حلب الحضاري العريق يفهم جيدا لماذا استهدفها الروس والإيرانيون. فالروس أرادوا تدميرها على غرار ما فعل أسلافهم المغول ، كما أراد الإيرانيون تخريبها كما فعل أسلافهم الفرس . وللإيرانيين سبب آخر لغزو حلب لأنها خضعت لحكم الشيعة الفاطميين ، فهم يرون أنها تمثل إرثا شيعيا . والمجازر التي ترتكب في حق الحلبيين السنة اليوم إنما هي مجازر على غرار ما سجله التاريخ عن مجاز ارتكبها الفاطميون في حق أهل هذه المدينة من المسلمين السنة . ومعلوم أن محاصرة حلب وقصفها وتدميرها الدمار الشامل اشترك فيه مع النظام البعثي النصيري الشيعة الإيرانيون وميلشياتهم اللبنانية والعراقية الحاملة للفكر الانتقامي الدموي بسبب العقيدة الرافضية التي تتذرع بمقل الحسين بن علي رضي الله عنهما لاستباحة دماء وأعراض وأموال المسلمين السنة .
والمؤسف بل المحزن أن المسلمين السنة في العالم يقفون متفرجين على إخوانهم الحلبيين وقد استبيحت أرواحهم وأعراضهم وأموالهم من طرف الروافض والروس .ومما يخزي ما يسمى العالم الحر أنه يتفرج على هؤلاء البؤساء وهم يبادون إبادة جماعية مع أن هذا العالم الذي يسمي نفسه حرا يتبجح بشعار الدفاع عن حقوق الإنسان وحريته دون أن يوقف مجازر حلب وكأن الحلبيين ليسوا من البشر . ومن السخربة بحلب أن يتضامن معها الفرنسيون بإطفاء أضواء برج إيفل ، ويكتفي ساستهم وساسة غيرهم من الدول الغربية بالتعبير عن أسفهم عما يحصل فيها لأن مصالحهم تقتضي ذلك ، وهو ما استباحها للروس وللإيرانيين . والمخزي أيضا أن الشعوب العربية والإسلامية تلتزم الصمت وكأن حلب لا تعنيها . ومما جعل حلب تستهدف أيضا أنها تحتضن أقوى معارضة ضد النظام المستبد ؟ ولقد تواطأ الغرب والروس ضد هذه المعارضة خصوصا الإسلامية منها من خلال استنبات عصابات داعش الإجرامية لتلعب دور المبرر بالنسبة إليهم للقضاء على تلك المعارضة لأن الغرب لا يريد ما يسميه الإسلام السياسي في الوطن العربي حيث استنبت الكيان الصهيوني لخراب هذا الوطن . ولقد كشف التآمر على حلب الثائرة كيف التقى الصهاينة والغربيون والروس والإيرانيون عند فكرة دمارها من أجل القضاء المبرم على جذوة ثورة الشعب السوري . وينسى المتآمرون أن الغزاة عبر تاريخ حلب الطويل انقلبوا خاسئين ، وبقيت حلب شامخة وصامدة، وستبقى كذلك إلى الأبد . صبرا أيتها الماجدة الحلبية فعرضك أشرف وأقدس من أن ينتهك ، ومزيدا من الصمود أيها الحلبي البطل ، ولئن أخرجوك اليوم فإنك عائد بعد ذلك بعزيمة الصديق والفاروق وخالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح وأبي فراس وصلاح الدين . ولقد كان طغاة الماضي أشرس من طغاة هذا العصر، لكنهم غلبوا أمام شموخ قلعة حلب الشامخة لأن قدرها هو الشموخ الأبدي الذي شاده الفتح الإسلامي ليبقى أبد الآبدين.
Aucun commentaire