عجلات بسرعة مائة جثة
رمضان مصباح الإدريسي
لو لم يُردها مدنية لما هاجر إلى المدينة:
يتألم الفرنسيون ، في » نيس » وما قبلها ،ألما واحدا؛ألم الضحية .أما نحن- هنا وهناك في هذا العالم الإسلامي المنكوب – فنتألم ألمين ؛ألم المجرم وألم الضحية،معا.
المجرم منا ، وان كرهنا؛ ينتهي منفجرا أو قتيلا ،مخلفا أوزاره أثقالا في أعناقنا،وهي على جاليتنا أثقل .ومخلفا في نفس الوقت درسا حيا ،يمارس أستاذيته على شباب اليأس والعبث والتفاهة.
الشباب الذي عرفت الأصولية الضاربة كيف تعيد تدويره وتثمينه ،طاقة دموية – من نفايات المجتمع – تغذي جسد « الخلافة ».
والضحية منا ؛من هذا المشترك الإنساني العالمي، الذي نبنيه جميعا ؛صرحا للأخوة ,المساواة،العدالة والرقي .وبضغط عال حارق لكل أشباح التاريخ وأسماله وكراهياته.
حتى وان غَشنا المجرم ،وأزرى بنا ، فهو منا؛من هذا المشترك الديني الذي يتسع ،كما كان دائما ، لكل شيء:
لله أكبر الصادقة وهي تُجل الربوبية وتُعزها؛ولله أكبر الكاذبة ،وهي تشرعن الجريمة المكتملة الأركان.
للفقه الرحيم الذي شذبته الحضارة ؛رغم أنف بعض السند الدموي من نصوصنا الشرعية ،التي نتعبد بفقهها ،ونرى الله لها حافظا،لنعزلها عن دينامية التاريخ ؛بل ونُفتي بالحفاظ عليها ؛تقطر دما ،كما بلغتنا؛ وللفقه الارهابي الذي نبت،كطلع الشياطين ، على هامش الاستبداد وقهر الشعوب .
يتسع للفكر الحر،وهو يحلق طليق الجناح ؛غير آبه ،في سباقه، لا بالملائكة ولا بالشياطين ؛وللفكر المتحجر الذي آمن بأن البدعة – وهي من العقل الفعال – أفعى تتربص به ،حتى وهو في جحره،لايغادره.العقل في الجحر والأفعى خارجه.
يتسع للعالِم العالِم ؛وهو يسائل الكون ،ويُسبح للتجربة والبرهان ؛وللعالِم النصي –ولو رواية ودراية – الذي لم يَرشُد بَعدُ ليحقق الإنسان الأسمى الذي لا يريده الله تلميذا لا يتخرج أبدا.
لو أراده كذلك ما أمات رسله،ولا أكمل دينه ؛ليؤسس الانسان دينه المدني.(أنتم أدرى بأمور دنياكم).
أردنا لهذا المشترَك أن يتسع لكل شيء ؛حتى للشيء وضده – كما حل الأصوليون مشاكلهم – لنرتاح ،وننام في العسل الدنيوي ؛في انتظار عسل الجنة وألبانها.
نتربص بخوارق العلم، ونَكيد لها بخوارق الاشراقات و الدجل .
نتربص بالعلماء لنضبطهم متلبسين بسرقات علمية من معلقاتنا الجاهلية ؛أو على الأقل نتهمهم بعدم ذكر المصدر.
نتربص بالشعراء ولا نرى لهم مُقاما غير وادي عبقر ؛حيث الغاوون تحدوهم قبائل الجن.
نتربص بالدول المدنية،المعتدة بالإنسان كما هو ،بعيدا عن جزر الآلهة؛لنقيم عليها حد تعطيل النبوة ؛رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم – وهو يهاجر إلى المدينة – أرادها مدنية ،بدون خِلافة.
لو أرادها دينية للازم مكة حيث كل الألهة ونواسخها؛ وحيث أُوحِي إليه بأصول العقيدة .
نتربص بالعَلمانية ؛موهِمين بأنها كفر صُراح ؛ونحن نعلم أن الخلية النبوية الأولى –بمكة- خلية علمانية ،تمردت على سدنة الكعبة ، من لهاميم قريش. وحلفُ الفضول بالباب شاهدا على بذرة التحول الحقوقي العميق الآتي؛بعيدا عن سطوة الغرانيق .
حيثما أمطرت يأتيني خراجك:
هكذا أفتى الخليفة ببدعية الاحتفال بالثورة الفرنسية،وسقوط سجن الباستيل (14يوليوز1789) .
الثورة التي أطاحت باستبداد النبلاء،وجرفت مزارع رجال الدين،وفضحت أسرار مخازنهم.
استكثر الخليفة على ثورة الشعب الفرنسي أن تعيش بهيجة إلى اليوم،وتبني دولة مدنية قوية ،مقيمة الحجة على فساد الكهنوت الذي أدخل القارة الأوروبية في حروب دينية لا تنتهي.
اختار الدوس على هامات الراجلين لأنهم من الشعب المبدع الذي يكره.
الشعب الذي أسس مدرسة للحرية ،ولجتها كل الأجيال ،من جميع الجنسيات، لتتعلم روح القوانين ؛كما صاغها فقهاء اجتماعيون، يضربون في الأرض بحثا عن تجليات الحق الإنساني؛وليس عن الحوريات الأبكار،في فضاءات خارج الكون ،وزمن خارج الأزمنة ،وبُعد خارج الأبعاد البشرية.
ذئب بعجلات لتصفية قانون السير الفرنسي ،الذي يراعي حتى حقوق القطط والضفادع.
ادهس ثم ادهس ،وزدهم دهسا ،حتى يعافوا أكل اللحم لمائة سنة آتية.
هشم جماجم « الغاليين » حتى ترتعد كل فرائصهم حينما يُنادى على الثورة لتراقص شبابها كل عام.
ذئب بعجلات ،قيل له إنها توصل إلى الجنة؛مُحملة بما دهست ودعكت وعافت ؛هدية من الخليفة إلى اله يتمثله دمويا على شاكلته؛ينتظر قرابين الموصل والرقة ،مهرا لحورياته.
يمد الخليفة رجليه في العراق المُدمر،ورأسه في عراق الحجاج بن يوسف؛يتثاءب ،ثم ينظر إلى السماء ،تشقها مقاتلات التحالف العالمي: حيثما أمطرت يأتيني خراجك؛دما أو ذهبا،ففي كل خير.
يقولها ضاحكا شامتا ؛مادام يعرف أنها مُبرمجة للحفاظ على سلامته ،تمددِه؛في حرب لا نعرف منها إلا ما نرى ؛ويعرفون أنها كل شيء إلا ما نرى.
غدا ستواصل شاحنات أخرى طمأنة الخليفة على خراج الخليقة كلها ؛كما أراد لها صقور السياسة.
Sidizekri.blogvie.com
Aucun commentaire