في البحث عن الأمن الحزبي ،والمعنى.
رمضان مصباح الإدريسي
ألا تُستفتى الأغلبية الصامتة ،في الأحزاب؟
الأغلبية التي اختارت السكن في الوطن الصامت ؛الوطن الذي يطل على الوطن ،ويتناهى إليه الصخب السياسي الحالي ،وكأنه سمفونية أدغال يعزفها الناب والمخلب.
حتى التاريخ اختار الانزواء في هذا الوطن الصامت ،ليستريح بين تفاصيل الذكريات،ونواصي نبلاء الفرسان الذين مروا من هنا .
اختار التاريخ الهروب من التأْريخ لصخب الأدغال.أدغال ما قبل التاريخ.
لو اجري استفتاء ،في هذا الوطن الصامت ، حول المعنى الحزبي :هل هو موجود؟ هل هو منعدم؟ هل هو في المنزلة بين المنزلتين ؟ لصُدمنا بالنتائج ،ولسقطت الكثير من الأقنعة ..
استفتاء تشرف عليه جهة أكاديمية محايدة؛في إطار بحث استراتيجي يستهدف التأسيس لنهضة سياسية ،مغربية ،جديدة ؛تخرج الوطن من الأدغال الحزبية الحالية ، التي تاه فيها؛مستعيدة كل زخم الحركة الوطنية ؛لكن دون السقوط ،من جديد،في التقديس والجمود.
استفتاء،لكن على أساس فهم مواطِني سليم للمعنى ،الذي تغدوا الأحزاب ،بدونه، مجرد أسواق بادية ،تلتئم للحصاد الانتخابي ،وتتفرق ؛منتظرة دائما الفتح ، كما المطر،من السماء.
أحزاب مصيخة بآذانها جهة المؤسسة الملكية ،تقعد منها مقاعد للسمع ؛حتى لا تكون برامجها غير برامج المؤسسة إياها.
*المعنى الذي يجعل من الحزب جامعة حقيقية للمواطنة؛ بل مدارج لا يرقاها للوصول إلى « الأغورا » السامية ،التي هي البرلمان- المصان وليس المهان – إلا من علا كعبه معرفة ،نضالا ،أخلاقا،وتضحية ؛خارج عمود النسب ،وخارج شَرْطي الثروة والجاه.
أحيل هنا على بعض مواطنينا بالمهجر الذين ارتقى بهم /وبهن نشاطهم السياسي إلى احتلال الصدارة النيابية والوزارية في دول لا تعترف بغير الكفاءة والإخلاص.
ألم تكن رشيدة داتي مجرد طفلة ترعى الغنم ؛قبل يهاجر بها الأب إلى ربوع الديمقراطية الحق ،وتكافؤ الفرص؟
* المعنى الذي يبني، من جديد الأمن الحزبي، الذي انهار في أذهان المواطنين:
نتحدث عن سنوات كنا نخالها عِجافا ،بل واعتبرناها سنوات رصاص ؛دون أن ننتبه إلى أنها –وان كانت كذلك- فقد كانت أيضا سنوات أمن حزبي :
أمن يشعر فيه المواطن بأن الوطن مؤطر فعلا بأحزاب وبرجال ؛وان قسا بعضهم على بعض سياسيا ؛وصولا إلى التغييب والإقبار.
لقد أفضت شراسة المعارضة اليسارية إلى ميلاد ملكية قاسية ،أعقبت ملكية رحيمة ومواطنة ،هي ملكية محمد الخامس رحمه الله.
لكن من هذه القسوة بالضبط وُلدت معارضة قوية ؛لا هوادة في أطروحاتها وبرامجها ؛إلى أن ارتضى الطرفان ،لدواعي إستراتيجية ، التشارك والتوافق ؛ فكان السلام سلام شجعان حقيقي ؛ ولم يكن مخططا له أن ينتج شك المواطن في كل شيء ؛مما فل في عضد جبهة اليسار ،وفرقها طرائق قِددا.
ليس وحدها طبعا، لأنها ركن ؛والركن حينما ينهد يتصدع له البنيان الحزبي كله.
نعم للمرحلة ظروفها وشروطها ؛ولا يمكن استعادتها اليوم ؛بل لا ينبغي ذلك، لأن التوازن بين الدولة والأحزاب لا يتحقق ،فقط، بالارتياب والشك ،والرعب المتبادل.
أحزابنا اليوم تزيد على الثلاثين ،لكنها لا تحقق لنا الأمن الحزبي :
لو أدليت فقط بتحالفات الليل التي ينقض النهار غزلها، لكان هذا كافيا للإقناع.
كيف يتبنى المواطن عقيدة حزبية ،ويناضل من أجل تنزيلها برامج وخططا ،وهو يعرف أن قيادات الحزب من الممكن أن تفرغ كل الحمولة في أول منعطف؟
كيف يثق المواطن ويصعد في سلالم الحزب مطمئنا ،والحال أن قشور الموز تتربص بقدميه في كل لحظة؟
يجب أن يُنظر إلى الأمن الحزبي على أنه شرط لقيام الدولة المدنية ؛وعلى أنه يجب أن يندرج ضمن الحقوق التي تنتجها المواطنة. إن الحق في الأمن الحزبي يُنتج المواطن المقبل على الشأن السياسي؛كما يمكنه أن ينتج المواطن اللامنتمي ؛اختيارا وليس افتقادا للمعنى لدى الأحزاب.
ولو أدليت فقط بأولوية المنصب الوزاري والنيابي – لدى أغلبية الأحزاب- على العقيدة الحزبية ؛لبدا واضحا كيف تهدم الأحزاب الأمن الحزبي في نفوس مناضليها ،والمواطنين عامة.
لو أدليت فقط بهذه اللوائح التي تُسمى وطنية ،وتُحَفظ في اسم النساء والشباب ؛وهي لا تعني ،في الحقيقة ، غير حلائل وكريمات وفلذات كبد القيادات الحزبية ،لفهمنا كيف قَبِل هؤلاء أن يدوسوا على مصداقية أحزابهم ؛وكيف ارتضوا لنا الحرمان من الأمن الحزبي الذي ننشده.
إن المعنى الحزبي الذي ينتج وطنا –وليس منصبا- يجعلك لا تُقَيِّم أداءك السياسي بمنطق الربح والخسارة ،وبمنطق « ولاه باباه ما يديها »،وبمنطق علي وعلى أعدائي،وبمنطق اليد الطويلة واليد القصيرة ؛بل براحة الضمير ،واعتبار أنك إن خسرت نفسك فلا قيمة لأي كسب ظرفي تكسبه.
إن المعنى الحزبي ،إن نضج في ذهنك، يقض مضجعك ،إن بدا لك ، أو دُعيت ، إلى قتل الأمن الحزبي في الذين حشدتهم، من حولك ، بقيمة مضافة من الصدق المزعوم، والحزم والشفافية..
إن المعنى الحزبي ،إن لم يُقدرك على الفوز ،يؤهلك لكتابة فصول من التاريخ ؛تشتغل نيابة عنك ،حينما يطويك الثرى ، وتنساك كل اللوائح.
كم من رئيس حكومة مر من هنا ،عابرا في حكومة عابرة ؛لكننا حينما نُخلص الذكرى للأفذاذ منهم نمر حتما بمحطات عبد الله إبراهيم ، عبد اللطيف الفلالي وعبد الرحمن اليوسفي. وستظل اللائحة مشرعة على المستقبل ليلجها فرسان آخرون.
المعنى الحزبي هو الذي يجعلك تربأ بنفسك عن استثمار الدين في السياسة ،والسياسة في الدين ؛وأنت تعلم أنه شأن رسولي ،وحكمة إلهية سقى بها الله كل الحدائق وليس حديقتك أنت فقط.
المعنى الحزبي المنتج هو الذي يجعلك تحارب أمية الأميين ، وجهل الجاهلين ؛لا أن تُبقي عليهما طريقا سيارا صوب المنصب .لأن تكون منهزما في شعب متعلم، أفضل من أن تكون منتصرا بشعب جاهل.
من ينسى مَخزِية الصدر الأعظم حينما حذر المرحوم محمد الخامس من تأسيس مدارس الحركة الوطنية؟
المعنى الحزبي هو الذي يدفعك إلى أن تتوخى مكارم السياسة ،لكن عبر طرق الفضيلة السياسية التي لا تَعبُر ،حتما ،فوق الجماجم.
المعنى الحزبي هو الذي يجعلك ترفض أن يمزجك أتباعك بدينهم ؛في صلاتهم وتراويحهم ونذرهم وأيمانهم.
المعنى الحزبي ،إن نضج في ذهنك ،يربأ بك أن تغري الناس بمال حرام ، أو ما يؤدي إليه؛ كأن تسعى إلى تشريع آفة مؤكدة الضرر. نعناع كتامة مثلا.
المعنى الحزبي هو الذي يربأ بك أن تركب حصانا ؛وحولك القوم راجلون. أما أن تنفق على راحلتك
ملا يين الدراهم ،وحولك الجوعى والغرثى ؛فهذا شطط وغرور وكِبر..
ويبقى المعنى الحزبي أعز ما يطلب لتحقيق الأمن الحزبي.
لا نحتاج هنا إلى شرطة سياسية ،ولى زمنها ،بل إلى شرط سياسي يجب تحقيقه لمواجهة كل التحديات التي أضحت تخرج أعناقها.
لنستعيد جميعا الوطن الذي اختار أن يصمت.
لنوقف سمفونية الناب والمخلب. لأن يقتلنا المعنى خير من أن يفتك بنا اللامعنى..
Sidizekri.blogvie.com
Aucun commentaire