لماذا يجب رفض شعار الإسلام هو الحل؟
لماذا يجب رفض شعار الإسلام هو الحل؟
أحمد الجبلي
من الشعارات الخاطئة التي يرفعها بعض الإسلاميين من حين لحين، سواء أثناء المظاهرات أو الأنشطة الإشعاعية هو شعار « دستورنا القرآن ». كما أنه لا يختلف في كثير عن شعار الإسلام هو الحل.
جاء في الكلمة التي ألقاها رئيس حركة التوحيد والإصلاح الأستاذ عبد الرحيم الشيخي بالجامعة الشتوية للقيادات الطلابية بالرباط هذا اليوم، أن الحركة التي يترأسها تنطلق من مبدأ » الإسلام هو الهدى » وليس من « الإسلام هو الحل »
ولعل هذه الشعارات، لعدم اطلاع العديد من الناس على الثقافة الإسلامية، يجهل معناها أو يستعصي عليه تفسيرها،
وعودا على بدء وحتى لا يبقى قولنا بأن شعار » دستورنا هو القرآن » خاطئ مجهولا في الأذهان فلابد أن نوضح مكمن الخطأ وعن الصواب من خلال التحديد الحقيقي لدستور المسلمين.
إن الصيغ التي يمكن اعتماد القرآن الكريم فيها كمصدر للتشريع لا تخرج عن أربع صيغ، فالصيغة الأولى هي أن نقول أن الشريعة الإسلامية أو القرآن هو المصدر الأساسي والوحيد للتشريع وسن القوانين، أي إن صح التعبير هو الدستور الوحيد والأوحد الذي ينظم شؤون العباد والبلاد، والصيغة الثانية أن نقول بأن القرآن هو المصدر الأساسي في التشريع، أي مصدر أساسي إلى جانب مصادر أخرى هي الأخرى أساسية، والصيغة الثالثة أن نقول بأن القرآن مصدر أساسي في التشريع، والصيغة الرابعة وهو أن نقول القرآن مصدر في التشريع أي مصدر ولكنه ليس بالضرورة أن يكون أساسيا.
وقبل أن نحلل هذه الصيغ الأربعة لنصل بالقول أن القرآن ليس دستورا للمسلمين بالشكل المبهم المرفوع في الشعارات، لابد أن نحدد بأن القرآن الكريم لا يمكن فصله عن السنة النبوية حتى لا نقع فيما يقع فيه الذين يسمون أنفسهم بالقرآنيين ويقصون السنة النبوية التي هي وحي ثان من عند الله معنى لا لفظا.
إن القول بأن القرآن أو الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي والوحيد في التشريع، وهذا هو المقصود بشعار » دستورنا القرآن » هو تضييق لواسع، وهذا ما وقعت فيه السلفية المعاصرة عندما فهمت قول الله تعالى » اليوم أكملت لكم دينكم » أي فهمت أن الدين كامل من كل جوانبه بكلياته وجزئياته وتفصيلاته وأي إضافة كانت فهي بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وقد بين العلماء أن اكتمال الدين ليس معناه أن جميع أحكام الشريعة محددة بجزئياتها، بل معناه قدرة الشريعة على الاستجابة لحاجات الواقع ومتغيرات الحياة. ولذلك اتفق العلماء على أن الأحكام نوعان: حكم لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدر بالشرع على الجرائم. ونحو ذلك. فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
والنوع الثاني ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا وحالا، وهذه الأحكام التي تتغير زمانا وحالا يسميها بعض العلماء بالأحكام المفوضة، أي أنها مفوضة لاجتهاد ولي الأمر للنظر فيها بحسب ما تقتضيه مصالح الأفراد والجماعات، وهي التي اصطلح عليها بعض الفقهاء المعاصرين ب » منطقة الفراغ التشريعي » وهي تلك المنطقة التي تركها الشرع للاجتهاد الفقهي، وأذن فيها للأفراد والهيئات المختصة بوضع التشريعات والتنظيمات المناسبة في إطار مقاصد التشريع وأهدافه العامة.
ويسميها بعض الفقهاء أيضا » بمنطقة العفو » أخذا من الحديث النبوي الشريف عن سلمان قال: » سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال: » الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه » رواه الترمذي
وبدون الإطالة في هذا، يكف أن نذكر الناس بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع أول دستور مدني في التاريخ والذي هو دستور المدينة الذي يحتوي على اثني وخمسين بندا تنظم شؤون الأمة الإسلامية وتحدد حقوق المواطنين سواء كانوا يهودا أو نصارى أو عبدة أوثان.
وهذا الدستور، الذي هو غير القرآن، نفسه أقر العديد من التشريعات التي كانت تعمل بها بعض القبائل مثل احتواء الوثيقة على صيغة » وأن بني فلان على معاقلهم » أي هي تزكية لبعض التشريعات التي كان معمولا بها من طرف بعض القبائل إلى جانب القرآن الكريم والسنة النبوية.
إذن إن القول بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي والوحيد مرفوضة جملة وتفصيلا لأنها تجعل الإسلام متحجرا جامدا لا متفاعلا مع الواقع وغير صالح لجميع الأزمنة. والذي يقول بهذه الصيغة ويتحجر عليها إنما يريد من التجربة الإسلامية الأولى أن تبقى خالدة صالحة لكل الأزمنة بكل تفاصيلها وخصوصياتها، وهذا ما لم يفعله حتى الصحابة الكرام والشواهد على ذلك كثيرة نكتفي بذكر مثال واحد منها،
ففي مسألة ضالة الإبل التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سئل عنها: » معها حذاؤها وسقاؤها تأكل الشجر وترد الماء فذرها حتى يأتي باغيها » ونلاحظ أن الوضع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع خاص يمتاز بإيمان الناس وأمانتهم وخوفهم من الله فلا أحد يؤذي ضالة الإبل أو يسرقها أو يطاردها، ولكن الوضع سيتغير أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه نظرا لاختلاط الناس وامتزاج العامة مما جعل المجتمع يختلف قليلا عن مجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى الخليفة عثمان رضي الله عنه أن تباع ضالة الإبل ويوضع ثمنها في بيت مال المسلمين فإذا جاء صاحبها منح له ثمنها. وسنرى أن الوضع والحكم سيتغير كذلك على عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث أمر أن تصنع لها محمية ويوضع لها أكل وشرب بمقدار ما يسمح لها أن تبقى على قيد الحياة أي لا تسمن ولا تجوع إلى أن يأتي صاحبها.
فالصحابة بفهمهم العميق بآليات التنزيل مراعاة لخصوصيات الواقع والظروف جعلتهم يمكنون للإسلام تمكينا في أزمنتهم وجعلوا الناس يتفاعلون معه لكونه يتفاعل مع قضاياهم اليومية، دون الإخلال بالمبادئ والقيم الكبرى التي لا تتغير ولا تتبدل بل هي المرجع عند التنازع والاختلاف.
إذن لنختم ببطلان القول بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي والوحيد للتشريع. مما يجعل شعار « دستورنا القرآن « مجحفا في حق الإسلام.
ولنثني بالصيغة الرابعة والثالثة كي نترك الصيغة الثانية لغرض في النفس، فالصيغة الثالثة وهي قولنا إن الشريعة مصدر أساسي في التشريع والتي تعني أن هناك مصادر أخرى أساسية و في نفس مستوى الشريعة، وهذا أمر مرفوض ولا يقبل به الإسلام ولا المسلمون. والصيغة الرابعة وهي قولنا الشريعة الإسلامية مصدر في التشريع أي هي في مرتبة متردية وبصيغة النكرة وهو أمر لا يقبله الإسلام إطلاقا، وتبقى الصيغة الثانية وهي قولنا بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي في التشريع، أي الإقرار بإعطائه الصدارة والمصدرية في التشريع ولكن دون اعتبارها المصدر الوحيد لإمكانية اعتماد مصادر أخرى تكميلية، وبما أنها هي المصدر الأساسي فلابد أن تكون جميع التشريعات الأخرى تابعة للكليات الكبرى التي جاءت بها الشريعة لإسلامية أي لا يمكن أن نسمح بتشريع أو قانون يحل الزنا أو الخمر أو يحل حراما أو يحرم حلالا. وقد أجمل فقهاء العصر من مفكرين إسلاميين وعلماء بوضعهم لقاعدة مهمة في اعتماد قوانين أخرى من غير الشريعة الإسلامية وهذه القاعدة تعرف القانون الإسلامي بأنه كل قانون حقق مصلحة ولم يعارض نصا، أي العمل على تفقيه القانون عوض تقنين الفقه، وبهذه القاعدة يمكن استيعاب او اعتبار أكثر من تسعين في المائة من القوانين الوضعية هي قوانين إسلامية بما أنها تحقق مصالح الناس ولا تعارض نصا صريحا.
وفي ظل هذا يمكن فهم مبدأ الإسلام هو الهدى، وشعار الإسلام هو الحل » فالإسلام هو الهدى كرسالة خالدة ديناميكية متحركة في الزمان والمكان، لها قدرة على الإجابة على جميع الإشكالات والأسئلة التي يطرحها الإنسان المعاصر، وهو رحمة للعالمين، يرفع الضيق والحرج عنهم ويريهم سبيل الراحة النفسية ويحررهم من سلطان الشهوة والنفس ويجعلهم عبيدا لله تعالى وحده، وأما كون الإسلام هو الحل، بالشكل الذي ترفعه العديد من الحركات الإسلامية في هذا العصر، هو شعار مجحف في حق الإسلام نفسه، لأن الإسلام كدين شيء وفهم الإسلام شيء آخر والعالم اليوم يحتاج منا لفهم معين وإبداع آليات في إنزال تعاليمه. أي العالم اليوم يريد إسلاما متحركا متفاعلا وفي تفاعله وديناميته توجد إسهامات مهمة ليعيش الإنسان المعاصر السلم والتسامح مع جميع بني البشر، ثم إن شعار الإسلام هو الحل هو شعار إقصائي لجميع المكونات التي تتحرك مع الإسلاميين في الساحة، والإسلام هو مصدر من مصادر إيجاد الحلول مع الإقرار بوجود مصادر أخرى يمكن اعتمادها إسلاميا إذا حققت مصلحة ولم تعارض نصا حتى ولو كان مصدرها من أمريكا أو روسيا أو أحزاب علمانية لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد.
Aucun commentaire