! ما أضيق العيش لولا فسحة الفايسبوك
فقط للتوضيح : هذا الكلام هزلي ، هو خاطرة إن شئنا القول ، ورغم أنه يُلامس الواقع في بعض فقراته ، إلا أنه من الأفضل ألا يؤخذ مأخذ الجِد
——————–
تحية افتراضية لجميع سكان العالم الأزرق ، وبعد حدثنا شخص افتراضي قال:
ذات يوم من الأيام،كنت أمشي في الطريق ،صدفة التقيت بصديق.سألني عن أحوالي وأحوال العائلة ، وكل من له بي صلة ، من الأقارب و أفراد العائلة .
بعدها استفسرني عن حالة الحاسوب.أجبته على ما افترضته دعابة وممازحة ،بأنه بخير وعلى خير ،سليم لا يشكو من علة .
مرت عدة شهور ،تعطل الحاسوب.حاولت معه فلم يستجب .فحصته لعله يكون تعرض لفيروس ، لكن دون جدوى. هل أصابه مكروه؟ لم أطق صبرا .انشغل بالي به.قلقت كثيرا.عرضته على تقني ذو اختصاص كما هو الحال عندما يمرض فرد من أفراد الأسرة.فالحاسوب كذلك يُصاب بالعدوى ، يمرض ، يتعطل وقد يموت ،لا قدر الله ،حين يأتي أجله فلا تنفغ يومئذ نافعة.
أصبحت شديد التوتر سريع الانفعال .أعراض جانبية!! لم أهْتدِ إلى شيء يمكن أن يسُدّ أو يردم الفراغ الذي خلّفه. هنا تذكرت صديقي وكنه سؤاله عن صحة الحاسوب وما كان يرمي إلىه ، فأيقنت أنه فعلا جزء لا يتجزأ من العائلة .هو عنصر ضروري لا غنى عنه.
ولأني لا أملك سوى هاتفا نقالا بليدا وكسولا من الجيل الأول ،لا يمكنه أن يكون للحاسوب بديلا، فلم أعد قادرا على التواصل عبر الفايسبوك.شعرت بالوحدة وسط الجميع. لاشيء و لا أحد قادر أن يقوم مقامه .بات الفاسيبوك ملاذا ومتنفسا وحيدا. إدمان !!
العيش في العالم الافتراضي بالنسبة لي أضحى أكثر يسرا وسلاسة من نظيره الواقعي.مثلا أستطيع أن أنشأ صداقة أو ألغيها (إذا طلع لي صاحبها في الرأس) بضغطة زر فقط.أما في الحياة الواقعية فيحتاج الانسان إلى كثير من المداراة و…و..
على حائطي أو من ورائه ، أنفلت من الرقابة ، أقول ما أشاء، دون خطوط حمراء كثيرة. أجرؤ فيه أكثر من الواقع.أفجر غضبي ، أسُب من أشاء من رئيس الجماعة حتى رئيس الحكومة ،مرورا بالوزراء واحدا واحدا. هو نعمة جاد بها علينا التطور التقني.فيه منافع كثيرة رغم أنه لا يخلو من بأس.أفلا يستحق إذن أن نجعل له يوما عالميا نحتفل به نظرا لما له من فضل علينا.صراحة ،أحيانا تومض في ذهني فكرة أنه علينا ان نقف احتراما لهذا الفضاء الأزرق من باب العرفان بالجميل .فبفضله أصبحت عندنا قوة اقتراحية ، مناضلون افتراضيون ،ورأي عام مفترض.كما أصبحنا نسمع عن جيش الفايسبوك وكتائبه ، و عن معارضة فايسبوكية نشيطة تحشد وتشحذ الهمم لها دور أكبر من بعض الأحزاب المتقاعسة بل تتجاوزها أحيانا بحيث أصبح يضرب لها سبعة وسبعون حسابا.من هذا المنطلق ربما هناك من اعتبر الفايسبوك سلطة خامسة.
شخصيا ،غدا العيش في العالم الافتراضي كما سبق لي أن قلت لكم قبل قليل أكثر يسرا وسلاسة من العالم الواقعي.استأنست بالحياة الافتراضية واستأنست بي حتى أني أحيانا أفترض أني تعشيت فأشبع.وافترض أني نِمت فيهجرني النوم وأهجره ، وقد يصل بي الحد أحيانا أن أفترض أني صليت…. أصبحت كثير الافتراض .أفترض مثلا أن سكان الفايسبوك الأصليون والملتحقون الجدد قد اتحدوا .أفترض أن زهرات فبراير نمت من جديد وعاشت وانتعشت .افترض مثلكم أشياء كثيرة . أصبحت كائنا مُفترِض.أنا أفترض إذن أنا موجود . كوجيتو !!
أتواصل مع أسرتي الصغيرة ،رغم أننا نعيش تحت سقف واحد ،عبر هذا الفضاء الأزرق.أصرّف مواقفي وأمرّرها … وأبعث رسائل مشفرة وأخرى دون تشفير .
ولكي أتواصل مع نفسي أنشأت حسابا آخر.وهكذا أصبحت أسلم عَليَّ أكلِّمُني ،اُخاطِبني ، أناقِشُني ، اُعجِبُني اشاركُني ،أنتقِدني وأحيانا انكرُني. استلاب!! (aliénation ) وكادت هذه العادة أن تلتصق بي حتى خارج المنزل ،أكلم نفسي بصوت مسموع حتى أني أثير انتباه البعض.
تعطل الحاسوب مرة أخرى .لكن عوض أن أعرضه على اختصاصي عرضت نفسي .
على بَدْء / عَوْدٌ إلى الجِد:
كتب الباحث في القانون الدستوري وعلم السياسة عبد الرحيم العلام مؤخرا تدوينة على حائطه في الفايسبوك أقتطف منها هذه الفقرة:
« تحية للقلة التي تسعى لأن تجعل من هذا العالم فرصة للتوعية السياسية و التثقيف الفكري والتفاعل الإيجابي وتجاوز السطحية الشعبوية ، تحية لهذه القلة التي هي من تصنع « التاريخ الفايسبوكي »، وتسعى لأن يشكل الافتراضي جسرا للواقعي. »
——————–
عبد الحميد وشاني
1 Comment
ذات يوم من الأيام عبارة كنا نستهل بها مواضيع الانشاء السردية في المدرسة الابتدائية قديما. خصوصا في المتوسط الاول والشهادة الابتدائية وقدارافقتنا في المراحل الاولى الاعداديةذ