وتعجز الحكومة أيضا عن رفع التحديات البيئية !
من أبرز مظاهر تعاسة المغاربة، ابتلاؤهم بنخب سياسية عاجزة عن تدبير شؤونهم العامة بفعالية، والارتقاء بجودة الخدمات إلى مستوى تطلعاتهم الإنسانية، فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مافتئت تزداد تأزما، لاسيما في عهد حكومة السيد: بنكيران الذي أخفق في ترجمة وعوده إلى حقائق ملموسة، فضلا عما آل إليه الوضع البيئي من تدهور، يستدعي توفر إرادة سياسية قوية، لرفع التحديات والحد من أخطار التلوث والنفايات التي تهدد حياة الإنسان والطبيعة…
وفي سياق أشغال قمة المناخ 2015 الجارية بباريس، سعيا إلى تقليص انبعاث غازات الدفيئة والبحث عن توافق دولي بشأن التغيرات المناخية، ودعم الدول الفقيرة لمكافحة ارتفاع حرارة الأرض، وتطوير الطاقات المتجددة، بما يضمن نظافة البيئة ويحافظ على سلامة الإنسان والأرض من الكوارث، تأتي ورقتنا هذه للتذكير بما يعرفه ملف الشأن البيئي من تدبير سيء. فالبيئة، هي كل الأشياء الخارجية، التي تعيش داخلها الكائنات الحية وغيرها، ويقصد بالنظام البيئي كل مساحة من الطبيعة تشمل كائنات ومواد حية، تتفاعل فيما بينها ومع الظروف المحيطة بها، وما يتولد عن ذلك من أجزاء حية وغير حية. ومن النظم البيئية هناك: الغابة، النهر والبحر… يشغل فيها الإنسان مكانة خاصة، اعتبارا لتطوره الفكري والنفسي، وصار بفعل التقدم العلمي والتكنولوجي متحكما في النظام البيئي، وعاملا أساسيا في ظهور ملوثات مختلفة الأشكال، وإحداث إخلالات طبيعية وبيولوجية، وفق ما يحتاجه من غذاء وكساء. حول الغابات إلى مزارع ومصانع وأحياء سكنية، وأفرط في استغلال الأشجار والمراعي واستخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية، مما جعل الحرارة تلهب كوكب الأرض وتفضي إلى تغيرات مناخية أخلت بتوازن النظم البيئية، وانعكست آثارها سلبا على الحياة.
وبالإضافة إلى ما يتولد عن الإكثار من استعمال المبيدات والأسمدة الكيماوية، وسوء تخزين المواد الغذائية من سموم فطرية، يأتي التلوث في مقدمة المشاكل الصحية، حسب ما أوردته إفادات المختصين والتقارير الطبية، إذ تعمل الملوثات الهوائية على ارتفاع نسب الإصابة بأمراض: السرطان، الربو، حساسية الجلد والبصر، ضغط الدم، السكري، القلب والشرايين… فهل استطاع المغرب، في ظل هذه الأخطار المحدقة بالمواطن ومحيطه، النهوض بالمجال البيئي في اتجاه تحقيق تنمية مستدامة؟
للأسف الشديد، بات الوضع البيئي مقلقا في كثير من ربوع الوطن، ويتسم برداءة محيط العيش، مما أضر بعوامل التنمية البشرية، إثر تعدد المشاكل البيئية المتجلية أساسا في خضوع مناطق عدة إلى مناخ جاف وارتفاع نسبة التصحر بسبب زحف الرمال، وتداعياته على وسائل الإنتاج وقنوات الري، والتدهور المتواصل للغطاء النباتي واستغلال الموارد الطبيعية واتساع رقعة الاندثار في المجال الغابوي وتدني مستوى خدمات معالجة النفايات الصلبة وتراكمها، من خلال ضعف الحس المدني للسكان وحالة تجهيزات التنظيف، انعدام المراقبة الصارمة وإخفاق منظومة تنقية المياه لسوء حالة المحطات سيما في النواحي الريفية، دون إغفال مخاطر معالجة نفايات الأنشطة الصناعية والصحية، التي تتم بطرق لا تحترم أدنى معايير الصحة والبيئة. فالمنشآت الصناعية المحلية تنتج ما يناهز 289. 385 طن من النفايات الخطرة سنويا، ويتم التخلص من أغلبها في مطارح عشوائية وعلى ضفاف الوديان، رغم ما بذل من جهود مضنية عبر السنوات الماضية، في إقرار ترسانة قانونية للحفاظ على البيئة وتنظيم عملية جمع ونقل النفايات. ويشار في هذا الصدد، إلى تأخر إنجاز مشروع » المركز الوطني لمعالجة النفايات الصناعية الخطرة »، الذي كان مقررا أن يرى النور عام 2014، لتخطي القصور الحاصل في معالجة النفايات الخطرة، علما أن قدرته الاستيعابية ضعيفة ولا تتجاوز عدا 44 ألف طن سنويا، وفي حالة تشغيله النهائي لن يستطيع معالجة سوى من 45% من هذه النفايات في أفق عام 2020، على أن يبلغ نسبة قياسية في حدود سنة 2033.
فالحكومة، في شخص الوزيرة المكلفة بالبيئة السيدة: حكيمة الحيطي، مافتئت تقر بالاختلالات القائمة وتوزع الوعود الكاذبة بالتغلب عليها، مدعية أنها ماضية في طريقها صوب كسب « معركة » حماية البيئة، في حين أنها لم تعمل سوى على مراكمة الإخفاقات وخسران الكثير من الرهانات، فإلى جانب تعثرها في إصلاح التعليم والصحة والعدالة وحل مشكل البطالة… مازالت تتخبط في أوحال سياساتها اللاشعبية، وتدور في حلقة مفرغة من الارتجال والعشوائية، دون أن تمتلك القدرة على التدبير الجيد للشأن البيئي، الذي يستنزف ميزانيات ضخمة من أموال الشعب دون طائل، ويقض مضاجع المواطنين ويتهدد صحتهم. وتكمن خطورة الوضع البيئي المتردي، في كون المغرب ينتج حوالي مليون طن من النفايات الطبية والصناعية الخطرة، وتعاني المدن الكبرى من معضلة عوادم أسطول السيارات القديمة، ومشاكل النفايات المنزلية التي يشكل معدل الفرد ما بين 300 و400 كلغ، فضلا عن تنامي البناء العشوائي وترويج المواد الاستهلاكية الفاسدة المهربة، واختناق شبكات الوادي الحار خاصة في فصل الشتاء، وما تخلفه دور الدباغة والمجازر البلدية والوحدات الإنتاجية كمصانع الورق والمواد الغذائية التي تلقي بنفايات عضوية، يساهم تسرب صديدها في تلويث الفرشاة المائية الباطنية، وانتشار الروائح الكريهة الناجمة عن التعفنات ومخلفات الصرف الصحي، مما يعرض المواطنين إلى الإصابة بأمراض الجلد والتهاب الكبد والكوليرا وحمى التيفويد…
والمغرب صادق على عديد المواثيق الدولية حول البيئة، غير أنه مازال يتلكأ في حل المشاكل البيئية المتفاقمة، خاصة ما يتعلق منها بالموارد الحيوية كالماء وجودة الهواء، ثم التربة والغابة والتصحر… وبما أن اهتماماته تنصب على محاولة تحقيق التنمية البشرية والمجالية، يتعين عليه وجوبا التركيز على مبدأ « الوقاية خير من العلاج » تفاديا لكلفة العلاج الباهظة. فمعظم التقارير المحلية والدولية، تشير إلى أن أهم عراقيل التنمية، تتحدد في ما تعرفه البلاد من زحف عمراني وكثافة سكانية، بينما تظل المخططات حبيسة الرفوف، علاوة على عدم انتظام التساقطات المطرية، تناقص المياه الجوفية وازدياد الطلب على مخزون السدود، وغياب الحكامة الجيدة وترشيد الموارد والمحاسبة والتنسيق بين مختلف الأطراف والقطاعات…
إن حماية البيئة ومحاربة التلوث بكافة أنواعه، تتطلب مضاعفة الجهود من قبل الدولة وكافة المتدخلين، لتأمين تنمية جهوية حقيقية وتحسين ظروف عيش المواطنين، على أن يتم اعتماد مراقبة صارمة لسائر الأنشطة الفلاحية والصناعية والعمرانية والخدماتية… وتمكين السكان من خدمات ذات جودة في تدبير قطاعي النقل والنظافة…
اسماعيل الحلوتي
Aucun commentaire