الحركة الإسلامية المغربية : التحول من الإديولوجية الإخوانية إلى الانفتاح والاندماج 3|4
أحمد الجبلي
كيف فهمت الحركة الإسلامية اكتمال الدين؟
بعكس العديد من الحركات الإسلامية العالمية والتيارات المذهبية، التي فهمت اكتمال الدين على أساس أنه لم يترك للأمة مجالا لم يتحدث عنه، أو أقضية لم يتطرق إليها، من ذلك ما ذهب إليه الدكتور أمين بن عبد الله الشقاوي وهو ينتمي للتيار السلفي في تفسيره لقوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم) حيث قال: »إن الدين قد كمل فلا يحتاج إلى زيادة أبدا، فما يفعله أهل الضلالة من البدع إنما هو ابتداع في دين الله واتهام لهذا الدين بالنقص » ويقول كذلك : » إن أحكام هذا الدين وشرائعه قد كملت، فلا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة » وماذا عسى نقول لفهم قاصر كهذا للإسلام وكأنه لم يقرأ أبدا قول معاد بن جبل عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وبعد حوار تعليمي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه الصلاة والسلام انتهى برد معاد » أجتهد رأيي ولا آلو » والحديث يثبت أن القرآن والسنة النبوية تركا أشياء لاجتهادات الناس حسب الزمان والمكان والظروف والملابسات.
إن ما يذهب إليه هذا النموذج المتجمد الذي يفهم الآية على هذا النحو هو الذي جعل العديد من التيارات اليسارية تسم الحركات الإسلامية بالظلامية والرجعية ، وأحيانا، فعلا، تكون الرجعية في عدم الفهم الصحيح للدين لأن ما يترتب عن الفهم الخاطئ للدين أفعال وسلوكات قد تهلك الحرث النسل ومن مثل ذلك هذا الرجل الانتحاري الذي فجر نفسه في مسجد شيعي في الكويت وهو يعتقد أنه قد مات شهيدا. إن فعلا كهذا يحتاج إلى عقيدة قوية راسخة تجعل الإنسان يضحي بنفسه من أجل هدف أسمى، وقد لقن هذا الرجل فكرا باطلا بأن الجنة في انتظاره انطلاقا من فهم خاطئ للإسلام وهو الأمر الذي أدى إلى سفك الدماء بدون وجه حق كما أدى بهذا المنتحر إلى تضييع الدنيا والآخرة. فقتل الناس حتى ولو كانوا كفارا أو يهودا أو نصارا حرام شرعا ومجرد قتل نفس، كيفما كان دين أم معتقد أو إيديولوجية هذه النفس هو بمثابة قتل الإنسانية جمعاء، والقرآن في هذا واضح ولا يحتاج إلى تفسير, ولعل الفهم الخاطئ للإسلام هو كذلك من كان وراء اغتيال أزيد من 37 سائحا في سوسة بتونس وهي جريمة لا تغتفر بأي حال، وإذا كان القصد والفهم هو أن الذي يتعرى في الشواطئ أو يتنزه في الشوارع كسائح هو كافر أو ضال يحل قتله فالذي يحل قتله هو هذا القاتل والجهة التي من ورائه.
وهنا ولله الحمد تأتي أهمية تبيان الفكر الذي يؤطر الحركة الإسلامية في المغرب ولذلك نجدها تدين كل هذه الأشكال الهمجية والمرفوضة من العنف لأن فكرها وثقافتها وفهمها للدين يجعلها تعي الموقف الشرعي من هكذا أفعال، ويجعلها بعيدة في أفعالها كل البعد عن مثل هذا الإجرام وهذا الرعب والترويع للآمنين.
لقد فهمت الحركة الإسلامية المغربية اكتمال الدين على أساس اكتمال القواعد الكبرى التي يرجع إليها أثناء الاجتهاد أو يتم الاجتهاد في ظلها، وإلى هذا يذهب الدكتور أحمد الريسوني مستشهدا بمقولة الشاطبي في تفسيره لقوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم) إذ يقول: »
» أي أكمله بوضع كلياته والقواعد العامة التي يرجع إليها في الاجتهاد وبوضع مقاصد للشريعة وليس بوضع الجزئيات »
ونجد اتفاقا في أدبيات الحركة الإسلامية المغربية بأن الفقه الإسلامي في كثير من أحكامه فقه وضعي كالاجتهاد البشري، وهو كالقانون يتغير بتغير الحالات. و الإسلام يقدِّم مبادئ إسلامية عامة متفق على هدايتها وإرشادها للعقول البشرية، وهي تضمن مسارات صحيحة للعقول في التشريع والاقتصاد والسياسة وفي كل الأمور.. والعقل الإنساني هو الذي يختار المصلحة ويحدد الحل في ضوء هذه المبادئ الكلية والنصوص القطعية،
ولعل هذا ما نحا بالعلامة الموريتاني محمد داود وهو يعتبر مرجعا للحركة الإسلامية المغربية لكونه عالما فذا كبيرا له صيته وقبول عند المغاربة إلى أن يقول: يجب تفقيه القانون عوض تقنين الفقه وفي هدا اختصار للوقت أي قياس القانون الوضعي بقاعدة ما حقق مصلحة ولم يخالف نصا » وهذا الطرح تتبناه الحركة الإسلامية الديناميكية والمتفاعلة مع الواقع والمنفتحة حيث تعتبر من خلال تحديد مفهوم القوانين الإسلامية بأنها هي كل قانون لم يعارض نصا وحقق مصلحة وهذا يجعلها تؤمن بأن أكثر من تسعين في المائة من القوانين المعمول بها في جميع دول الأرض هي إسلامية على هذا الاعتبار . وبما أن الأمر كذلك فلن تجد الحركة الإسلامية اختلافا مع أي تيار في ظل الديموقراطية والتحكيم للدساتير التي تسعى لتحقيق مصالح الشعوب دون أن تدعوا لما يتعارض والنص القرآني الصريح. ومن ثمة يمكن الحكم على جميع الدساتير المغربية منذ دستور 1962 إلى اليوم أنها كانت دساتير إسلامية والمشكل الوحيد الذي كان يعتريها هو عدم التطبيق والتلاعب في تأويل نصوصها..
جاء في ميثاق حركة التوحيد والإصلاح: » الدولة المسلمة وإن كان لها جهاز تشريعي فهي منفذة لشرع الله، والمجلس التشريعي يجتهد فيما لا نص فيه أو لإيجاد الوسائل المعينة على حسن تنفيذ أحكام الشرع ص 62-63
وما أروع ما قاله مصطفى الخلفي في أطروحته لنيل شهادة الدراسات العليا المعمقة والتي تحت عنوان: » المشروع السياسي للحركة الاسلامية بالمغرب »
« ومن مقتضيات اكتمال الدين ما يعبر عنه بصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان وحال، وقد بين العلماء أن اكتمال الدين ليس معناه أن جميع أحكام الشريعة محددة بجزئياتها، بل معناه قدرة الشريعة على الاستجابة لحاجات الواقع ومتغيرات الحياة. ولذلك اتفق العلماء على أن الأحكام نوعان: حكم لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدر بالشرع على الجرائم. ونحو ذلك. فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد »
ويضيف قائلا: « والنوع الثاني ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا وحالا كالتعزيرات، وهذه الأحكام التي تتغير زمانا وحالا يسميها بعض العلماء بالأحكام المفوضة، أي أنها مفوضة لاجتهاد ولي الأمر للنظر فيها بحسب ما تقتضيه مصالح الأفراد والجماعات… وهي التي اصطلح عليها بعض الفقهاء المعاصرين ب » منطقة الفراغ التشريعي » وهي تلك المنطقة التي تركها الشرع للاجتهاد الفقهي، وأذن فيها للأفراد والهيئات المختصة بوضع التشريعات والتنظيمات المناسبة في إطار مقاصد التشريع وأهدافه العامة. »
هذه المنطقة منطقة الفراغ التشريعي يسميها بعض الفقهاء أيضا » بمنطقة العفو » أخذا من الحديث النبوي الشريف عن سلمان قال: » سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال: » الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه » رواه الترمذي
ويعتبر الدكتور سعد الدين العثماني أن وصف هذه المنطقة بأنها منطقة فراغ تشريعي ليس معناه أن الشريعة ليس لها فيها حكم. لكن معناه عدم وجود أحكام جزئية نهائية، بالرغم من وجود أحكام كلية وقواعد عامة تسطر المنهج العام لملئها.
ويعود الدكتور مصطفى الخلفي مرة أخرى فيعقب قائلا: كما أن القول بوجود هذه المنطقة بالمعنى الذي ذكرناه لا يعني نقصان الشريعة، بل بالعكس هو نقطة قوة وإعجاز فيها، لأنها تجعل الشريعة للعالمين كافة مهما اختلفت أزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم. وما اشتمال التشريع الإسلامي على منطقتين للأحكام الشرعية: ثابتة ومتغيرة، إلا مظهر من مظاهر خلود هذه الشريعة. ص76/77
إن عدم الفهم الصحيح للإسلام، وعدم الفهم الصحيح لمسألة اكتمال الدين مثلا، ليؤدي إلى العديد من الاختلالات الفكرية والسلوكية، كالتحجر والعصبية، وعدم السماح بإبداء الرأي، لأن لا جدوى منه، والتشديد على الناس وخنقهم بأحكام لا تلائم وضعهم، وتحريم العديد من الأمور بإطلاق دون مراعاة الظروف والملابسات، كتحريم الربا مطلقا وهو الأمر الذي لا يعقل بتاتا لأن وضعيات معينة قد يحل لها ما لا يحل لغيرها في وضعيات مخالفة، وتحريم العديد مما عفا عنه الشرع كالتراويح وقراءة القرآن جماعيا والاحتفال بالمولد النبوي وغيرها من الأمور.
Aucun commentaire