الدعم المباشر للنساء الأرامل، والتمييز غير العادل !
الإقدام على دعم مباشر لفئة من النساء الأرامل في وضعية هشة، يتكفلن برعاية أطفالهن اليتامى، يعد مبادرة طيبة، تستحق التشجيع والتعزيز، باعتبارها تخص شريحة اجتماعية تعاني القهر والتهميش. وتندرج في إطار سياسة قائد البلاد الملك محمد السادس، الذي لم يتوقف عن بعث رسائل اطمئنان للجماهير الشعبية، وبث بذور الأمل في النفوس والتفاؤل بالمستقبل، عبر إطلاق مشاريع تنموية في كافة أرجاء الأقاليم المغربية.
وفي هذا الصدد صدر المرسوم رقم: 2.14.791 بتاريخ: 11 صفر 1436 الموافق ل: 4 دجنبر 2014، يحدد شروط ومعايير الاستفادة من الدعم المباشر، ونشر بالجريدة الرسمية عدد 6318 بتاريخ: 25 صفر 1436 الموافق ل: 18 دجنبر 2014. والمشروع يسير برأي أصحابه في اتجاه صيرورة دينامية، تهدف إلى تكريس سياسة عمومية اجتماعية. ويخصص بمقتضاه مبلغ 350 درهما للطفل في حدود 1050 درهم للأسرة شهريا، تستفيد منه الأرملة الحاضنة لأطفال يتامى والمتكفلة برعايتهم، شريطة ألا يتعدى عددهم ثلاثة، مع إثبات وضعية الهشاشة بحزمة من الوثائق، وأن يكون الأبناء متمدرسين في التعليم العام أو التكوين المهني إلى غاية 21 سنة، باستثناء المعاقين…
والأرملة عموما، هي أكثر النساء تعاسة، لظروفها النفسية الصعبة بعد رحيل زوجها، لاسيما إذا كانت في مقتبل العمر وذات أطفال صغار، حيث يتنكر لها الأهل والأقارب، وتلاحقها عيون ذئاب آدمية متعطشة لنهش لحمها. وتزداد وضعيتها سوء، عندما تجد نفسها أمام عيالها دون سند مادي، فلا هي تستفيد من معاش أو تعويض عائلي، ولا من أي دعم من ميزانية الدولة أو مؤسسة عمومية. فتحس وكأنها وسط غابة من الوحوش، مطوقة بمسؤولية إعالة نفسها وأطفالها، ويصبح من غير المسموح لها التعبير عن انهزامها أو الاستسلام للمعيش اليومي القاسي، مهما تعاظمت المشاكل واشتد الخناق حول رقبتها. بيد أن فئة النساء الأرامل المستهدفة في هذا المشروع، الذي قد يخفف عنها رغم هزالة القدر المالي المرصود، بالنظر إلى الغلاء الفاحش ومتطلبات الحياة، تكاد لا تشكل إلا الجزء اليسير من سائر الطبقة الهشة في المجتمع. والإسلام أنزل الأرملة منزلة كريمة، عندما اعتبر الاهتمام بظروفها واجبا إنسانيا، يؤدي إلى رضا الخالق سبحانه. وفي ذلك قال خير الأنام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: « الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله ».
وإذا كان لا بد من مباركة هذه الخطوة الحكومية، لما ترمز إليه ظاهريا من بعد إنساني نبيل، فلا يمكن للبهرجة المرافقة لها حجب الرؤية عن نقائصها، التي تستدعي التعجيل بتداركها. إذ بقدرما تركت صدى طيبا في صفوف البعض، بقدرما أثارت سخط الكثيرين ممن تم إقصاؤهم ضد إرادتهم وبدون موجب حق. ويتضاعف الألم، بتحويل الدعم المباشر إلى ورقة انتخابوية، تضع فئة من الأرامل المغلوب على أمرهن في مزاد علني مفضوح. فرئيس الحكومة، لم يفتأ يلوح بالمشروع منذ سنة 2012 ويماطل في تنزيله، بدعوى وجود صعوبات في تحديد الشريحة المستهدفة واعتماد معايير مناسبة. ألم يكن ممكنا انتظار ظهور نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى، حتى تتوفر قاعدة معطيات دقيقة، أم هناك وراء الأكمة ما وراءها؟
وقد لا نجانب الصواب إذا قلنا بأن السيد بنكيران، الذي سقط عليه سهوا منصب رئاسة الحكومة، بدا رافضا التأقلم مع وضعه كرجل دولة، بعدما استلذ طعم الشعبوية وصار وفيا ل »استهلاكها ». مما حال دون التزامه بالشفافية والوضوح، وحفظ لسانه من الزلات، والتخلص من نزعة التسلط ووساوس « الشياطين »، التي كثيرا ما تجره إلى إهدار الزمن السياسي في الصراعات الواهية. وبالعودة إلى ما ورد في الإطار القانوني المنظم للدعم: (أحكام المادة 18 من قانون المالية رقم 22 .12 للسنة المالية 2012، كما تم نسخها وتعويضها بالمادة 25 من قانون المالية رقم 115.12 للسنة المالية 2013، وتتميمها بالمادة 13 المكررة من قانون المالية رقم 110.13 للسنة المالية 2014 حول تغيير الحساب المرصد لأمور خصوصية المسمى « صندوق التماسك الاجتماعي »). ندرك سر تشكيك المعارضة في نواياه، واتهامه بالتلكؤ في تنزيل المشروع، وإرجائه إلى حين الإعلان الرسمي عن مواعيد إجراء الانتخابات. وقد ازداد غضبها تأججا، عندما أفاد أمام البرلمان بأن قرار دعم مباشر للنساء الأرامل، يعد نصرا مبينا وإنجازا غير مسبوق، يتعين إدراجه ضمن لائحة الأعياد الوطنية والاحتفاء به سنويا.
والأدهى من ذلك، أن الحزب الحاكم قام باستغلال المشروع الحكومي سياسويا لفائدته، من خلال بسط السبل أمام الجمعيات والتنظيمات الخيرية الموازية، للدعاية والإشهار حتى قبل مصادقة السلطات عليه. وبينما انطلق أعضاؤه بمختلف أنحاء البلاد في حملة انتخابية سابقة لأوانها، عبر توزيع الاستمارات وجمع ملفات الاستفادة من الدعم، طالب فريقه النيابي في البرلمان بتحديد برنامج زمني عاجل للشروع في صرف مستحقات المستفيدات. فضلا عن ممارسات أخرى انتهازية واستفزازية…
لا يا سيادة الرئيس، فدعم فئة من النساء الأرامل، ليس نصرا مبينا ولا إنجازا فريدا، ولا صدقة من جيوبكم. إنه واجب وطني، يصرف من ميزانية الدولة، عبر ما يقتطع من أموال دافعي الضرائب. وليس المثير في المشروع ما أحدثه من زوابع كلامية، وإنما في أن توجه له انتقادات حتى من داخل الحكومة نفسها، مما يكشف عن واقع التشرذم القائم بين مكوناتها، وإلا كيف يمكن تفسير تحفظ الأمين العام ل »الحركة الشعبية » السيد: امحند العنصر، عليه إبان لقاء سابق بفعاليات نسائية من حزبه ؟
وقد تخللت المرسوم ثغرات تستوجب معالجة حقيقية وسريعة. إذ هناك تمييز غير عادل بين أرملة وأخرى، بين من هي حاضنة لأطفال يتامى متمدرسين، ومن لها أبناء دون سن التمدرس، أو أبناء لا يدرسون لأسباب قاهرة، أو عجوز بدون أطفال، أو مستفيدة من « تيسير » أو معاش هزيل، وبين رجل أرمل حاضن لأبناء متمدرسين، أو طلبة جامعيين فوق 21 سنة أو أطفال أيتام الأبوين تحت كفالة أقارب… فما الفرق بين هؤلاء جميعا إذا كانت الهشاشة هي عنوانهم الأبرز؟ أما كان حريا برئيس الحكومة اعتماد مقاربة تشاركية، وطرح المشروع أمام البرلمان ليتم إثراؤه بالنقاش الجاد والمسؤول؟
فهل يمكن الحد من الهشاشة بمثل هذا المشروع ووضع « شروط الخزيرات » للاستفادة منه؟ نحن لا نسعى إلى استرخاص مبادرات الآخرين أو عرقلتها كما يزعم البعض، ولكننا ننبه إلى ما نراه خللا، بغرض تجاوزه والدفع في اتجاه رسم استراتيجية مندمجة وواضحة المعالم، واستشراف آفاق المستقبل قبل اتخاذ قرارات حاسمة، لما قد يترتب عنها من آثار سلبية. فقد كان من الأفيد أن يشمل الدعم كافة مستحقيه، في انتظار ابتكار بدائل تنموية أخرى، منصفة وناجعة. ألم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام: » إن الله تعالى، يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه »؟.
اسماعيل الحلوتي
Aucun commentaire