الاتجاهات الجغرافية ومسألة الوحدة الترابية
لا شك أن فترة الاستعمار قد خلفت آثارا عميقة على المغرب في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية …
ومنذ حصول المغاربة على استقلالهم وهم يحاولون تجاوز وطمس حقبة الاستعمار بكل سلبياتها و آلامها، لكن مع ذلك فتأثيرها قوي جدا على شخصية المغرب ، فالتاريخ يُكوّن وجودنا الحاضر والمستقبل، إذ لا يمكن أن نتحدث عن اليوم في معزل عن الأمس.
فإذا تركنا التأثيرات الاقتصادية والسياسية جانبا، نجد الحقل اللغوي المغربي يحوي أهم هذه التأثيرات التي تحدثنا عنها، سواء في لغة التداول اليومي أو حتى في مفرداتنا ومصطلحاتنا التي نستعمل على المستوى الأكاديمي والرسمي…
يأتي غرضي من كتابة هذه السطور، تسليط الضوء على خطأ شائع يضرب في منطق الجغرافيا وعمق السيادة المغربية الترابية، فلا شك أن كل مغربي غيور على وطنه لن يتقبل بتر الصحراء من خريطة المغرب كرد فعل طبيعي، فإذا كان الحال هذا مع الخريطة فإن تحديد الإتجاهات الجغرافية الشائع بالمغرب يوقعنا في نفس الخطأ المحظور.
فعندما يريد المغربي أن يوطن مثلا مناطق سوس وجبال الاطلس الصغير وما جاورهما يقول الجنوب المغربي، فعن أي جنوب نتحدث هنا والذي يلاحظ الخريطة الرسمية للمغرب يجد أن هذه المناطق توجد في وسطه وليس في جنوبه ؟؟؟
وعلى نفس المنوال يتم التحدث عن منطقة درعة ودادس وصولا الى الراشيدية على أنها تنتمي الى الجنوب الشرقي، بينما إذا عدنا مرة اخرى الى الخريطة نجدها توجد بشرق المغرب وليس كما عهدنا سماعه، لكن أنا جازم على أن عقولكم قد أحالتكم على وجدة بمجرد ذكري للشرق والتي تقع أصلا في الشمال الشرقي وليس في الشرق كما هو متداول، وحتى ما يطلق عليه بالغرب أي منطقة القنيطرة وما جاورها فهي لا تقع في الغرب، بل هذه المصطلحات والأسماء الجغرافية ورثناها عن المستعمر الفرنسي الذي كان مجال نفوذه على المغرب يضم فقط الوسط بينما تحتل اسبانيا الشمال والجنوب، وعلى هذا الأساس يبقى استعمال هذه الاسماء صالح للمستعمر الفرنسي ويبدو منطقيا استعماله لها، أما أن نحدو حدوه بعدما استعاد المغرب سيادته على أراضيه الوسطى والشمالية والجنوبية يبقى لا معنى له بالنسبة لي.
إن استعمال هذه الأسماء والمصطلحات الجغرافية والتي لا تحترم منطق الجغرافيا تؤثر على عقول الناشئة، فكيف لمتعلم تلقى من مبادئ الجغرافيا الاتجاهات الأربعة المعروفة ( شمال، جنوب، شرق وغرب )، وعندما يأتي الى المنزل ويشاهد نشرة الأخبار يسمع عن سوس أنها تقع في الجنوب عكس ما تلقاه في المدرسة، وضد ما هو موجود في خريطة المغرب، كيف نريد له أن يستوعب ويرسخ معارفه وهي تعيش تناقضا صارخا مع ما هو متعارف عليه في مجتمعه.
Aucun commentaire