زوال النعم
لا تفرح بيومك فانه زائل + وانتظر ما يأتيك به الغد
فرب فارح بيومه قد غدا + نادما على ما قد عملته اليد
واصنع خيرا قد تلقى مثله + وإلا فكل باب ضدك موصد
فكم من نعيم زال على غرة + وما كل نعيم قد زال يوجد
فقد أعطاك النعيم خالقنا + سبحانه الرب العظيم الأوحد
هذه أبيات متواضعة اهديها لكل من يتنعم في خيرات خالقه سواء نعم الصحة والعافية والبصر والسمع ,أو نعم المال والبنين ,ولكنه ينظر بمنظار جد ضيق ,ويخال أن هذه النعم باقية لا زوال لها.ويظن الصحة دائمة لا علل تلحقها,فيغوص في بحور الآثام والتجبر,ويحيد عن سلوكات يحبها الله ويبدلهابسلوكات يمقتها خالقه,يبدل التواضع المؤدي إلى رفعة المنزلة,إلى الكبر المؤدي إلى النار,ويبدل السخاء والتصدق إلى شح وبخل,ويستصغر المخلوقات التي لم يهبها الله نعما مثله ,فيقابلها بالاحتقار والتصغير ,بدل الايثاروالتقدير.
لست ادري كيف يفكر هؤلاء ,أليس لهم وازع نفسي ينير لهم طريق الصواب بدل الغوص في طرق الظلمات ؟ألا يعتريهم ندم حتى يصابوا بما ينكس عيشهم من أمراض أو فقر أو زوال نعمةما؟أو تلحقهم سكرات المنون على حين غرة؟لقد كان الشيوخ والأئمة يدعون خالقهم ألا يمدهم بنعم تعمي بصائرهم,بقدر ما يبدل هذه النعم بالتقوى والإيمان الراسخ ,لأنهم كانوا يدركون أيما إدراك أن النفس أمارة بالسوء.وما يستطيع احد إلجامها وتقويمها إلا من صح إيمانه ,وأدرك أن كل شيء زائل بل هالك .
هكذا تزول النعم ,ولعمري ما ينجو إلا قانت طاهر تحلى بما يرضي الله سبحانه.
وهنا استحضر تفسير احد المشايخ رضي الله عنه وأرضاه لبعض الآيات التي تقر فناء الأنام فقد قال هذا الشيخ أن الملائكة فرحوا حين انزل الله قوله:كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام,لأنهم اعتقدوا أن الله سيفني من على الأرض وان الفناء لا يطالهم لأنهم في السماء,فانزل الله الآية التي تقول:كل نفس ذائقة الموت,فاعتقدوا أيضا ان الفناء لا يصيبهم لأنهم أرواح طاهرة وليسوا أنفسا .لكنه حين نزلت الآية التي تقول:كل شيء هالك إلا وجهه,أدركوا أن الفناء يصيب كل شيء ولن يبقى سوى رب العرش العظيم.
هكذا تزول النعم ,ولعمري ما ينجو إلا قانت طاهر تحلى بما يرضي الله سبحانه.
Aucun commentaire