تيسير خالد : وصلنا خط النهاية في العلاقة مع الاحتلال واتفاقيات اوسلو وأخواتها اصبحت من الماضي
أجرت مؤسسة بيلست للدراسات والنشر والاعلام حوارا شاملا مع تيسير خالد ، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تناول دورة أعمال المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية مطلع آذار القادم والمهام المطروحة على جدول أعماله ومسيرة المصالحة الوطنية واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني في السلطة الفلسطينية ، والاوضاع الاقتصادية الصعبة وحالة الركود ، التي يمر بها الاقتصاد الفلسطيني وملفات إعادة اعمار قطاع غزة والملفات الانسانية التي ترتبت على العدوان الاسرائيلي الاخير وانضمام دولة فلسطين الى المحكمة الجنائية الدولية وفرص جلب مجرمي الحرب الاسرائيليين امام العدالة الدولية ، فضلا عن السطو اللصوصي الاسرائيلي على المال العام الفلسطيني ( حجب أموال المقاصة ) وسبل الرد الفلسطيني على هذه القرصنة الاسرائيلية .
وقال تيسير خالد في المقابلة الخاصة لـ »مؤسسة بيلست الوطنية للدراسات والنشر والا علام « لـ موقع الاخباري » » والتي أجراها مدير المؤسسة السيد سهيل نقولا الترزي وسامر زهير وسامر حنا أن المشاورات ما زالت قائمة لإجراء حوار وطني في قطاع غزة، يشمل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي وعدد من الشخصيات المستقل، وأن هناك بعض العقبات التي يجب تذليلها من اجل استئناف هذا الحوار ووصوله إلى الهدف المنشود، لطي صفحة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ووحدة النظام السياسي، على أساس وثيقة الوفاق الوطني واتفاقيات تم التوقيع عليها في القاهرة والدوحة وبيان الشاطئ « .
وحول الأوضاع الاقتصادية أشار خالد ان هذه الاوضاع سواء في الضفة الغربية أم في قطاع غزة تسير من سيء إلى أسوأ ، وليس من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الفلسطيني نموا حقيقيا ومستداما طالما بقينا تحت الاحتلال وبقي نحو 60 % من مناطق الضفة الغربية تحت السيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية ويجري التعامل معها باعتبارها المجال الحيوي لبناء وتطور المستوطنات
وفي ملف إعادة اعمار ما دمره العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة حذر تيسير خالد من تكرار تجربة مؤتمر إعادة اعمار قطاع غزة ، الذي انعقد في منتجع شرم الشيخ في آذار من العام 2009 ، والذي شارك نحو 70 دولة و16 منظمة اقليمية ودولية ومن مؤسسات التمويل الدولية، ولفت الى ان عددا من الجهات المانحة ترغب الاتكاء على أخطاء أو ثغرات في الجانب الفلسطيني وخلافاته الداخلية وتجاذبات بعض اطرافه السياسية للتهرب من التزاماتها ليس فقط في ما خصصه المؤتمر لإعادة الاعمار ، بل وكذلك للنصف الباقي الذي خصص للسلطة ذاتها ، وفيما يلي النص الكامل للحوار :
س 1– مطلع الشهر القادم ينعقد المجلس المركزي الفلسطيني، ما الذي يمكن الرهان عليه في الدورة القامة للمجلس على المستوى السياسي، وهل يمكن أن نكون على أبواب مرحلة جديدة في العلاقة مع دولة الاحتلال؟
*** المجلس المركزي الفلسطيني هو كما يعرف الجميع هيئة دائمة منبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني ويتكون من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس المجلس الوطني وعدد من الأعضاء يساوي على الأقل ضعفي عدد أعضاء اللجنة التنفيذية ويكونون من فصائل حركة المقاومة والاتحادات الشعبية والكفاءات الفلسطينية المستقلة، ومن المفترض أن يجتمع المجلس المركزي أكثر من مرة في العام ( مرة كل ثلاثة أشهر ) على الأقل بقرار من اللجنة التنفيذية ودعوة من رئيسه . وقد تقرر تشكيل مجلس مركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في الدورة الـ11 للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1973، ليكون حلقة الوصل بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية ، يساعدها ويراقب عملها في تنفيذ قرارات المجلس الوطني وإصدار التوجيهات المتعلقة بتطورات القضية الفلسطينية بين دورتي المجلس. للأسف المجلس المركزي لا يطلع بهذا الدور المنوط به ، فدورات اجتماعه متباعدة وقراراته تتجاوزها الاحداث والتطورات أو لا يجري أصلا احترامها ومتابعتها ، الأمر الذي يعطل دوره .
على كل حال ، هذا الوضع ينبغي معالجته بإعادة الاعتبار ليس فقط للمجلس المركزي ودوره بل ولجميع هيئات منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة في هذه الظروف الحساسة والصعبة والدقيقة ، التي يمر بها نضالنا الوطني ، إذ لم يعد يخفى على أحد أن اتفاقيات أوسلو وأخواتها ( اتفاق باريس الاقتصادي ) قد أصبحت من الماضي ، وهذه الاتفاقيات لم تنقل الشعب الفلسطيني من حالة العيش المذل تحت الاحتلال الى حالة العيش بكرامة في ظل الاستقلال ، ما حصل هو العكس تماما ، فقد تعمق الاحتلال من خلال هذا التوسع الرهيب في النشاطات الاستيطانية ، فأعداد المستوطنين تضاعف ست مرات منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993 ، ويرافق الاستيطان عمليات تهويد تجري على قدم وساق ليس في القدس الشرقية المحتلة ومحيطها بل وفي مناطق الاغوار الفلسطينية وغيرها من محافظات الضفة الغربية ، حيث تجاوز عدد المستوطنين عدد المواطنين الفلسطينيين ، كما هو الحال في محافظتي قلقيلية وسلفيت . ومن الواضح ان اسرائيل تبني بإصرار وعناد في الضفة الغربية نظاما للفصل العنصري يتحكم فيه المستوطنون ويسيطرون على نحو 62 بالمئة من مساحة الضفة الغربية بكل ما فيها من خيرات وثروات .
إذن وبصرف النظر عن اعتبارات أخرى تتصل بسلوك حكومات اسرائيل وممارساتها الارهابية بدءا من العقوبات الجماعية مرورا بالتوسع في الاعتقالات وانتهاء بالسطو اللصوصي على المال العام الفلسطيني ، فقد وصلنا إلى خط النهاية بكل ما يتطلبه ذلك من إعادة النظر بالعلاقة مع دولة الاحتلال الاسرائيلي . ذلك يعني أن على المجلس المركزي أن يبحث في خارطة طريق وطنية تنتقل بالشعب الفلسطيني من حالة الاحتلال إلى وضع الاستقلال ، وذلك من خلال انجاز ملف المصالحة الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني ، ومن خلال إعادة بناء العلاقة مع اسرائيل باعتبارها دولة احتلال كولونيالي استيطاني توسعي ودولة ابارتهايد وتمييز عنصري ، بكل ما يترتب على ذلك من وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين ، والتي استخدمتها إسرائيل ، كما كان الحال مع المفاوضات العبثية الفلسطينية الإسرائيلية بالرعاية الأميركية ، غطاء لمشروعها الاستعماري الاستيطاني ، بما في ذلك وقف التنسيق الأمني بين الجانبين ووقف العمل باتفاق باريس الاقتصادي ، والمضي قدما في تدويل القضية الفلسطينية من خلال استكمال خطوات انضمام دولة فلسطين إلى وكالات ومنظمات وأجهزة الأمم المتحدة وإعداد الملفات الخاصة بمساءلة وملاحقة ومحاسبة اسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية وجلب مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى العدالة الدولية ، هذا إلى جانب مواصلة الضغط على المجتمع الدولي ومجلس الامن الدولي للاعتراف بدولة فلسطين عضوا كامل العضوية في المنظمة الدولية وتحديد سقف زمني بما لا يتجاوز العامين ( عملا بالنموذج الناميبي واستقلال ناميبيا عن نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا ) لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسكين بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة باعتبارها عاصمة هذه الدولة ، كل ذلك كأساس لاستئناف عملية سياسية في إطار دولي يضع حدا للانفراد الأميركي بهذه العملية ، هذا الانفراد ، الذي دمر بانحيازه الاعمى للسياسة العدوانية التوسعية لدولة اسرائيل كل فرص التقدم في مسيرة التسوية السياسية ، تفضي الى تسوية شاملة ومتوازنة للصراع على اساس فرارات الشرعية الدولية .
س2 : أين وصلت جهود المصالحة الوطنية وما هو مصير موظفي قطاع غزة ؟
المشاورات ما زالت تجري لإجراء حوار وطني في قطاع غزة، يشمل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي وعدد من الشخصيات المستقلة ، هناك بعض العقبات التي يجب تذليلها من اجل استئناف هذا الحوار ووصوله إلى الهدف المنشود، لطي صفحة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ووحدة النظام السياسي، على أساس وثيقة الوفاق الوطني واتفاقيات تم التوقيع عليها في القاهرة والدوحة وبيان الشاطئ . هذا الحوار ليس حوارا بين وفد لمنظمة التحرير ينوي الانتقال إلى غزة للقاء مع حماس، ليس هذا هو التوجه، التوجه هو فتح ملف العلاقات الوطنية والوحدة الوطنية الفلسطينية، من أجل مشاركة جميع القوى، هذا هو قرار اللجنة التنفيذية وليس إرسال وفد من منظمة التحرير الفلسطينية وقد أحالت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير هذا الملف الى اللجنة السياسية المنبثقة عنها
جميعنا يعرف طبعا أن المصالحة وطي صفحة الانقسام واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني للسلطة الفلسطينية ما زالت عالقة في اروقة المناورات السياسية السخيفة . هذا ليس بجديد ، فمنذ اتفاق صنعاء ، الذي تم التوصل اليه برعاية يمنية في آذار 2008 وحتى اتفاق أو بيان الشاطئ في نيسان 2014 ، والأمور تراوح مكانها ، رغم خطورة الأوضاع وضخامة التحديات . ونظرا لما يدور الان من سجال في وسائل الاعلام بشأن استئناف الحوار في غزة بمشاركة جميع فصائل العمل الوطني ( فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، حركة حماس وحركة الجهاد وشخصيات مستقلة ) ، من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه على امتداد السنوات بين صنعاء والشاطئ ومعالجة متفق عليها للجديد وتحديدا في قطاع غزة من إعادة إعمار ومعابر وشؤون موظفين عالقة ، وفق التوجه الذي أقرته اللجنة التنفيذية ، فإن إصرار البعض على التمترس وراء مواقف تعكس مصالح فئوية يمكن أن يعيدنا الى المربع الصفر بكل ما لذلك من انعكاسات سلبية
من3:مقرر طبعا وفق توجهات اللجنة التنفيذية وما تم التوافق عليه في اللجنة السياسية مناقشة قضايا ملحة تخص أبناء قطاع غزة كفتح ملف الإعمار والاتفاق على كل ما يسهل ذلك، بما في ذلك المعابر وحل مشكلات قائمة في القطاع كمشكلات الموظفين على قاعدة الورقة السويسرية ، التي توفر الأساس الموضوعي لحل هذه المشكلة بما يحفظ لهؤلاء تسوية عادلة وحياة كريمة . ويهمني هنا أن أشدد على أن هذا اللقاء بحاجة إلى إرادة سياسية من جميع الأطراف لإنجاحه، وهذا يتطلب أن تدرك الأطراف المعنية أن الشعب الفلسطيني لا يملك ما هو أثمن من وحدته الوطنية في مواجهة سياسة الصلف والتعنت والسياسة العدوانية الاستيطانية المعادية للسلام ، التي تسير عليها حكومة اسرائيل .
س 3 : الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي قطاع غزة بشكل خاص يعيش وضعا اقتصاديا شديد الصعوبة … وتزداد المعاناة المستمرة منذ عدة أعوام بعد العدوان الصهيوني الأخير على القطاع ، هل هناك من فرص لمعالجة التدهور في وضع الاقتصاد الفلسطيني وإنهاء معاناة المواطنين؟
*** هذا صحيح ، فالأوضاع الاقتصادية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة تسير من سيء إلى أسوأ ، وليس من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الفلسطيني نموا حقيقيا ومستداما طالما بقينا تحت الاحتلال وبقي نحو 60 % من مناطق الضفة الغربية تحت السيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلي ويجري التعامل معها باعتبارها المجال الحيوي لبناء وتطور المستوطنات
هذه ليست تقديرات نعيد التأكيد عليها المرة تلو الاخرى لأغراض الدعاية السياسية مثلا ، بقد ما هي تقديرات مبنية على معطيات تشاركنا فيها تقارير منظمات وهيئات دولية . فتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية العام الماضي حول الأوضاع الاقتصادية في دولة فلسطين المحتلة يؤكد من جديد على أن الاحتلال الإسرائيلي هو المعيق الأساسي لخلق تنمية اقتصادية مستدامة، وإحداث انتعاش للاقتصاد الوطني، ونمو حقيقي في إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني فضلا عن ذلك .توقع المؤتمر تراجع التنمية الاقتصادية في الأرض الفلسطينية المحتلة على المدى الطويل ، وفي الحقيقة أن شواهد التراجع موجودة وجاءت سريعة . فقد شهد الاقتصاد الفلسطيني العام الماضي انكماشاً بنسبة 4% وذلك بعد سبعة أعوام من النمو المتواصل بوتيرة متفاوتة، حسب أحدث تقارير البنك الدولي .وقد أدت عوامل الحرب العدوانية التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة صيف العام الماضي وتقليص المساعدات الخارجية، والقيود المفروضة على حركة التجارة إلى حالة من الركود، اعترف بها البنك الدولي وأكد أنه سيكون لها نتائج قاتمة على الاقتصاد الفلسطيني
وعليه ، طالما يسيطر الاختلال على 60 % من مساحة الضفة الغربية ويمنع الفلسطينيين من الاستثمار في هذه المساحة واستغلال ثرواتها ويخصصها للنشاطات الاستيطانية ، وطالما يقيد الاحتلال الجانب الفلسطيني باتفاقية باريس الاقتصادية المجحفة والمهينة والمذلة ، فلا فائدة من الحديث عن خروج الاقتصاد الفلسطيني من عنق الزجاجة . وعلى كل حال فقد قدر تقرير صدر سابقاً عن البنك الدولي أن القيمة السنوية الإجمالية للخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الفلسطيني جراء عدم إمكانية الوصول للمناطق المسماة « ج » بحوالي 3.4 مليار دولار أمريكي، وأكد ذات البنك ان هناك خمسة قطاعات محددة يعتقد بأنها الأكثر تأثراً جراء استمرار السيطرة إسرائيلية على هذه المناطق وهي، الزراعة، البحر الميت، الإنشاءات، السياحة، الاتصالات، الأمر الذي يؤدي لخسارة مالية في الإيرادات العامة للسلطة تفوق 800 مليون $ سنويا أي حوالي 50% من عجز الموازنة العامة. البنك الدولي لم يولي الاهتمام الكافي لمناطق الأغوار الفلسطينية، التي تسيطر عليها استثمارات المستوطنات وتعود على هذه المستوطنات بأرباح سنوية تتجاوز 65- مليون دولار سنويا . والى جانب ذلك فان الفلسطينيين يفقدون السيطرة على نحو حوالي 85% من مواردهم الطبيعية بدءا الثروات المائية مرورا بثروات البحر الميت وانتهاء بثروات الغاز في المياه الاقليمية للبحر في قطاع غزة ، وهذا بحد ذاته كفيل بإبقاء الاقتصاد الفلسطيني يعيش في خيمة اوكسيجين معتمدا على عوائد الدخل من الخارج وتحديدا مساعدات الجهات المانحة ، التي لا تبني اقتصادا حقيقيا ولا تعالج ما يتعرض له الاقتصاد الفلسطيني من أزمات ، كالأزمات المالية الدورية ، التي أصبحت سمة خاصة ومميزة للاقتصاد الفلسطيني ، والتي تؤثر على مختلف القطاعات لأنها المشغل الأكبر للموظفين حيث يتجاوز عدد الموظفين في السلطة حوالي 170 ألف موظف ، نقص أو غياب رواتبهم يشل حركة الاقتصاد الفلسطيني ، أو أزمات الفقر والبطالة التي تتراوح نسبتها في الضفة الغربية تتراوح بين 20 – 25 % وفي القطاع من 31.0% إلى 40.8% نهاية العام الماضي، ويبدو إن معدل البطالة في فلسطين يتجاوز بشكل عام حدود 30 % من حجم القوى العاملة الفلسطينية، وهذه معدلات مرتفعة بكل المقاييس
لهذه الأسباب والمعطيات مجتمعة ، فلا أمل في تحسين مستوى معيشة الفلسطينيين وفي تنمية اقتصادية مستدامة في ظل الاحتلال . مفتاح معالجة الاوضاع الاقتصادية المتردية ومعالجة حالة الركود التي يعيشها الاقتصاد الفلسطيني هو التحرر من الاحتلال ، هو فك الارتباط تماما مع هذا الاحتلال ، وهذا ما يجب أن يطرح للحوار على المستوى الوطني لاتخاذ ما يلزم من ترتيبات وإجراءات وسياسات تساعدنا على بلوغ هذا الهدف .
س4 : ألا ترى أن إسرائيل أشغلت الفلسطينيين والفصائل الفلسطينية بملفات الإعمار والملفات الإنسانية للقيام بممارساتها الإجرامية المستمرة لتهويد في القدس وتغير معالمها والأقصى؟
*** لا ، الأمر ليس كذلك ، فإعمار ما دمرته آلة الحرب الجهنمية والشيطانية الاسرائيلية شيء ومواجهة الممارسات الاجرامية الاسرائيلية المستمرة في القدس وغيرها من مناطق ومحافظات الضفة الغربية شيء آخر مختلف . لا يوجد قيادة فلسطينية مسئولة تستطيع أن تدير الظهر لملف إعادة الاعمار في قطاع غزة بعد الدمار الهائل ، الذي أصاب المواطنين في ممتلكاتهم ومساكنهم ومؤسساتهم وأصاب مختلف القطاعات الانتاجية والبنى التحتية في القطاع ، هذا العدوان الذي طال حسب الإحصاءات أكثر من (45,000) منزلا ووحدة سكنية، منها (8238) مدمرة كليا، و(32,000) مدمرة جزئيا ، هذا إلى جانب الخسائر الضخمة في قطاعات الصناعة والزراعة والإنشاءات وفي البني التحتية المدمرة .
ما يجب أن يشغلنا في ملف إعادة الاعمار هو تدارك ضياع الفرص التي وفرها مؤتمر إعادة الاعمار الذي عقد في القاهرة برعاية مصرية – دانمركية في أكتوبر من العام الماضي ، بمشاركة وزراء خارجية أكثر من 60 دولة، و 18منظمة إقليمية و دولية إلى جانب بعض مؤسسات التمويل الدولية ، والتي تعهدت مجتمعة بتقديم 4،5 مليار دولار ، خصص نصفها لإعادة اعمار قطاع غزة والنصف الباقي للسلطة الفلسطينية . أرجو– تواصلن في الطريق الى إضاعة الفرص خاصة وأن عددا من الجهات المانحة ترغب الاتكاء على أخطاء أو ثغرات في الجانب الفلسطيني وخلافاته الداخلية وتجاذبات بعض اطرافه السياسية للتهرب من التزاماتها ليس فقط في ما خصصه المؤتمر لإعادة الاعمار ، بل وكذلك للنصف الباقي الذي خصص للسلطة ذاتها ، وهكذا نعيد تكرار تجربة مؤتمر إعادة اعمار قطاع غزة ، الذي انعقد في منتجع شرم الشيخ في آذار من العام 2009 ، والذي شارك نحو 70 دولة و16 منظمة اقليمية ودولية ومن مؤسسات التمويل الدولية، كالأمانة العامة للأمم المتحدة والجامعة العربية والبنك الدولي.
س 5 – تواصل إسرائيل ارتكاب جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال في قطاع غزة كما في الضفة الغربية . ومؤخرا جرى التوقيع على نظام روما لمحكمة الجنايات الدولية ، ما هي آفاق وفرص تفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية وجلب مجرمي الحرب الى العدالة الدولية؟
*** دولة فلسطين سوف تصبح عضوا في المحكمة الجنائية الدولية مع مطلع نيسان القادم بعدما وقع الرئيس محمود عباس نظام روما ، الذي بموجبه أنشئت هذه المحكمة . الرئيس محمود عباس لم يكتف بالتوقيع على نظام روما بل هو أصدر مرسوما بتشكيل هيئة وطنية عليا لإعداد الملفات ، التي سوف يتقدم بها الجانب الفلسطيني الجانب الفلسطيني الى المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها ملفات توثق جرائم الحرب التي اقترفتها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني . ويمثل في هذه الهيئة الوطنية جميع القوى وألوان الطيف السياسي الفلسطيني وطيف واسع من منظمات المجتمع المدني الفلسطيني ومنظمات حقوق انسان فلسطينية متخصصة ودوائر رسمية كذلك سواء في منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية ، كوزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية مثلا . الملفات التي يجري العمل على تحضيرها تتصل بميدانين الأول هو الاستيطان ، حيث يعتبر نظام روما الاستيطان جريمة حرب ، والمدان الثاني جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل في قطاع غزة في عدوانها الاخير .
مؤخرا قرر مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق أولي في جرائم حرب محتملة وقعت على الأراضي الفلسطينية، وذلك في أول خطوة رسمية من شأنها أن تؤدي إلى توجيه اتهامات لمسئولين أو في إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خاصة في عدوان » الجرف الصامد » على قطاع غزة منتصف العام الماضي أو بسبب النشاطات الاستيطانية الاسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية ، والتي تصنفها المادة الثامنة من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جريمة حرب . وكما لاحظنا فقد كانت ردود فعل قادة اسرائيل على قرار مكتب الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية هستيرية ، وهي تعبر عن قلق ورعب قادة اسرائيل من المثول أمام العدالة الدولية على خلفية جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم العدوان وجرائم الاستيطان والترانسفير والتطهير العرقي ، التي تمارسها دولة اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني . وقد ناصرت الإدارة الأميركية الموقف الإسرائيلي ، حيث دانت قرار الادعاء العام ووصفت القرار بالتراجيديا الساخرة ، علما أنه لا يوجد في تاريخ الدول تراجيديا ساخرة اكثر من توفير الحماية ليس فقط من المساءلة السياسية والدبلوماسية ، بل وكذلك من المساءلة امام العدالة الدولية كما تفعل الولايات المتحدة الأميركية ، التي تعتمد ازدواجية معايير في التعبير عن حق المواطن الفلسطيني في الحياة بعيدا عن الخوف من آلة الحرب الاسرائيلية المدمرة وتتعامل مع اسرائيل باعتبارها دولة استثنائية فوق القانون ، ما يشجعها على مواصلة تحديها للقانون الدولي وقرارات الشرعية ومواصلة سياستها العدوانية والاستيطانية التوسعية وسياسة هدم بيوت المواطنين الفلسطينيين وسياسة الترانسفير والتطهير العرقي ، التي تجري على قدم وساق في القدس الشرقية المحتلة وفي مناطق الاغوار الفلسطينية وغيرها من مناطق في الضفة الغربية . ردود فعل كل من إسرائيل والإدارة الأميركية سواء على الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية أم على قرار الادعاء العام للمحكمة بفتح تحقيق أولي تظهر مدى الاهمية التي يجب أن نوليها لتدويل القضية الفلسطينية ليس فقط في جانبها السياسي بل وكذلك في الجوانب المتصلة بتقديم قادة اسرائيل ومجرمي الحرب فيها الى العدالة الدولية
س 6 : في ضوء التوقيع على نظام روما وانضمام دولة فلسطين الى المحكمة الجنائية الدولية قامت اسرائيل بحجز أموال المقاصة . كيف ترى هذه الخطوة من جانب الحكومة الاسرائيلية وما هي أدوات الرد والضغط الفلسطينية ، الكفيلة بوضع حد لهذه السياسة الاسرائيلية؟
*** هذه ليست المرة الاولى التي تمارس فيها اسرائيل سياسة قرصنة مالية ضد الجانب الفلسطيني على مرآى ومسمع العالم والمجتمع الدولي . اسرائيل تمارس هنا سياسة ابتزاز ولكنها تقدم نفسها الى العالم باعتبارها دولة مارقة لا تحترم التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقيات التي وقعتها مع الجانب الفلسطيني . اسرائيل بهذه القرصنة ترسل رسالة الى الجانب الفلسطيني بضرورة التوقف عند حدود التوقيع على نظام روما وعدم تجاوز ذلك من خلال اعلان دولة فلسطين بموجب ذلك باختصاص وولاية المحكمة ، ما يعني أن دولة فلسطي قد قررت الانضمام للمحكمة كطرف في اتفاقية روما وبالتالي السعي نحو تفعيل ولاية المحكمة وفقا لأحكام نظامها الأساسي . وتقوم حكومة اسرائيل بهذه القرصنة المالية كذلك على ابواب انتخابات الدورة العشرين للكنيست الاسرائيلي في محاولة لكسب مزيد من الاصوات في معركة الانتخابات هذه .
وبصرف النظر عن كل هذا فإن ابلغ الردود على سياسة السطو اللصوصي الاسرائيلي على المال العام الفلسطيني ، حجب أموال المقاصة واستخدامها كأحد أدوات الابتزاز السياسي ، هو امضي قدما ودون تردد في إعداد الملفات ، التي يجب التقدم بها إلى المحكمة الجنائية الدولية والتي على اساسها تجري المطالبة بتقديم صف واسع من القيادات السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية إلى العدالة الدولية سواء على خلفية ارتكاب جرائم استيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس او جرائم حرب وعدوان في قطاع غزة ، هذا إلى جانب تعليق العمل دون تردد باتفاق باريس الاقتصادي وإعادة النظر في العلاقات التجارية مع دولة الاحتلال لصالح الاستيراد المباشر دون المرور بقناة الوسيط الاسرائيلي فضلا عن مقاطعة منتجات الاحتلال على المستويات الرسمية والأهلية ، على المستوى الرسمي بوقف اعطاء تصاريح الاستيراد للبضائع الاسرائيلية ووقف الاستيراد المباشر من اسرائيل عبر الوسيط الاسرائيلي
في هذا السياق يهمنا ان نذكر أن حجم علاقات التبادل التجاري بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يصل إلى ما يقترب من خمسة مليارات دولار سنويا ، تشكل السلع إسرائيلية المنشأ نحو 60% منها ، ما يؤكد أن سياسة المقاطعة ضرورية وفعالة ومن شأنها أن تؤثر في مصالح قطاعات اقتصادية اسرائيلية وتدفعها للضغط على حكومة الاحتلال للكف عن سياسة القرصنة المالية ، التي تمارسها كأحد اشكال أدوات الابتزاز والضغط السياسي على الجانب الفلسطيني . وهنا على لجان المقاطعة الشعبية ولجان حماية المستهلك أن تستعيد دورها في منع وصول المنتجات الاسرائيلية الى الاسواق الفلسطينية من خلال التفاهم مع التجار الفلسطينيين ومن خلال تشجيع المنتج الوطني وحملات التوعية الميدانية والجماهيرية وفي وسائل الإعلام، حتى يتكامل الجهد الوطني في الرد على هذه القرصنة، التي اعتادت حكومة اسرائيل على استخدامها كإحدى وسائل ضغطها على الجانب الفلسطيني، كلما حاول ممارسة حقه في الدفاع عن الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية .
هذا كله على المستوى الوطني ، وعلى المستوى الدولي وبصرف النظر عن سياسة القرصنة المالية الاسرائيلية فإن حركة المقاطعة تتطور وتتدحرج ككرة الثلج ، مقاطعة بضائع منتجة في المستوطنات ومقاطعة تجارية بعرقلة تفريغ السفن الإسرائيلية في المواني ومقاطعة أكاديمية في الجامعات وغيرها . الجانب الفلسطيني من خلال الجاليات الفلسطينية والعربية والقوى الصديقة في جميع بلدان العالم معنية أن تخوض معركة المقاطعة هذه لما لها من أثر بالغ في فرض الحصار والعزلة على دولة الاحتلال ووضعها في حجمها ووضعها كدولة عادية وليس كدولة استثنائية فوق القانون.
Aucun commentaire