Home»International»العلاقات السعودية ـــــ الأمريكية… نهاية عصر النفط مقابل الأمن

العلاقات السعودية ـــــ الأمريكية… نهاية عصر النفط مقابل الأمن

0
Shares
PinterestGoogle+

بقلم: د. عبد الحميد صيام*

 

بدأت محاضرة يوم الإثنين الفائت لطلاب الدورة « السياسة والمجتمع في العالم العربي » (Arab Politics and Society) بسؤال: من منكم يعلم أن الرئيس (أوباما) قد قام بزيارة للسعودية يوم الجمعة الماضي؟

ستة طلاب من مجموع الثلاثين رفعوا أياديهم، أي أن 20% فقط من طلاب جامعيين يدرسون العلوم السياسية والشرق الأوسط وقريبين من منطقة نيويورك مقر هيئة الأمم المتحدة، ونسبة عالية من الطلبة من أصول عربية وإسلامية، يعرفون أن رئيسهم ذهب لزيارة السعودية… فما بالك بالأوساط الشعبية في ولايات بعيدة لا علاقة لهم بالشؤون الدولية!؟ ستكون النتيجة حتماً تقترب من الصفر، خاصة أن وسائل الإعلام الكلاسيكية تجاهلت الزيارة وأن قُراء صحيفة (نيويورك تايمز) جماعات من المثقفين والمتابعين والمتخصصين. بدأ الطلاب يجتهدون لتقديم تفسير لظاهرة غياب الاهتمام بالسعودية في الشارع الأمريكي.

كان من بين الآراء المطروحـة، أن الاعتماد على النفط السـعودي قد ولّى وإلى الأبد، كما أن السـعوديـة واسـم السـعوديـة وكل ما يتعلق بالسـعوديـة يُذكر الأمريكيين بتفجيرات الحادي عشـر من أيلول/سـبتمبر 2001، وهم يُريدون أن يتجاوزوه. وقال آخر/أخرى إن السـعوديـة تعتقد أننا كدولـة عُظمى نعمل حسـب إملاءاتها، خاصـة أن مصادر القلق للنظام السـعودي زادت كثيراً مؤخراً وتريد أن توظف إمكانيات الولايات المتحدة لخدمـة أغراضها! وأضاف آخر أن ما تريده السـعوديـة الأمن والحمايـة، خاصـة وأن منطقـة الشـرق الأوسـط تعيـش الآن مرحلـة فوضى السـلاح، التي قد تصل إلى الداخل السـعودي، ولذلك تريد السـعوديـة أن تتأكد أن الحمايـة مازالت مضمونـة فيما لو تعرضت العائلـة السـعوديـة ـــــ التي تُعد بالآلاف ـــــ لخطر السـقوط!

 

السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والدور السعودي

في محاضرة (لكوندوليزا رايس) في الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2005 قالت: « لقد كانت سياستنا في الشرق الأوسط لمدة تزيد عن خمسين عاماً تقوم على الاستقرار لا الديموقراطية، فاكتشفنا أخيراً أننا خسرنا الإثنين معا ».

لقد ظلَّت السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تقوم على ثلاثة محاور أساسية: أولاً حماية (إسرائيل) وضمان التفوق النوعي لقواتها العسكرية والإستخباراتية والتكنولوجية، واعتبار (إسرائيل) حليفاً استراتيجياً لا تتغير السياسة نحوها إلا بمقدار ما يتسابق الحزبان الأساسيان في الإنصياع لإملاءاتها وبشكل ذليل أحياناً. المحور الثاني تأمين تدفق النفط بأسعار معقولة بحيث يزيد الانتاج كلما ارتفعت الأسعار وينخفض الانتاج كلما كانت هناك حاجة لرفع الأسعار، على أن تأخذ الولايات المتحدة النفط السعودي بسعر أقل من دولار واحد من السعر في السوق. وكل ذلك يتم عن طريق الإملاءات الأمريكية منذ أن التقى الرئيس الأمريكي (روزفلت) بالملك السعودي المؤسس عبد العزيز آل سعود في شباط/فبراير 1945، على متن السفينة الحربية (يو إس كوينسي)، علماً بأن العلاقات بين البلدين أُقيمت منذ عام 1933. أما المحور الثالث فهو احتواء الحركات الوطنية والتصدي للقادة الوطنيين الذين يُحركون الجماهير في سبيل الاستقلالين السياسي والاقتصادين والسيطرة على الموارد الوطنية والتحرر من الهيمنة الأجنبية. فقد قامت وكالة الإستخبارات المركزية بتدبير إنقلاب في إيران للإطاحة برئيس الوزراء المحبوب محمد مصدق عام 1953 وأعادت الشاه إلى الحكم بعد أن هرب إلى روما. كما أنها عملت بكل الوسائل لاحتواء الرئيس جمال عبد الناصر فأسست مع بريطانيا (حلف السنتو) أو ما سُمي « حلف بغداد » عام 1955 لتكوين تحالف بين العراق وإيران وتركيا وباكستان ومن ورائهم (إسرائيل)، كي لا يصل المد الثوري إلى قلب العروبة في بلاد الشام والعراق. لكن الحلف انهار بعد إنهيار الملكية في العراق عام 1958، ثم ما لبثت في نفس العام أن أُرسلت قوات الـ (مارينز) إلى لبنان لإنقاذ حكومة كميل شمعون بعد قيام مظاهرات عارمة في لبنان للانضمام إلى دولة الوحدة التي أُعلنت للتو بين مصر وسوريا. أما سـلـة « القيم الأمريكيـة » ـــــ كما يحلو للجمهوريين تسـميتها ـــــ فلا علاقـة لها بالسـياسـة الخارجيـة في الشـرق الأوسـط. لا أهميـة للديموقراطيـة واحترام حقوق الإنسـان وسـيادة القانون والمسـاواة بين الرجل والمرأة وعدم التمييز بناءً على اللون أو الدين أو اللغـة… كل هذه المبادئ يتم تجاهلها تماماً في التعامل مع الكثير من الدول النفطيـة.

قبل اكتشاف النفط في السعودية كانت الولايات المتحدة تُعيّن موظفين صغاراً لمتابعة الملف السعودي الصغير. وتم إنشاء شركة (أرامكو) للتنقيب عن النفط عام 1933، وبعد اكتشـاف النفط أُقيمت أقوى العلاقات وأمتنها بين البلدين. أقامت الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية كاملة مع السعودية عام 1940 وانتقل السفير الجديد (بيرت فيش) من القاهرة إلى جدة لتأمين النفط والنظام السعودي أثناء الحرب العالمية الثانية. ورغم توتر طفيف في العلاقات بين البلدين عند إنشـاء الكيان الإسـرائيلي على أرض فلسـطين، لكن العلاقات بقيت صلبـة للغايـة، خاصة في بداية الحرب الباردة حيث كان هناك تخوف حقيقي من المد السوفييتي. وضعت الولايات المتحدة حمايـة النظام السـعودي على رأس أولوياتها، وقد طمأن (ترومان) الملك عبد العزيز بن سـعود ألا خوف على نظامـه من الخطر السـوفييتي. وتعزز الوجود العسـكري الأمريكي في السـعودية وبقيـة دول الخليج، فقد وقعت السعودية عام 1951 إتفاقية حماية أمنية وسمحت بموجبها بإبقاء قوة عسكرية في البلاد؟

لقد لعبت السـعوديـة دوراً محورياً في محاربـة الفكر الماركسـي من جهـة، ومن جهـة أخرى وقفت في وجـه الحركات القوميـة التي كانت منتشـرة آنذاك في عموم الوطن العربي، ووضعت في سـلم أولوياتها الوقوف في وجه جمال عبد الناصر والأحزاب القوميـة كلها وتشـجيع الحركات الإسـلاميـة، كما أنها احتضنت قيادات الإخوان المسـلمين الهاربين من مصر وسـوريا وشـجعت الحركات الإسـلاميـة الأصوليـة لإيجاد حاجز أيديولوجي ضد المد القومي آنذاك. ولذلك بقيت السعودية من الناحية الاستراتيجية عضواً فاعلاً في منظومة أمن الخليج، رغم كل العوائق التي شابت العلاقة، خاصة بعد وقف إمداد النفط بعد حرب 6 أكتوبر 1973 المجيدة. لكن ساعة الإمتحان جاءت بعد احتلال الجيش العراقي للكويت بتاريخ 2 آب/ أغسطس حيث وجدت السعودية نفسها تحتضن أكبر « أرمادا » في تاريخ الحروب ينطلق من أرض عربية ضد أرض عربية أخرى..!!

 

ما الذي تغير؟

بعد هجمات الحادي عشـر من سـبتمبر والتعرف على 15 شـخصاً من السـعوديـة تغيّرت كل الأمور وأصبحت نظرة الشـعب الأمريكي للسـعودية نظرة مختلفـة تماماً، وأصبحت بلداً يُصدر التطرف والايديولوجيات الراديكاليـة التي تعمل باسـم الدين. لقد حفرت الأحداث صورة نمطيـة سـلبيـة ومن الصعب تغييرها بسـهولـة رغم تجنيد شـركات الضغط وصناعـة الرأي العام بهذه المهمـة.

من جهة ثانيـة قررت إدارة (أوباما) منذ الدورة الأولى أن تُخفف من اعتماد البلاد على النفط من جهـة ومن جهـة أخرى زيادة الإنتاج المحلي، بحيث يصبح الاعتماد على بلد واحد غير وارد، وهو ما نجح فيـه (أوباما) مؤخرا حيث أصبحت الولايات المتحدة تسـتورد كميات أقل من النفط السـعودي. فقد ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط ليصل إلى 8.2 مليون برميل يومياً بزيادة 3% عن مجموع ما كانت تُنتجه عام 2011. ولايـة تكسـاس لوحدها سـتتفوق قريباً على كل ما تُنتجـه الكويت! كما قامت الولايات المتحدة باستبدال كميات من نفط دول الخليج من « النفط الخفيف » من نيجيريا وليبيا والجزائر وأنغولا.

النقطـة الثالثـة والمهمـة هي، أن الولايات المتحدة محرجـة من إقامـة علاقات حميمـة مع نظام لا يحترم أدنى وأبسـط حقوق الإنسـان كحقوق الطفل وحقوق المرأة ومعاملـة العمال الوافدين والمحاكمات العادلـة وحق التظاهر السـلمي وحق التعبير وحريـة الصحافـة وكل أيقونات حقوق الإنسـان. التدخل الذي مارسه النظام السعودي ضد ثورات « الربيع العربي » لإجهاضها ونجح تقريباً قد سبب ضيقاً وحرجاً للولايات المتحدة؛ حيث ترى أن النظام القائم على عائلة كبيرة تملك بيديها كل مقاليد الأمور في بلد غني لا ينتمي إلى عصر الحريات و(الإنترنت) وصحافة المواطن وحرية التعبير والرأي والتجمع يعمل على وأد حركات ديموقراطية نابعة من احتياجات حقيقية لتلك الشعوب.

العلاقات الباردة بين البلدين ستزيد برودة؛ فزيارة الرئيس (أوباما) القصيرة للمملكة جاءت أقرب إلى الزيارات البروتوكولية. ملفات الخلافات عميقـة بين الطرفين: من بينها سـوريا وإيران ومصر والحركات الإسـلاميـة وغيرها، لكنها يمكن أن تُحل فيما لو ترجل النظام السـعودي عن صهوة جواده ونزل من عليائـه وبدأ في بناء الدولـة الحديثـة القائمـة على دسـتور واضح وتعدديـة فكريـة وتداول للسـلطـة واحترام حقوق الإنسـان! صحيح أن المخاوف الأمنيـة لدى السـعوديـة في تصاعد، لكن الصحيح أيضاً أن المواقف الأمريكيـة في تباعد عن المواقف السـعوديـة بنفـس الدرجـة.

 

* أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

Hamed H. Arab
Abu Naser

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *