Home»International»عن ذكريات ومآسي وابتلاءات وآلام وتعذيب وسجون ومعتقلات عصر مبارك

عن ذكريات ومآسي وابتلاءات وآلام وتعذيب وسجون ومعتقلات عصر مبارك

0
Shares
PinterestGoogle+

حوار مطول وهام مع السيدة / عبير محمود محمد صالح الأسواني شقيقة محمد الأسواني

ذكريات ومآسي وابتلاءات وآلام وتعذيب وسجون ومعتقلات

ثلاثة عقود من القهر والظلم انقشعت بزوال الطاغية مبارك

آمال باكتمال الثورة وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وعودة الطيور المهاجرة

ضمن متابعات المرصد الإعلامي الإسلامي لأحوال الأسرى والسجناء والمعتقلين والمستضعفين وأسرهم في كل مكان أجرى مدير المرصد الإعلامي الإسلامي ياسر السري حواراً – نعتذر عن الإطالة ولكن للتوثيق لزم الأمر – مع السيدة / عبير محمود محمد صالح الأسواني شقيقة محمد الاسواني أقدم سجين سياسي في مصر والعالم عبر الهاتف وذلك قبل الإفراج عنه ولكن للانشغال لم يتم نشر الحوار الذي هو حوار ذو شجون تطرق لأمور كثيرة تطرقت فيها لحقبة عصر مبارك ثلاثة عقود من الظلم والقهر مليئة بالذكريات والابتلاءات وقد تحدثت الينا بكثير من المرارة والأسى والألم الشديد . .

وبادي ذي بدء نذكر بإنه حينما نتحدث عن الأصالة والعراقة عن الكرم والنبتة الطيبة وعن العطاء المتدفق الذي لا ينقطع . . نتحدث عن هذا المزيج « الكوكتيل » الذي اجتمع في شخصية امرأة مصرية وشخصية نبيلة صابرة محتسبة . . فهى الأم والأبنة والأخت والزوجة . . سجل حافل بالمكارم والتضحيات والايثار وانكار الذات . . فلو تحدثنا عن الأم تلك المدرسة التي اعدت اطيب وانبل الأعراق الانسانية . . ولو تحدثنا عن الابنة والأخت والزوجة . . عن كل هذه المسميات والصفات والوظائف للمرأة لعلمنا السر وراء جملة  » وراء كل رجل عظيم امرأة  » ومعلوم ان العظمة لا تاتي مصادفة . . الذي اتى بها وأبرزها هو كم وافر من العطاء الطوعي والمتدفق من جندي مجهول أبى أن يعرفه الناس لكن الله عز وجل يعرفها تماماً انها من شقائق الرجال . . استوصي بهن النبي صلي الله عليه وسلم بالخير كله لقد خلد التاريخ اسمائهن في مدار الانسانية . . فأم موسي عليها السلام وامرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد المرأة التي آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم حين كفر الناس وواسته بمالها حينما منعه الناس . . ورزق منها الخير الكثير . . إنهن العابدات القانتات ولا زال عطائهن يتدفق . .

وهناك من سار على دربهن . . وقليل ما هم من يعرفون تلك المبدعة صاحبة التفاصيل والسيرة العجيبة وجريئة معاً . .  صندوق الأسرار شاهدة عصر المستحيلات . . ابنة الحركة الاسلامية التي صارت مثل زينب الغزالي وأمينة قطب وعزيزة عباس زوجة المغربي . . إنها ابنة النوبة الكنزية . . لا يعلم الكثير عنها أنها تسلمت راية الجهاد عن والدتها – رحمها الله – لتحل محلها في متابعة أخبار اشقائها فأكبرهم يمضي 30 عاماً في السجون والآخر أمضى 21 عاماً معتقلاً ، آمنت منذ نعومة أظافرها بقضايا نصرة الحق والمظلومين في كل مكان . .

تعرضت للسجن والتعذيب والإهانات ولم يثنيها أحد عما آمنت به إنها ابنة الأسرة الميسورة التي وقفت في الظل لتصنع العظماء ، ورغم مشاغلها فهى متزوجة ولديها ثلاث ابناء . . فلم تتخل يوماً عن رسالتها السامية وهى في العقد الخامس حالياً إنها السيدة / عبير محمود محمد صالح (عبير الأسواني) نسبة إلى أسوان . . حاصلة على دبلوم عالي في الديكور والأشغال اليدوية وهى الآن ربة منزل . . وفيما يلي نص الحوار :

س: الأخت الفاضلة هل تتفضلي وتقصي علينا باختصار قصة أخوكي محمد ؟ .

ج:محمد شقيقي الأكبر انسان بسيط ومتدين بفطرته التي فطره الله عليها . . ما أتذكره عنه انه باراً بأهله متفانياً في خدمة جيرانه ، وبما انني شقيقته الصغرى كان يبالغ في الاهتمام بي . . اذكر أنه وقت ان التحق بالجامعة كان له نقاش مع أمي – رحمها الله – علمت من الحديث أن زملاء أخي في الجامعة خليط من افكار شتى ومختلفة متباينة وذات يوم احضر إلى المنزل منشوراً أصدرته احدى المجموعات في الجامعة وتلاه علي والدتي الكفيفة وعلمت ان زملاء أخي في الجامعة إما ليبراليين أو ماركسيين أو من المجموعات الدينية وكنت أجد محمد يميل إلى التجمعات الاسلامية وقتها  .

س : هل تقصدين الجماعة التي قتلت السادات ؟

ج: انا معرفش كل اللي انا اعرفه ان محمد وزملائه كانوا يحلمون بتطبيق الشريعة الاسلامية ؟، وكانوا يحلمون بالتغيير إلى الاصلاح . . اما بالنسبة لقتل السادات انا عرفت ان فيه اسلاميين من الجيش هم من قتلوا السادات بعد ان اقدم السادات علي اعتقال الشيوخ منهم : الشيخ كشك والشيخ المحلاوي والشيخ حافظ سلامة وكل من عارضه في سياسته وقتها .

س:ماهو التغيير الذي كان يحلم به شقيقك محمد؟

ج: على حد علمي ان محمد كان مواظباً على تلاوة القرآن الكريم والصلاة جماعة في المسجد ، وكان يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، كان ناصحاً اميناً لكل الناس رجالا ونساءا شابات وشباب ، لم اعلم يوماً انه اختلف مع احد او أساء لأحد . . كان يقول لنا ان الصلاة والصيام والزكاه والحج هى فريضة ربانية فرض الله العمل بها علي العباد وكذلك الشريعة الاسلامية هى الدستور الرباني الذي فرض كذلك وهو النموذج الوحيد المفروض العمل به ، ولقد تمت تجربة دساتير مدنية غير اسلامية في عقود عدة جرت البلاد والعباد إلى الاستبداد والدكتاتورية اما الشريعة الاسلامية وهى النموذج الرباني الذي لم يعمل به منذ سقوط الخلافة الاسلامية .

س : سيده عبير دخل محمد السجن بسبب حلمه الكبير في تطبيق الشريعة الاسلامية واظنك تتعاطفين مع تلك الأمنية والسؤال هو كيف يكون تطبيق الشريعة الاسلامية في دولة علمانية كمصر وبصورة أدق في دولة مدنية غير دينية ومن طبيعة المصريين انهم لا يفرقون بين مسلم وقبطي.

ج:استاذي الكريم ان حلم تطبيق الشريعة الاسلامية هو حلم السواد الاعظم سواء مسلمين كانوا وكثير من النصارى ، والتاريخ يشهد بذلك . . ولم ترى أية اقلية أو لم يجد النصارى بالتحديد عدلاً وتسامحاً الا في ظل وجود الشريعة الاسلامية . . وتروي كتب التاريخ والتاريخ القبطي بالتحديد عن عصور امتلأت بالاضطهاد المسيحي المذهبي . . وخلاصة القول ان النصارى في مصر لم يتعاملوا بفطرة هدوء وتسامح الا تحت الحكم الاسلامي . . صحيح ان وجود خطأ فردي في وقت ما هو خطأ لشخص معين لا لمنهج معصوم من الخطيئة كالشريعة الاسلامية ، لكن الساحة قد امتلأت بالعلمانيين والشيوعيين والبهائيين وعبدة الشيطان والذين احتقروا الأديان كل ذلك وتلك الافكار لا تحول دون تطبيق الشريعة الاسلامية وإن أرادوا تجميع هذه المعتقدات في مسمى دولة مدنية . . ونحن كمسلمين نسلم الأمر كله لله تعالى الذي يقول : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} ويقول ايضاً : وان احكم بينهم بما انزل الله . . فالمسألة خارج نطاق الاختيار . . ونعود لمسألة النصارى أنا لم اشعر في حياتي ان النصارى أقلية . . انا كنت مقيمة في شبرا وبها نصارى كثر معي وحولي والعلاقه بيننا ليست سيئة مطلقاً ، ولا ادري لماذا تشويه تلك العلاقة والوصول بها إلى هذا الاحتقان العجيب ! الاقباط طول عمرهم عايشين في سلم وآمان مع جيرانهم المسلمين حتى في الاماكن ذات الاغلبية المسلمة مثل عين شمس وامبابة لم يتعرض احد بسوء لهم في كل الاحياء الشعبية ، ولم اعلم بوجود فتنة طائفية واحدة وعموماً الذي كان يروج لموضوع الفتنة هذه هو الامن والامن وحده وهو المسئول الوحيد في احداث احتقان طائفي وتأجيجه لايجاد ذريعة لبقاءه حامياً لكرسي الحاكم ومستمداً  أي شرعية لوجوده . . وسمعت مؤخراً ان الامن قد شارك في كثير من الاحداث ومن ثم كان ينسبها إلى الشعب وإلى الاتجاه الاسلامي خاصه واتخاذهم كفزاعه ضد كل العقلاء في بلدي.

س:هل لكي ان تذكري لنا شيئا عن المعاناة التي تعرضت لها واسرتك بالتحديد ؟

ج:ان حجم المعاناة التي لقيتها ان ذكرتها تحتاج إلى مجلدات لكني سأذكر مأساة واحدة وهى يوم القبض علي أنا ووالدتي معلمة الأجيال المرأة الكفيفة المسنة وكنت وقتها صغيرة ، وقد اقتحمت قوات الأمن المصري بيتنا في سابقة هى الاولى من نوعها حيث كنا نسكن بمنطقة منية السيرج في أحد أحياء شبرا ، حيث اقتحمت قوات الامن بيتنا بعد ان تمكن شقيقي من الافلات منهم فكانوا ان دمروا كل شئ في البيت . . واقتادونا إلى قسم الساحل ولم يسمح لنا بتغطية شعورنا وسرنا في الطريق بهذه الهيئة !! وتخيل معي حجم المأساة التي حدثت لي ولأمي طوال الطريق إلى قسم الساحل بشبرا !!

ورأينا في قسم الساحل الاهوال حيث كان يتعمد ضابط القسم ومخبريه إلى مجامله زملائهم في جهاز أمن الدولة واظهار مدى ولاءهم لزملائهم . . فأذاقونا الويل أصناف ، والعذاب محتلف الألوان ، وكلمة ويل تعتبر بسيطة إلى جانب ما حدث لنا من ضرب واهانات وتعليق بالقسم . . حتى حضرت سيارة أمن الدولة فتم اقتيادي انا وأمي في موكب صار إلى مبنى الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة بلاظوغلي وقتها . . حيث استقبلنا الجهاز بمخبريه وضباطه استقبالاً حاراً بعد الاحتفال بنا انا وأمي التي كانوا يتعمدون عصب عينيها وهى الضريرة  !! حيث ثم عرضنا علي العديد من الضباط لإم امر احدهم بتجريدي من ثيابي وتهديدي بالاغتصاب وكنت وقتها طفلة صغيرة . . اما أمي المسنة فقد كسر ضابط كبير الرتبه أنفها بعد ان قم بلكمها بالضربات المتتالية وكأنه في ساحة ملاكمة . . ومن التعذيب بالكهرباء إلى ضرب علي الاقدام وتعليق وتجريد من الثياب وضرب بسلك الكهرباء المبروم . . ثم قاموا بفبركة قصة خيالية يعجز أكبر مؤلفي افلام المغامرات علي تأليف مثلها . . ثم تلقينها لي انا وأمي حتي نذهب امام النيابة لنذكرها في أقوالنا  وما املته علينا مباحث امن الدولة . . وفي جهاز أمن الدولة رأيت العديد من زملاء واصدقاء محمد . .  ورأيت ايضا العديد من زوجات واخوات وأمهات الاخوة وكانوا بملابس المنزل حفاه مثلي وفي حالة يرثى لها . . فهذه ظهرت عليها آثار الكهرباء ، وتلك لاتقوى على تحريك ذراعيها من التعليق !! أما هذه الحسناء فأحضرت لها مفرشاً كان علي احد المكاتب لتداري جسدها وشعرها بعد ان مزقوا ثيابها كلها .

كنت اسمع سيده اسمها ام صابر وهى تناشد ابنها حتي يعترف ليرحمها من العذاب هى وابنتها وزوجها المسن . . وأخرى خرجت عن شعورها وفقدت عقلها . . تمزق شعرها وثيابها وهى لا تدري ما تفعل بعد ان أصيبت بلوثة عقلية ، وذهب عقلها من جراء ما حدث لها !! علمت بعد ذلك انه تم ايداعها احدى المصحات النفسية بعد ان تركت ابناءها في رعايه امها بعد سجن زوجها . . ومن طرائف المواقف التي حدثت معي أن احضر المحقق صورة لرجل حليق اللحية وقالوا لي انه صديق اخوكي بعد ان حلق لحيته . .

هاني شاكر صديق محمد الأسواني

في البداية تخوفت من عرض الصورة عليّ ، لكن المحقق كشف عيني لأرى صورة المغني هاني شاكر !! وخشيت اقول وقتها اني لا اعرفه حتي لا اضرب ثانية . . فقلت للمحقق هو صديق شقيقي لكنه لا يحضر الينا كثيراً . . فضحك المحقق وقال لزميله كفاية عليها كده . . البنت بدأت في التخريف . . وعبثاً حاولت أفهم السر وراء هذا الافراط في العنف من قبل الضباط معنا . . ولما كنت صغيرة لا أدري هذه المفاهيم سألت شقيقي محمد يوماً اثناء انعقاد جلسة المحكمة وهو في القفص عن حجم هذا العنف الذي مورس ضد اسرتنا وكنت وقتها في الثانية عشر من عمري فقال لي شقيقي : لا تحزني سيجعل الله بعد عسر يسرا . . لا تهتمي انها السادية التي اصيب بها اغلب افراد الجهاز وهو بحاجة إلى مراجعة جديدة واعادة تأهيل ، والبعد عن هذه الممارسات اللا انسانية حتي يمكن الاستفادة منهم فيما بعد وبدون ذلك وغير ذلك . . فليرحم الله المصريين وشعب مصر . .

ذات مرة تم اقتيادي انا وامي إلى سراي النيابة وأمر المحقق بفك قيودي وكشف عيناي وبدأ في اخذ أقوالي التي جرت كالسيل الجارف من فمي . . اقوالي كلها كانت ادانة لشقيقي محمد . . كانت أمن الدولة لقنتها لي بصورة متأنية تحت الاكراه . . ولما رأى المحقق أثار الاصابات الظاهرة عليّ وعلى أمي . . وسألنا المحقق : من عمل فيكم كده؟ فقلت له كذباً وخوفاً : ان امي ضربتني . . ولما كانت ضريرة سقطت من على السلم ليحدث لها كل هذا الكم من الاصابات وهنا ضحك رئيس النيابة ضحكة ملؤها الخبث . . وقال لي : باين عليكي فاهمة كويس . . وأحضر لي شاي ! اعترفت كذباً وادنت شقيقي ! ولم اسامح نفسي لقضاء اخي زهرة شبابه خلف الجدران . . تخيل معي حجم المأساة وانا أقر واعترف انا وامي ليدان شقيقي محمد . . بعد ذلك يقف رئيس النيابة ويطلب لأخي بالاعدام شنقاً . .

بعد نهاية التحقيقات عدنا إلى منزلنا وجدنا ان جميع الاشياء قد نهبت !! ونمت انا وأمي على سجادة علي الارض ووجدنا جميع الجيران والاصدقاء يخشون الحديث معنا وذلك لعده سنوات . . وامتد بطش أمن الدولة إلى كل اقاربنا . . ولكن الله يفعل ما يريد . .

هذا بعض ما تعرضت له اسرتنا والمعاناة التي ذاقتها اسرتي واقاربي ووالدي المربي الفاضل مدير مدرسه طه حسين للمكفوفين . . كذلك زوجته واولاده وتوفي والدي بعد ذلك من جراء ما حدث له . . وانا لم اذكر اخي الأخر الذي يصغر محمد الذي ظل معتقلاً 21 سنة لمجرد انه شقيق محمد ولم يكن له اي اتجاه سياسي أو ديني وقتها . .

س:السيدة عبير هذا سؤال من شقين ماهي الظروف التي ادت إلى اعتقال شقيقك محمد بعد ادانته في قضية السادات ولماذا اعتقل شقيقك طارق وكم عام مكث في السجن ؟

ج: أخي محمد لم يدان في قضية اغتيال السادات ، ولم يكن له اي دور فيها . . الا أنه ادين في قضية الجهاد الكبري والتي تعد رافداً لقضية الاغتيال ونظراً لارتباط القضيتين فكان من الصعب التفريق بينهما . . صحيح ان قضية السادات هى الأشهر . . ولقد علمت ان الأمن يراقب احد اصدقاء شقيقي محمد ويدعي صلاح وبسبب هذه المراقبة تمت محاولة اعتقال شقيقي محمد إلا انه تمكن من الهرب وقتها ، ثم قبض عليه وادين بعد ذلك . . اما الشقيق الآخر لمحمد فهو الضحية فعلاً  ، وتم اعتقاله اكثر من مرة بسبب ارتباطه الشديد بشقيقه محمد وكان هو المسئول الاول عن رعايته بعد سجنه فتم اعتقاله طبقا لقانون الطواريء ولم يقدم للمحاكمة ! وفي كل مرة يتم اعتقاله فيها يبرأ وبلغت عدد سنوات اعتقاله 21 عاماً متفرقة !! لقد تم أخذ اخي طارق كرهينة طيلة هذه الفترة واعتقل وهو في الثانوية العامة ليخرج من سجنه شيخاً اشيباً بعد ذلك  .

 

س: واين شقيقك هذا الآن ؟

ج:بعد ان قضي اخي 21 عاماً في السجون اصيب خلالها بالسكر والضغط ومشاكل في الكلى وقطع بالأربطة الصليبية بالقدمين من جراء تعرضه للتعذيب . . وبعد ان اخلي سبيله من السجن تفنن النظام السابق في التضييق عليه ووضع العراقيل امامه . . وكان قد تزوج ورزق بطفلين ويعاني من البطالة في بلاده والبطالة كما تعرف قاسم مشترك لدى جميع الشباب في مصر . .رغم اجتهاده لحصوله علي شهاده الماجستير في اللغة العربية الا انه لم يحصل على عمل في بلاده فقرر السفر إلى احدى الدول العربية فهو الان صاحب مسئوليات اهمها محمد شقيقي المسجون _ أفرج عنه قبل أيام واسته ايضا وهو بخير ودائما علي اتصال بي

س:مدام عبير انتم من اسوان ومن قبائل الكنوز النوبيه تحديداً وقد اشتهروا بالهمة العالية والاخلاق الكريمة الطيبة ماهو شعورك بعد اتهام اشقائك باتهامات تتنافى مع هذه السلوك الحميدة ؟

ج:اقول حسبي الله ونعم الوكيل في كل من شوه صورة المسلمين . . ويكفي ان اقول لك ان الذي تفنن في تشويه صورتنا في كل مكان ويصفنا بالتخلف والارهاب هو الآن ذليلاً  في شرم الشيخ . . لا يجد قلب يرحمه اخرجه شعبه دون ان يلتمس له اي اعذار وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان الله ليملي للظالم حتي اذا اخذه لم يفلته . . تخيل معي 30عاماً من الاملاء فكان لكل بلاء نهاية ، واحسب ان ذلك امتحان من الله عز وجل وحب لعبيده الضعفاء يقول صلي الله عليه وسلم : ان الله اذا احب قوماً ابتلاهم . . ولا أجد بلاء اشد علي الناس من حسني مبارك الرئيس المخلوع   .

س: تردد ان الاخوة محمد وطارق ورغم مرورهم بظروف سيئة في السجون المصرية الا انهما نجحا في انهاء دراساتهم في العديد من الكليات بل وحصلوا علي اكثر من دبلوم عالي من المعاهد والكليات أليس هذا نوع من الانفراجة التي كانت تحدث احياناً في السجون المصريه؟

ج:دخل محمد السجن وقد انتهى من دراسته الجامعية اما طارق فكان طالباً في الثانوية العامة وحرصاً منهم علي مواصله التعليم رغم العوائق التي وضعت امامهم احتال محمد لرؤية اخيه ، وكان محمد في سجن الاستقبال وشقيقه طارق في ابي زعبل ولا يمكنهم رؤية بعضهم البعض الا عن طريق هذه الامتحانات . . وتقدم الاخوين لآداء امتحان الثانوية العامة ، وبالفعل التقيا سوياً ونجح كل منهما والتحق محمد بكلية التجارة والتحق طارق بكلية دار العلوم . . واقتصر دوري وقتها على احضار الكتب والمذكرات لهم وكنت اجد صعوبة بالغة في ادخال الكتب إلى السجن وامام الحاحي كانت ادارة السجن تستلم الكتب مني ، وعلمت بعد ذلك ان الكتب والمذكرات لا تعطى لهم الا قبل شهر من الامتحانات يسلمونهم الكتب فقط من دون المذكرات والاقلام !! حتي ان شقيقي محمد والمعروف بتفوقه في الدراسة مكث ثلاث سنوات وهو يرسب في اكثر من مادة لعدم تسلمه الكتب في الموعد المقرر !! المهم انهم واصلوا الدراسة وكلما انتهوا من الدراسة في الكلية انتظر بعضهم البعض الالتحاق بكلية اخرى حتي التحق الاثنان بكلية الحقوق وحصلا على دبلوم الشريعة الاسلامية العالي ، وحصل احدهم على ماجستير اقتصاد . . اما الاخر فاكتفى بماجستير لغة عربية فور خروجه من السجن . .

وفي واقع الامر كنت اشعر ان الذي حصل علي كل هذه المؤهلات الجامعية هو انا وامي – رحمها الله – نفرح لنجاحهم رغم هذه الظروف القاسية ونحزن لاخفاقهم ، وفي كل الاحوال كنت اشعر بتفوقي ونجاحي وكوني اشاركهم في المأساة.

س:سيدتي الفاضلة انتي متزوجة ولديكي ثلاثة ابناء وعلمنا باجراء احدى العمليات الجراحية الخطيرة مما جعلكي لا تعودين إلى هيئتك الاولى . .  والسؤال هنا كيف توفقين بين حياتك الخاصة ورعاية اشقائك المسجونين؟

ج: اولاً توفيق الله عز وجل وحده هو الذي امدني بالقوة واعانني على تحمل كل الصعاب والمستحيلات  . .
ثانياً : زوجي الكريم لم يشعرني يوماً بأن رعايتي لاشقائي والاهتمام بهم سيكون علي حساب اولاده وحسابه هو شخصياً ، لقد كان زوجي من اعز اصدقاء اشقائي وكان لا يجد أي غضاضة في اهتمامي بهم بل كان يقوم هو شخصياً بمساعدتي في رعايتهم . . اما موضوع اجرائي لعدة عمليات جراحية فهذا صحيح ولم تقف هذه الجراحات حائلا دون مساعدتي لاشقائي والحمد لله انا بخير بفضل دعوات الصالحين من العباد .

الهروب الكبير

س: السيدة عبير تحمل سجلات الاسواني الكثير والكثير . . منها انه الشخص الوحيد الذي تمكن من الهروب من اصعب السجون المصرية (سجن الليمان ) بطرة في وقت كان الهروب فيه يعد حلماً يتمناه كل سجين في مصر والعالم فهل لكي ان تلقي لنا حزمة ضوئية على هذه الواقعة المستحيلة؟

ج:لاحظ حضرتك انك قلت واقعة مستحيلة لكن هذا لم يكن سوى واقع عجيب فعلا ، واحسب ان السجناء الذين تمكنوا من الهروب من هذه السجون نوعيتهم فريدة ،  ولا أعلم حتى الان بتكرار مثل هذه الحادثة . . اذكر انهم كانوا حسبما قرأت في الصحف المصرية أنهم أربعة افراد : ضابط برتبة مقدم أركان حرب اسمه عصام القمري ، وضابط صف بسلاح الصاعقه اسمه خميس مسلم ، والشيخ نبيل المغربي ، واخيراً شقيقي محمد الاسواني . . وحسبما عرفت ان شقيقي كان اصغرهم واقلهم خبرة وقتها ، وقد تمكن ثلاثة فقط من الهروب ولخطأ فني لم يتمكنوا من اصطحاب الشيخ نبيل ليذوق اصناف التعذيب ويرى العجائب في سجنه بعد فرار زملائه . .

ونعود إلى بداية الموضوع كان يوم زيارة وخرج علينا شقيقي محمد ببدلة السجن الزرقاء وكان مستاءاً وغاضباً اشد الغضب وقد اختفت الابتسامة والتفاؤل من وجهه تماماً ، وبمجرد رؤيتنا انا وامي قال لنا : » هو الراجل ده مش ناوي يجبيها البر  » – يقصد المخلوع حسني مبارك – قلنا له : ماذا حدث تاني؟  فقال محمد : يعني هو لم يكفيه ثبوت التعذيب الذي اثبته الطب الشرعي علينا واحالة بعض من ضباط امن الدولة إلى محكمه الجنايات لتعذيبهم سجناء الرأي في مصر وكل من كان له علاقه بهم من اسرهم واصدقائهم ؟ . . انها لمسرحية سخيفة أن  يتم تبرئتهم من اول جلسة حتي ان حسني مبارك منحهم الأوسمة والنياشين ورحلات الحج والعمرة !! ثم أضاف : ايه اللي بيحصل ده هو احنا دمنا رخيص للدرجه دي ؟!  واستطرد قائلاً لأمي : الصبر طيب يا حاجة بكرة هتسمعي حسني مبارك لا يجد ملجأ يحميه ولا قلب يرحمه . . وكانت أمي تشفق على محمد الذي يعاني من السكر والضغط . . الا أن سنوات القهر والاذلال التي قضاها في السجون المصرية تقف حائلاً دون ان يجعله يستكين او يهدأ ودوى صفير معلناً انتهاء الزيارة وانصرفنا منها بعد ان طلب مني ومن أمي مغادرة المنزل والسفر إلى البلدة وطلب عدم الحضور له في الزياره مطلقاً حتي يعلمنا هو بموعدها التالي.

ان الحالة التي كان عليها محمد وهو يودعنا لا توصف كانت مزيجاً من خيبة الأمل في نظام مبارك والحنق الشديد عليه والشعور بالمهانة . . فلقد التمس العدل فلم يجده ، بل اخرج له القوم السنتهم فلم يتحمل القهر في السجون المصرية والذي فاق كل ألام البشر . . وبعد ثلاثة ايام من زيارتنا له استمعنا بإذاعة لندن بهروب ثلاثه سجناء سياسيين من سجن طرة . . فأخذت استعرض في نفسي من يكون با ترى؟ . .  ولم اتوقع ابداً ان يكون شقيقي محمد من بينهم لتكاثر الامراض عليه والتي تقف حائلاً دون هروبه . . وفوجئت بالأسماء وكان أخي محمد من بينهم !! وما بين ذهول وتعجب وسرور وفجأة تحطم باب الشقه وكنت انا وامي في البيت وقتها . . وفشلنا في اقناع رجال الأمن بعدم معرفتنا بمكان شقيقي محمد فتم اهانتنا وضربنا وتحطيم أثاث المنزل . . وتم اقتيادنا في رحلة عذاب تشبه تلك التي قطعناها منذ سبع سنوات إلى مبني مباحث امن الدولة بلاظوغلي . . وكنا حفاة انا وامي وبثياب المنزل ودون غطاء للرأس . . وبعد يومين من التعذيب المستمر جاء احدهم ومعه خطاب مفاده ان هناك من اتصل بمنزل الاسواني يخبر امه بشعوره بمزيد من الذل والضيق وانه يشعر بعد تبرئة ضباط التعذيب انهم سيقومون بالانتقام منه واخبرني انه يحبني انا وامي وطلب من امي ان تسامحه في كل ما سيحدث لنا . .

س:تقصدين أنه هرب لينتقم تحت بند القصاص ؟

ج: لا أعلم ما الذي كان يدور في رأس أخي محمد وقد أدين من قبل دون سبب واضح ومحمد رغم ادانته لم يكن قاتلاً في يوم ما ، لكن هذه الاسباب التي دعت محمد للهروب من السجن مستخدماً أدوات بدائية ، وقبض على محمد بعد 21 يوماً من هروبه ليدان ويحكم عليه بأحكام جديدة 12 عام لترفع في رصيده في مصلحه السجون كمؤبد ثم الهروب وهناك المزيد .

س:ماذا تقصدين بالمزيد بالضبط؟

ج:في حقيقه الامر أضيف لاخي محمد أحكام جديده تكفي لقضائه باقي حياته في السجون ، فأثناء وجوده بسجن العقرب ممنوع عنه الزيارات تماماً لسنوات وكانت هناك مجموعة من الشباب من منطقة عين شمس تقوم برعاية وكفالة اسر السجناء  قبضت امن الدوله عليهم ولجأت الى حيلة عجيبة لتأديب هؤلاء الشباب ووجه الادعاء لهم تهمة قلب نظام الحكم!! ولما كانوا شباباً ليس من بينهم شخصية معروفة استعان الامن بقيادات قديمة ادينت من قبل ووضعت في السجون ووضعتهم علي رأس هذه المجموعات ! واتهموا بإمدادهم بمعلومات  تؤدي الى قلب نظام الحكم بالقوه المهم أدين من أدين وحكم علي السجناء المستعارين بأحكام تراوحت بين مؤبد وعشر سنوات والأعدام ، كان نصيب شقيقي 10 سنوات لإصابته بالشلل وقتها . . وقال القضاة أنهم استعملوا الرأفة مع شقيقي التي لم يتعرف على أي من المتهمين الجدد .

ولك ان تتخيل شارع بأكمله في منطقه عين شمس يساق الي المحاكم العسكرية لأنهم يساعدون أسر السجناء . . وآخرون قد اعتقلوا لانهم نظموا دورة كره قدم وقيل وقتها انهم يمارسون الرياضة العنيفة وكان من الأجدر لمن قبضوا عليهم ان يشتروا لكل شاب منهم كرة ليلعب بها بدل من الألعاب الجماعية التي تؤدي بهم الي السجون وقضاء بقيه العمر داخله .

س: كيف تم القبض علي محمد بعد الهروب ؟

ج:بعد أن تمكن محمد من الهروب 21 يوماً كان الامن قد القي القبض علي احد اصدقائه وتحت الضغط الشديد قام بإخبار الأمن عن مكان شقيقي ولا أعرف بالضبط الطريقة التي قبض عليه بها ، ولكني علمت ان زكي بدر وزير الداخلية وقتها قد اعطي الضوء الاخضر بتوجيهات من حسني مبارك بضرورة تصفية العناصر الهاربة وبالفعل قتل اثنان واصيب أخي واعادوه الي السجن ليستكمل العقوبة الاصلية وزيادة عليها.

س: ما هو أثر عملية الهروب والقبض علي محمد وعلى اسرته وزملائه والناس كلها في ذلك الوقت ؟

ج: أقول ان هروب محمد وزملائه من سجنهم كان بمثابة صفعة قوية وجهت للنظام المصري آنذاك، فالهروب كان بمثابة صفعة ووضع هذا النظام المتغطرس وقياداته على المحك . . وفي الواقع لم يكن هروب محمد واخوانه أمراً يسيراً ، فالحراسات مشددة وظروف السجن في منتهى السوء وقسوة المعاملة والتفتيش الذي يجري على الزنازين يتم ليل نهار . . وانا اعلم جيداً حجم الألام التي كان تعصر قلوب السجناء وقتها ، وبإمكانيات بدائية بسيطة تمكنوا من الهروب . . واستنفر النظام المصري وقتها أمن الدولة والجيش والحرس الجمهوري والأمن العام والأمن المركزي وسخرت كل أجهزة الدولة للبحث عن شقيقي وزملائه الهاربين ! وانتشرت الأكمنة في طول البلاد وعرضها وتم اعتقال الناس عشوائياً بل وتم القبض على بعض الاحياء كاملة . . ثم تمت عملية قتل خارج نطاق القضاء لجميع زملاء اخي ثم عودته مصاباً منفرداً الى السجن . . وقد علمت ان النظام كان قد أهدر دماء الفارين جميعاً ، وأصيب اخي في قدمه وذراعه ورأسه ونجاته من الموت ولكن المذايع أذاع نبأ مقتل محمد الاسواني وشقيقه ولم يتحمل والدي – رحمه الله – هذا الخبر فسقط من فوره وفارق الحياة . .

أما بالنسبه للاقارب والناس فكان نجاح الهاربين شيئاً باهراً اعاد الثقه في رأيي الى الناس جميعاً وعدت الهاربين كأبطال قوميين مخلصين احدثوا نكاية في هذا النظام المتسلق . . وبالقبض على محمد الاسواني ومقتل زملائه عادت خيبة الامل وقد اطلت برأسها في كل بيت وفي كل نجع وفي كل قرية مصرية .

س: ماذا حدث بعد ذلك؟

ج: على مدار عامين تم الحرمان من الزيارة ولم تسمح ادارة السجن لي ولوالدتي بالزيارة مطلقاً لهم وكنا نلتقي بمحمد عند مثوله في المحكمة وهو في قفص الاتهام بعد تقديمه الى محاكمة استثنائية بتهمة الهروب . . ومن السخرية ان القاضي الذي كان ينظر القضية كان المستشار سليمان ايوب وهو الذي سبق وأن حكم وفي الجلسة الاولى ببراءة كل الضباط الذين شاركوا في تعذيب السجناء السياسيين في قضيه الجهاد الكبرى!! وبمجرد ان رآه اخي محمد حدثت بينهما مشادة انتهت بطلب أخي تنحي القاضي عن نظر القضية ، وبعد جدل طويل تمت تنحية القاضي وقدم المتهمون امام المستشار محمود رفقي التي كانت احكامه كلها رفقاً بالعباد فتمت تبرئة جميع المتهمين وحكم على شقيقي محمد بـ 12 سنة سجن وبانقضاء الدعوى بالنسبة للمتوفين في القضية . . ويكفي الذكر ان اشقائي قد انشأ النظام السابق سجناً خاصاً لهم ويعتبر محمد الاسواني هو اول من تم توطينه في هذا السجن الرهيب خاصة انه سجن يتفق مع امكانات اخي ولقد تحمل أخي علي ظهره 30 عاماً من الآلام وكأسطورة تجاوزت روايات السجناء وأصبح الأمن يدرس قصة الهروب كمقرر دراسي للاستفادة منها . . إن اخي محمد أمضى في محبسه 15عاماً كاملة مغلق عليه هو وزملائه لا يرون الشمس أو اي مصدر ضوئي غيرها !! ولا يعرف ما يدور حوله في العالم ولا يعرف شيئاً عن اهله ولا يعرفون شيئاً عنه !! لقد أمضى محمد 30 عاماً في تلك المحنة وقد فارقه الشباب وودعه الى الابد وكان قد سجن وهو في 23 من عمره وهو الآن قد تجاوز الـ 53 وقد أدبر عنه العمر ونسأل الله له السلامة . .

س: ما رأيكم في الثورة . . وهل توقعتم في يوم حدوث ذلك ورحيل الطاغية عن حكم مصر وما تمنياتكم في المستقبل ؟

ج: سأقول لك شيئاً واحداً بالرغم من مضي 5 عقود كاملة هي عمري لم أشعر خلالها بآداميتي ولا بقيمتي وكرامتي !! لقد أصابني النظام البائد وكل اسرتي بالسوء والضر . . وبالنسبة للثورة فإن الثورة على الظلم شيء جميل وكنت احلم بها طوال عمري واشعر ان الكبت والاحباط الذي صاحبنا طوال السنوات السابقة والذي نجح النظام السابق في اشعارنا به وظن النظام البائد انه نجح في افقاد مواطنيه اهم حاسه في الانسانية كلها الا وهى ان تشعر أنك مظلوم وأعتدنا علي القهر والطغيان طوال هذه السنوات . . وفي الحقيقة لم أكن اتوقع نجاح مثل هذه الثورة بمثل هذا الكم والحجم ، لقد ذقنا القهر والحرمان وأعتبر ان هؤلاء الثوار هم اشقائي ولطالما كان اخي يحلم بمثل هذه الثورة . . وقال لقد نجح ابنائي الشباب في اتمام ما تمنيته انا منذ سنوات وعلى شباب الثورة – كما كان يحلم شقيقي – ان يحافظوا عليها لقد سلم الله وانتفض الشعب وعاد الأمل من جديد بالرغم من كثير من الاشاعات المغرضة بتدخل الجيش لإخماد الثورة . . وأظن أن احد العسكرين قال وقتها مش ممكن نعمل حاجة وحشة في البلد دي ، انتم أهلنا واخوتنا . . لقد فاقت الثورة وتفوقت على كل الثورات الفرنسية والايرانية وجميع الثورات السلمية في العالم . .

س:لقد ذاق الاسواني واسرته الكثير ولا زال من جراء اهتمامه بالمشكلات السياسية فهل سيعمل بالسياسة فور خروجه؟

ج:ان الاهتمام بالامور السياسية هو اهتمام بالناس جميعاً فمن لا يهتم بأمور المسلمين ليس منهم لقد قام النظام السابق بسحق جميع أسرتي من جراء اهتمامهم بالعمل السياسي والحمد لله سقط النظام المجرم المستبد . . ولكن بعد أن شرد الأسرة وأنهكها تماماً ، ولم يعد لنا فرصة لأي عمل بالسياسة . . لقد قال لي شقيقي محمد بالحرف الواحد إن العمر لم يبق فيه الكثير وقد قضى النظام السابق علينا تماماً ، سأهتم بأمور اسرتي وأستعد لآخرتي وانشغل هذه الأيام بعرض نفسي على الأطباء ولن أشترك في أي أمر سياسي . . ولكن ذلك لن يحول بإذن الله دون المشاركة بإيجابية في بناء مستقبل بلدي . .  بلدي التي ظلمت كثيراً مثلي تماماً سأظل في حدود الامكانيات الباقية لي ولو تيقنت أن غداً هو اخر يوم في حياتي سأظل أعمل و أغرس ما وفقني الله اليه ولو كان فسيلة صغيرة.

س:ظهرت على الساحة تجمعات لم يكن النظام السابق يسمح لها بالوجود أصلا ؟

س: قصدك الاخوان ولا السلفيين ولا الجماعة الاسلامية ؟

ج: قصدي كل هؤلاء وغيرهم . . والسؤال هو يسعى كل كيان منهم الي انشاء حزب سياسي ذو أجندة خاصة به ، فهل سيسعد محمد بهذا الانقسام الحزبي بين المسلمين أم سيسعي الي توحيد كلمتهم ؟

ج: لقد تعلمت من محمد حب المسلمين كافة بغض النظر عن انتمائتهم وكل ذلك أمور اجتهادية ، المهم هو مدى قرب كل منهم من دين الله ومش مهم اخوان او سلفيين او جهاديين او جماعة اسلامية .

س: ما هي أمنياتك للمستقبل ؟

ج:امنياتي ان تنجح حكومة الثورة في تحقيق منظومة العدل المفقود ولو تحقق ذلك سيكون كل شئ جميل.

س:سيده عبير ممكن تشرحي لي كيف كانت زيارتكم لمحمد ؟

ج:سأقول لك يا سيدي مرت الزيارات في السجون بفترات متباينة ، تكون مقبولة احياناً واحياناً اخرى غير مقبولة نهائياً ،  وسأروي لك شهاده المقدم لطفي وزيري امام محكمة امن الدولة يصف فيها كيف كانت الزيارة . . سأله القاضي سؤالاً واحداً . . صف لي كيف تكون الزيارة؟ قال المقدم لطفي : الزيارة مدتها حوالي ربع ساعة بين النزيل واسرته من الدرجة الاولى ، ويكون بينهما سلك شائك مكون من سورين وحراس يمرون باستمرار بين الزائر والسجين الذي يقف ومعه مخبر ومخبر آخر مع افراد اسرته ولا يمكن ان يصل شيئاً مطلقاً من الاهالي الى السجين او من السجين الى الاهالي . . وعن كيفية وصول الطعام الى النزلاء ؟ فال لطفي: انه يسمح بوجبة واحدة للنزيل وكيس فاكهة ولتر كوكاكولا ، اما الملابس فيصرفها السجن له 2 شورت و2 فانلة و2 بدلة واحدة للصيف والاخرى للشتاء . . ويصرف لهم كوب و 2 أطباق بلاستيك واثنين بطانية .

هذه هي الشهادة التي ذكرها الضابط أمام محكمة أمن الدولة . . وبها تمت تبرئة شقيقي الاصغر طارق من تهمة مساعدة محمد في احضار معدات ليهرب بها ، بعد ان تبين لهم استحالة دخول اي شئ عبر الاسلاك مطلقاً .

بعد هذه الشهاده تم منع زيارة السجناء . . ومن اليوم الاول لسجنه تمت زيارته في ظروف كلها قسوة . . وبعد عام من القبض عليهم انقطعت الزيارة لمدة عامين كاملين . . ثم سمح بها ثانية . . ثم قطعت لمدة عام . . ثم فتحت . . ثم قطعت مرة أخرى لمدة عشر سنوات !! لتصبح مدة قطع الزيارات 15عاماً كاملة ، وتم منعي فيها من رؤية شقيقي والذي كان يعيش في زنزانة انفرادية ومحاط بالظلام ولا تفتح ابداً الا للتحقيق معه او العرض على النيابة .

إنه تعذيب ممنهج ومنظم للسجين وأهله . .  وقصة أم رجب رحمها الله شاهدة العذاب الاهل في الزيارة . . فقد حضرت ام رجب الغضبان يوم الخميس من اسيوط وكان القطار متأخراً فوصلت امام باب السجن في الساعة الثانية بعد الظهر وتم منعها من الدخول بحجة انها لم تحضر في الثامنة صباحاً لاستخراج تصريح الزيارة!!  تخيل السيدة جاءت من الصعيد ولا تعرف احد في القاهرة . . فما كان منها الا أن نامت بجوار سور السجن يومي الخميس والجمعة . . وفي صباح السبت تمكنت من زيارة ابنها عبر السلك لمدة 10 دقائق فقط !! تصور تخرج من بيتها في الصعيد في منتصف الليل وتستقل القطار الذي يتأخر بها فتصل الساعة الثانية عشر ظهراً محطة رمسيس ثم تصل امام بوابة السجن الساعة الثانية فتمنع من زيارة ابنها وتنتظر يومين لكي ترى ابنها لمدة 10 دقائق فقط . . حسبنا الله ونعم الوكيل . .

والقصة الثانية لوالدة الاخ محمود الجمل كانت تحضر اليه كل يوم وتجلس بجوار السور عسى أن يسمح لها بزيارة ابنها ولكن دونما جدوى  . .

والقصة الثالثة في سجن الفيوم وهي زيارة شقيقي الآخر طارق والمسموح بها مرة كل شهر لمدة 10 دقائق هذا لو تمكنا من الحضور في الثامنة صباحاً . . أو نعود دون الزيارة . . واحياناً كانوا يتسلمون الزيارة منا لتوصيلها الى شقيقي الصغير طارق . . ولكن علمت بعد ذلك انه لم يكن يصله أي شيء !! كنت اخرج من منزلنا في شبرا بصحبة امي الكفيفة المسنة ، نستقل الباص الى رمسيس ومن رمسيس الى الجيرة في باص آخر . . ثم نركب اتوبيس المحافظات الى محافظه الفيوم لنستقل مواصلة اخيرة الى باب السجن . . تصوروا حجم المعاناة 4 مواصلات لرؤية اخي 10 دقائق واحيانا لا نراه مطلقاً . . أما سجناء الوادي الجديد . . فحدث ولا حرج ، الغالبية ترفض الزيارة لبعد المسافة وعدم رؤية اهاليهم فترات طويلة . . الا في صورة مذلة كانوا يخرجون النزلاء يجلسونهم مثل اسرى الحرب في طابور عرض!! 5 أفراد دونما انتعال شيء وزيارة سلك . . ولا يسمح لهم بالوقوف الا عند وقوف اهالي السجناء الذين لا يتعرفوا على ابنائهم من شده الزحام . . الزيارة 10 دقائق فقط !! يؤمروا بالجلوس والانصراف وهم في وضع القرفصاء . . من القاهرة الى اسيوط الى الواحات في سجن الوادي الجديد 30 ساعة مواصلات ركوب ونزول قبل السجن غير المشي في الصحراء لمدة ساعة او أكثر حتى يصل الأهالي الى باب السجن . . وغالباً ما ترفض الزيارة بعد قطع كل هذه المسافة!! ويترك الاهل الاطعمة للحراس وينصرفوا وغالباً ما يتم ابعاد الاهالي عن السجون بطريقة مهينة عن طريق الكلاب البوليسية والخيول . . ولن اتحدث عما كان يجري في سجن دمنهور . . ومن أسوأ المواقف ما حدث في سجن ابي زعبل . . لن انسى موقف الأم التي منعت 15 عاماً من زياره ابنها ، وعندما سمحوا لها بالزيارة توفها الله . . وموقف الأب الذي لم يتعرف على ابناءه !! والابناء الذين لم يتعرفوا على ابيهم !! والزوجة التي لم تتعرف على زوجها لتغير ملامحه!!

س:سمعت عن الابتلاءات التي تعرضت لها الكثير من النساء والأطفال في سجون مصر حيث تم سجنهم للضغط علي أقاربهم؟

ج كلام سليم دخلت سجن النساء انا وأمي وبعد حوالي شهرافرج عنا بعد القبض على محمد  . . وهناك أيضاً تم احتجاز زوجة الشيخ نبيل المغربي اسكنوها نفس الزنزانة التي اقامت فيها امي من قبل . . وكذلك زوجة الشيخ عبد ربه كانت في زنزانتي والتي عاشت فيها خمسة عشر عاماً كاملاً !! والكثير من النساء اتهمن في قضايا تفجيرات الأزهر والعديد من السيدات وضعن نفس السجن القبيح . .

س:ان ظهور التيارات الاسلامية والسلفية خاصة بهذه الصورة الكثيفة على الساحة أليس ذلك دليلا علي تسامح النظام السابق معهم خاصة بعد ان ظهرت هذه التيارات بهذه القوة والكثافة ؟

ج:يا استاذ غالبية هذه التيارات ما كان لها ان تطل برؤوسها في ظل النظام السابق الذي افرز نوعية من المعارضة المستأنسة وهي التي كان يسمح النظام السابق بوجودها ، الا انه كان يخشى من تلك التيارات وأحياناً ما كان يقلم اظافرها في كل مرة ، وكنت اتعجب لماذا يخشاه مبارك الى هذه الدرجة ! وليس من بينهم من يطمح في منصب وأظن أنهم بزوال مبارك سيظهر حجمهم الحقيقي ومدي تأثيرهم في الشارع المصري . . أما التجمع الآخر الذي لا يرى الخروج على الحاكم مطلقاً ولو كان ظالماً او اكثر من ذلك . . فكانوا لا يشكلون أي خطورة بل كان بعضهم من اكثر الدعامات التي اعتمد عليها النظام – اقول بعضهم وليس كلهم ويغفر الله للجميع- ولولا حب الشعب المصري للدين والتدين ما امكنهم الظهور بهذه الكثافة ، وكان حجم الضغط الذي يمارس عليهم متواضعاً ، ويكفي أن تذكر في جهاز أمن الدوله انك تابع لهذه التيارات فيفرج عنك فوراً . . لقد نجحت هذه التيارات في ان تنأى  تجمعاتهم من بطش اجهزة مبارك ولم يبق غير تجمعات حملت على عاتقها التغيير ولو بالقوة ، واقصد الجهاد والجماعة الاسلامية المصرية وهذان التجمعان تم سحقهم تماماً بعد ان قضي على الثانية لتلحق بها الاولى ، وقد نجحت الجماعة الاسلامية في لم شملها والحفاظ على بعض ما تبقى منها بعد سلسلة من المبادرات تمت مع الدولة حينما انقسمت تيارات الجهاد كالعادة على نفسها . .  وبلغة العوام ان الذي دفع ثمن المشروبات هم الجهاد والجماعة الاسلامية على مدار سنوات من حكم مبارك لقد كان هذين التجمعين هما القط الذي يذبح لإخافة الآخرين.

س:بعد قيام الثورة المصرية هل لا زلت تعانين تلك المعاناة القديمة في السجون؟

ج:لا والله انقلب الحال180 درجة بمجرد قيام الثورة تقلص دور أمن الدولة فتحول السجن الى وضع آخر . . وكم كنت أتمنى أنه لو عاشت أمي الى الآن لترى . . أنا الآن ازور محمد يومياً وأدخل كم لا بأس به من المأكولات ، واحضر له كثير من الملابس . . كل ذلك بفضل الله ثم نجاح الثورة . .

هنا نقطة فاصلة في الحوار . . أثناء عمل الحوار المطول خرج الأسواني من السجن . .

وتكمل الأخت عبير شقيقة الأسواني فتقول :

الذي يؤلمني وبعد خروج شقيقي محمد من السجن هو بقاء 84 نزيلاً سياسياً من زملاء شقيقي في السجن !! وأريد أن أسأل سؤالاً انه لو قدر الله وفشلت الثورة هل سيتم تقديم الثوار الى المحاكمات بوصفهم متمردين وهم الآن ابطال بعد نجاح الثورة . . أليس من الانصاف أن يعد هؤلاء السجناء – معظمهم مرضى – أبطال على المعاش ومحاولة تعويضهم عن هذه السنوات التي فقدوها . .

ان التهمة التي كان سيقدم لها الثوار هي نفس التهمة التي سجن من أجلها ما تبقى من السياسيين في سجن العقرب وسجن المنيا . . ومعاناتي لم تنتهي بعد برغم خروج محمد أخي ما زلت أشعر بالاضطهاد والظلم الشديدين . . ومعاناة أسره الاسواني لم تنتهي الا بالإفراج عن كل السجناء السياسيين في السجون المصرية . . فعندما سجن نيلسون مانديلا قامت الدنيا ولم تقعد من أجله . . أما السياسيون في مصر فلا أحد يبكي عليهم رغم قضائهم أحكاماً طويلة ، واقول لكل من تسبب في هذه المأساة : اعلم ان دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. . وحسبنا الله ونعم الوكيل.

س: سيدة عبير لقد استشهد كثير من أبناء الشعب المصري وقدم العديد من قيادات الأمن الى القضاء حتي يلاقوا القصاص العادل . . لكن سير العدالة يتم بصورة بطيئة جدا كالسلحفاة ورأينا العديد من الأوامر القضائية تهدر دماء الشهداء ولم تراع مشاعر الآباء والامهات والزوجات الذين فقدوا عائلهم بنيران الغدر . . رأينا الافراج عن هؤلاء بمنتهي السهولة فما رأيك في هذا الامر ؟

ج:يا استاذ القضاة يحكمون من أوراق وأظن أن أغلب التحريات التي قدمت لهم قد راعوا فيها عدم إدانه زملائهم . . فالقاضي اذاً لا يرى في الأوراق التي يقدمونها إدلة الإدانه . . وبناء عليه فهو يقضي بإخلاء سبيلهم فوراً لعدم توافر الأدلة أو ضعفها . . ولكن المصيبة الكبرى أن الأدلة متوفرة ، والنظام  السابق دفع بالعناصر الفاسدة الى منصة القضاء . . وقد أخرج النظام السابق العديد ممن تولوا هذا المنصب الرفيع ولاقى الدعم الكامل منه والموالاة الكاملة فمنهم المرتشي وصاحب الذمة العريضة! واذكر بعضهم مثلاً المستشار سليمان أيوب والذي لم يراع يوماً حجم المأساة على نفوس السجناء واهلهم واصدر حكماً بالبراءة عن ضباط الشرطة الذين عذبوا المتهمين والشعب . . والقاضي الذي يتلاعب بحكم البراءة ويحوله الي اعدام مثل اللواء احمد عبد الله . . واكثر اللواءات في القضاء العسكري والذين أبى العديد من المحامين الوقوف أمامهم لعدم معرفة القضاة بفن تطبيق القانون  . . والشعب هو الضحية . . وأرى والله<span dir=LTR style=’font-size:12.0pt;line-height:1


مع تحياتى – سيد أمين
شاعر وصحفى عربى مصرى
هاتف محمول 0125499663

منسق عام « الحملة الوطنية لتوثيق جرائم مبارك »

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *