اليمن: زمن الحرب الأهلية .. أم الثورة
مر اليمن بعدد من الحروب كان أخرها حرب العام 1994 التي كانت بين شمال اليمن وجنوبه والتي انتهت بانتصار الشمال واستمرار الوحدة التي جمعت شطري البلاد قبل ذلك بأربعة أعوام .. وانطلاق الآمال بضرورة القضاء على العوامل التي أدت إلى اندلاع تلك الحرب وأهمها سعي الرئيس اليمني عبد الله صالح للانقلاب على الوحدة والانفراد بالسلطة ومحاولة إقصاء الجنوبيين عبر اغتيال كوادر الحزب الاشتراكي وغياب خطط التنمية للمحافظات الجنوبية.
لكن مع مرور السنوات وعدم تغير الواقع الذي أدى إلى اندلاع حرب العام 1994 بدأت التحركات الشعبية تنطلق مرة أخرى، منادية بضرورة تغيير هذا الواقع فكانت حركات الاحتجاج في المحافظات الجنوبية التي أطلق عليها الحراك الجنوبي خلال العامين الماضيين .. والتي واجهها نظام حكم صالح بالأسلوب الأمني الذي اعتاد عليه في كل مرة تحوم المخاطر حول نظام حكمه.
استمرت المصادمات بين أبناء الحراك الجنوبي والقوات الحكومية وهو ما ترتب عليه تزايد واتساع المنضمين إليه .. وتزامن ذلك مع تفجر صراع الحوثيين مع نظام صالح في صعدة ذات الأغلبية الشيعية مرة أخرى، حيث اندلعت الحرب السادسة في العام الماضي والتي حاول خلالها الرئيس اليمني، بمساعدة كل من الولايات المتحدة والسعودية، القضاء على حركة الحوثيين .. لكن عدم قدرة الجيش اليمني بمساعدة القوات السعودية على حسم الحرب أدى إلى توقفها وفقا لشروط تصب في مصلحة الحوثيين .. وذلك في وقت تزايدت فيه الضغوط بشكل كبير من أجل حل مشكلة الجنوب الذي بدا أنه يكتسب أرضا جديدة يوما بعد يوم.
كان اليوم حاله كحال باقي الدول العربية .. دولة فاشلة يحكمها نظام مستبد وينتظر شعبها اللحظة المناسبة للانقضاض على هذا النظام .. وجاءت هذه اللحظة مع بدء ربيع الديمقراطية العربي الذي انطلق من تونس وتسارعت وتيرته مع الثورة المصرية التي مثلت « النموذج الحلم » الذي سعت كل الشعوب العربية لتقليده لكن ببصمتها الخاصة .. وكان الشعب اليمني من أوائل تلك الشعوب التي سعت لتحقيق الحلم.
يوما بعد يوم تتسع الثورة لتشمل كل أرجاء اليمن .. وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على اندلاعها تحقق الكثير من الانجازات رغم أن الانجاز الأول المتوقع منها وهو تنحي الرئيس صالح، لم يتحقق بسبب قدرة هذا الرجل على استخدام وسائل المكر والدهاء من أجل القضاء على هذه الثورة مرة عبر القتل والترويع في محاولة منه لجر المتظاهرين والشعب اليمني للاحتكام للسلاح الذي يملكه بكثرة .. ومرة أخرى عبر اللجوء إلى حلفائه في مجلس التعاون الخليجي لإيجاد مخرج ملائم له .. فكانت المبادرة الخليجية التي امتهنها برفضها المتكرر .. حتى بعد أن قام مجلس التعاون بتعديلها من أجل إعطائه الضمانات السياسية والقضائية التي تحول دون محاكمته على جرائمه السياسية والجنائية بحق الشعب اليمني طوال فترة حكمه التي تعدت 33 سنة.
ولم يعد أمام الرئيس اليمني سوى ما اعتبره مراقبون ورقته الأخيرة في مواجهة الثورة، وهي محاولة جر القبائل اليمنية للحرب الأهلية بعد أن فشل في جر شباب المتظاهرين لذلك، فكانت المواجهة مع قبيلة حاشد وزعيمها التي استخدم فيها كل الأسلحة وهو ما أودى بحياة العشرات وجرح المئات خلال أيام معدودة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سينجح صالح في اللعب بورقته الأخيرة ويتمكن من إدخال اليمن في آتون الحرب الأهلية؟
قبل الإجابة، ربما يجب أن نشير إلى شيء مهم وهو أحد أبرز تجليات الثورة اليمنية المستمرة منذ شهور .. وهي عملية التحديث التي أجرتها الثورة على المجتمع اليمني الذي كان يعد مجتمعا قبليا بامتياز .. حيث قواعد القبيلة هي الحاكمة فيه، ودور الدولة محدود جدا إلى الدرجة التي تجعلها لا تستطيع التواجد في بعض أقاليمها.
فقد استطاعت هذه الثورة القضاء على الكثير من مظاهر القبلية في اليمن وإجراء عمليات تحديث كبيرة ساعدت على تطبيق مفاهيم المجتمع المدني وقيم التعايش السلمي بغض النظر عن الانتماءات القبلية .. وهي أمور كان يصعب تصور حدوثها في اليمن قبل الثورة.
ويكفي أن ندلل على ذلك بمشاهد شيوخ القبائل وهم ينضمون لتظاهرات الشباب والانصياع لأوامرهم إلى الدرجة التي يوافقون فيها على تفتيشهم من قبل شباب صغار عند دخولهم أماكن الاعتصام مثل غيرهم دون أي شعور بالحرج .. ودون اعتبار ذلك مخالفا لقيم القبيلة.
من المؤكد أنه في ظل هذه الصورة الجديدة لليمن لن ينجح الرئيس اليمني في مخططه لجر البلاد للحرب الأهلية لأن زمانها انتهى بدخول اليمن إلى زمن الثورة .. التي تسعى للتحديث والبناء بتأييد من كافة قوى المجتمع القديم.
فضلا عن ذلك هناك الموقف السعودي الذي سيتغير بالتأكيد مع محاولة الرئيس صالح تصعيد المواجهة العسكرية ضد بعض القبائل، نظرا للعلاقات التاريخية التي تربط المملكة بهذه القبائل، خاصة قبائل حاشد وعائلة الأحمر التي ترتبط بعلاقات مصاهرة معها.
وهنا لن يكون أمام صالح سوى القبول بما يريده الثوار .. وحينها سوف يندم كثيرا على عدم قبوله بالمبادرة الخليجية التي كانت ستحميه من المحاكمة التي سيجريها له الشعب على كل ما جنت يداه في حقه.
أحمد فوده
مدير مركز النخبة للدراسات – القاهرة
elite_center2000@hotmail.com
Aucun commentaire