الأرض وخيراتها لإسرائيل والغرب والكلام للفلسطينيين والعرب.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جروديِ / وجدة سيتي
الأرض وخيراتها لإسرائيل والغرب والكلام للفلسطينيين والعرب.
منذ نشأتها في يناير 1942 ومنظمة الأمم المتحدة تخدم عمليا مصالح وأجندات دول معينة في الوقت الذي تركز فيه وثائقها على مبادئ سامية من مثل المساواة وحقوق الإنسان والعدل والديموقراطية… ولعل أول مؤشر على هذا التناقض بين العملي والنظري هو استفراد خمس دول بحق الفيتو دون غيرها، بحيث لا يُقبل إلا ما قبلت ولا يُرفض إلا ما رفضت رغم أنف 193 دولة التي تنضوي تحت لوائها.
وإذا كانت هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة تبحث لها في ما مضى من الزمن عن تغطية دولية للتمويه على فعل من أفعالها، لأسباب لا يتسع المجال لذكرها، فإنها اليوم أصبحت تتحدى الجميع علنا ودون مواراة، أحب من أحب وكره من كره. وخير مثال على ذلك اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل واعترافها بسيطرة إسرائيل على الجولان السورية وأخيرا وليس آخرا اعتبارها أن بناء إسرائيل للمستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية لا يخالف القانون الدولي.
في مقابل هذا نجد أصواتا ترتفع هنا وهناك دون أن يكون لها أي صدى على أرض الواقع، وذلك في تقديري إما لأن هذه الأصوات لا حول لها ولا قوة، مثل التنديدات التي تًرِدُ على لسان المنظمات الحقوقية، وعلى لسان بعض المسؤولين العرب وعلى رأسهم صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي صرح أن فلسطين ستطلب عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، لبحث إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الأخير، وهو يعلم علم اليقين أن فاقد الشيء لا يعطيه، وإما أن هذه الأصوات منافقة تُقدم تصريحات من أجل التمويه واستغفال الشعوب العربية واستمالتها حتى يخلو لها الجو لِتُواصِل إحكام قبضتها على الحكام العرب وتحافظ على مصالحها بأقل كلفة ممكنة دون أن يكون لتلك التصريحات أي وقع سلبي على علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد الأوروبي وروسيا وغيرها من الدول التي أوغلت في التنديد بالقرار الأمريكي، والتي كان بإمكانها لو كانت صادقة فيما صرحت به في هذا الشأن لاستعملت كل الوسائل المتاحة، أهمها حق الفيتو، بالإضافة إلى الضغوطات الاقتصادية والعسكرية، ولكنها لا ولن تفعل. والغريب في الأمر هو أن بعض المنابر الإعلامية العربية منها على الخصوص، لا تتحرج من التصريح بأن بعض هذه الدول اتخذت إجراءات حازمة في الموضوع، وأي حزم هذا والواقع برهن ويبرهن أنها لا تفعل ولن تفعل أكثر من تسويق كلام تحرص به على مصالحها، حتى إذا قضتها انقلبت على وجهها وتنكرت لكل ذلك الكلام المتملق وبانت على حقيقتها التي تتبدل بتبدل المصالح والمواقع، ولعل خير مثال على ما أقول هو تعامل الرئيس الفرنسي ساركوزي مع المرحوم معمر القذافي الذي نَصَب له الخيام على ذوقه في رحاب قصر الإيليزي عندما كان في حاجة إلى دعمه المادي في الانتخابات الرئاسية و في غيرها من المواقف، ليصبح أول من يدبر لقتله علنا بعدما دبرت مخابراته لإشعال الثورة. ولعل الكل يتذكر ظهور برنار هنري ليفي في المظاهرات وهو المعروف بتبنيه للنظرية الصهيونية وولائه المطلق لإسرائيل ومساهمته في خطط ساركوزي لتشريع التدخل العسكري في ليبيا وفي تشكيل ما سمي غرفة عمليات بنغازي بالإضافة إلى دوره في تشكيل المجلس الانتقالي الليبي.
ولعل أصدق تعبير عن هذا النوع من النفاق المرتبط بالمصالح قول الشاعر:
لا خيــــر في ود امرئ متمـــلق ــــــــــ حلو اللسان وقلبــــه يتلهــــب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ــــــــــ ويروغ منك كما يروغ الثعلب
يلقاك يحلـــــف أنه بك واثــــق ــــــــــ وإذا توارى عنك فهو العقرب
وإذا أردنا التأكد من أن الولايات المتحدة بصفة خاصة والغرب بصفة عامة يستغلون البلاد العربية ويستنزفون خيراتها بل ويدمرون حضاراتها مقابل كلام معسول تلوكه وسائل الإعلام المأجورة لها من قبيل جلب الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان لبدان هذه الشعوب بمباركة مباشرة أو غير مباشرة من قبل منظمة الأمم المتحدة، فما علينا إلا نتمعن في حيثيات تدمير كل من العراق وليبيا وسوريا واليمن وكيف تم إجهاض ثورة مصر التي أتت عن طريق الديموقراطية التي يتبجحون بها برئيس أراد أن تكون مصر وخيراتها للمصريين.
أخيرا أختم بالقول بأنه بعد أن أصبح الأمر جليا وواضحا للعيان بأن التنديد والكلام ولا غير هو نصيب العرب والمسلمين من لجوئهم إلى الأمم المتحدة في الوقت الذي تُستباح أراضيهم وخيراتهم وحُرماتهم من قبل إسرائيل والغرب، فإن مواصلة استعطاف الغرب والتوسل إلى منظمة الأمم المتحدة لا يعدو أن يكون نوعا من العبث وإضاعة الوقت لأنهم لُدغوا من الجحر أكثر من مرة، وهو ما يُفترض معه أن يكون التفطن للأمر قد وقع منذ مدة، مما يجعل من الاعتماد على الذات سواء في ميادين الاقتصاد والعلم والثقافة وغيرها من الميادين الحساسة أولى الأولويات، الأمر الذي لا يمكن بدونه اكتساب النِّدِّية التي تُعتبر الوسيلة الوحيدة لكسب المهابة والاحترام مصداقا لقوله تعالى » وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ » سورة الأنفال الآية 59.صدق الله العظيم.
Aucun commentaire