تمويه العلمانيين على استهداف الإسلام عن طريق النيل من المنتسبين إليه
تمويه العلمانيين على استهداف الإسلام عن طريق النيل من المنتسبين إليه
محمد شركي
ازدادت وتيرة استهداف الإسلام من طرف العلمانيين في الوطن العربي مشرقا ومغربا بعد ثورات ربيع هذا الوطن التي حملت مفاجأة رهان الشعوب العربية على الإسلام كحل للخلاص من وضعية سياسية واجتماعية مزرية ، وتجلى هذا الرهان في وضع ثقتها في أحزاب تبنت المرجعية الإسلامية خلال تجارب انتخابية شهد لها لأول مرة بالنزاهة والشفافية . ولقد أقض رهان الشعوب العربية على الإسلام كحل مضاجع العلمانية الغربية ، فسارعت إلى إجهاض هذا الرهان من خلال تدبير انقلاب عسكري دموي في مصر التي راهن شعبها على حزب الحرية والعدالة الإسلامي ، وكان هذا الانقلاب بمثابة إنذار لكل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي فازت في الانتخابات التي عرفتها بعض البلدان العربية ،علما بأن معظم البلاد العربية لم تصل فيها الأمور إلى حد إجراء انتخابات كالتي جرت في القلة القليلة منها بل عملت العلمانية الغربية على تمديد الفوضى فيها والتي لا زالت نيرانها مشتعلة .
وتسخر العلمانية الغربية طوابيرها الخامسة في الوطن العربي مشرقا ومغربا لتنوب عنها في استهدافها فكرة الرهان على الإسلام كحل لخروج العالم العربي من وضعية التبعية للغرب العلماني الذي تتوقف مصالحه على استمرار هذه الوضعية المزرية .
وتراهن العلمانية الغربية على هذه الطوابير الخامسة التي تدير حربا إعلامية شعواء على الإسلام نيابة عنها عبر وسائل الإعلام المختلفة رقمية وورقية ومرئية ومسموعة . وتتولى بعض المحطات الإعلامية إدارة هذه الحرب بحيث لا يمر يوم دون أن نقرأ أو نسمع شيئا عنها ، وصار لبعض تلك المحطات عملاء علمانيون لا هم لهم سوى استهداف الإسلام بطرق خبيثة وماكرة تتجلى في التمويه على استهدافه من خلال النيل من أتباعه أشخاص أو جماعات أو تنظيمات سياسية وحزبية.
ويحاول أولئك العملاء إيهام الرأي العام العربي بأن أتباع الإسلام لا يمثلونه ،الشيء الذي يعني أنه غير قابل للتطبيق الإجرائي أصلا أو أنه قد صار متجاوزا ، وهذا ما يريدون الوصول إليه في نهاية المطاف .
ويستطيع الملاحظ بيسر وسهولة اكتشاف تمويههم على استهدافهم للإسلام من خلال انتقاد من يحسبون عليه ، وفيما يلي أمثلة على ذلك :
1 ـ المثال الأول هو: نشرالعلماني المدعو سعيد لكحل على الموقع الذي دأب على نشر مقالاته بانتظام مقالا تحت عنوان : » حكومة الكوارث » وهو يقصد الحكومة المغربية ،وتحديدا حزب العدالة والتنمية الحاكم المحسوب على الإسلام . ومما جاء في مقاله وهو ينتقد كعادته هذا الحزب : » فهو سجين الاقتصاد الإسلامي القائم على الفتوحات التي يعتبرها المورد الوحيد للدولة ، أي أن الاقتصاد الإسلامي لا يقوم على الابتكار والاستثمار لإنتاج الثروات ، وإنما على توزيع الجبايات والضرائب : ( الخراج ، الفيء،الزكاة ، الصدقات ،الجزية ، السبي ، الاسترقاق … إلخ ) لضمان مداخيل قارة للدولة دون أدنى استثمار، هذا هو المنطق الذي يتحكم في طريقة تدبير الشأن العام من طرف البيجيدي أي حزب العدالة والتنمية » .
فظاهر هذا الكلام أنه نقد موجه إلى حزب العدالة والتنمية ، وباطنه هو استهداف للإسلام من خلال انتقاد الخراج والزكاة والفيء والصدقات والجزية ، علما بأن استهداف الزكاة وهي الركن الخامس من أركان الإسلام بهذه الطريقة هو استهداف مباشر له وليس مجرد انقاد لحزب سياسي مع أن هذا الحزب لا يحصّل زكاة ، ولم يغز ليكون له فيء، ولا هو يفرض جزية وما ينبغي له وما يستطيع ، وأنه مستمر في فرض الضرائب على الطريقة الغربية العلمانية كما كان الحال قبل تدبيره للشأن العام ، وهو حزب تم تمرير كل ما لم يكن ممكنا تمريره من إجراءات مثيرة لسخط الشعب خلال فترة تدبيره ،وهو أمر مقصود وبات مكشوفا لإجهاض تجربته على غرار إجهاض غيرها كما حدث في مصر . وما يعيبه الشعب المغربي على حزب العدالة والتنمية ـ إن كان حقا صادقا في مرجعيته الإسلامية ـ هو قبوله تمرير تلك الإجراءات في فترة تدبيره للشأن العام ، وسكوت على ذلك ، ومساهمته في تمريرها ،وكان عليه أن ينأى بنفسه عن ذلك باستقالته .
والذي دعا العلماني سعيد لكحل إلى انتقاد حزب العدالة والتنمية الذي لا يدبر وحده الشأن العام وإنما تشاركه في ذلك أحزاب أخرى تجمعها حكومة واحدة ، هو ما سمي ضريبة الكوارث الطبيعية التي فرضت على أصحاب السيارات والدراجات النارية، علما بأن ضرائب مماثلة كانت مفروضة على الشعب ، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ضريبة القناة التلفزية الثانية التي كانت تستخلص ضمن فواتير استهلاك الكهرباء لسنوات ، وهي قناة لا يخفى توجهها وما تبثه من برامج مثيرة لسخط الشعب . وشتان بين فرض ضريبة لتمويل مثل هذه القناة لسنوات وبين فرض ضريبة لمساندة المنكوبين بسبب الكوارث الطبيعية إذا ما صح أنه ستصرف لهؤلاء بالفعل .
2 ـ المثال الثاني هو : نشر العلماني المدعو أحمد عصيد ، وهو يتقاسم مع مثيله سعيد لكحل إدارة الحرب الإعلامية ضد الإسلام على نفس الموقع وبطريقة خبيثة وماكرة فيها تمويه على استهداف الإسلام من خلال استهداف أهله مقالا تحت عنوان : » كل التضامن مع الدكتور خالد منتصر في معركته ضد الأصنام » وهو مقال تناول استهداف العلماني المصري خالد منتصر الإسلام من خلال استهداف المرحوم فضيلة الشيخ متولي شعراوي رحمه الله رحمة واسعة . ومما جاء في هذا المقال ما يلي : » يواجه الدكتور خالد منتصر الطبيب والإعلامي والكاتب المصري موجة من الإرهاب الفكري يقودها كالعادة أتباع تيار التطرف الديني والتشدد المذهبي في أرض الكنانة ، التهمة هذه المرة أشبه بالنكتة ، فقد قدم أحد المحامين التابعين لهذا التيار الإيديولوجي بلاغا للنائب العام ضد الكاتب الصحفي الدكتور بتهمة إهانة الشيخ محمد متولي شعراوي التي اعتبرها داخلة في إطار تهمة ازدراء الإسلام » .ويضيف قائلا :
» يعتبر الدكتور خالد منتصر بأن عقودا طويلة من التطرف الإخواني والسلفي في مصر قد صنعت سوقا رائجة للأفكار المضادة للتطور وللكرامة الإنسانية معتمدة إحياء مذاهب وأفكار عصور الانحطاط والتخلف «
إن العصور التي يتحدث عنها العلماني منتصر ويقره على ذلك العلماني عصيد ويصفها بالانحطاط والتخلف تبدأ بعصر النبوة والخلافة الراشدة بعدها وما تلاها من عصور عزة الإسلام ، ولم يكن يومها يحكم الإخوان أو السلفية . إنها الطريقة العلمانية الماكرة والخبيثة للتمويه على استهداف الإسلام من خلال استهداف المسلمين اليوم الذين يراهنون على الإسلام كحل للخروج من وضعية الضعف والهوان والتخلف والتبعية المخزية للعلمانية الغربية .
وأين العلماني منتصر من العلامة متولي شعراوي علما ومعرفة لينال منه ؟ والحقيقة أنه يريد النيل من الإسلام . وأين العلماني عصيد من العلامة رحمه الله الذي وصفه في مقاله بالصنم ؟ ومتى كان علماء الإسلام أصناما يعبدون من دون الله ؟ أليس عصيد ومنتصر وأمثالهما هم من يتخذون العلمانية ورموزها أصناما يقدسونها ويسبحون بحمدها ، وينالون نيل اللئام من دين الله عز وجل .
ومع ما تفسحه وسائل الإعلام المأجورة للعلمانية الغربية من واسع الحيز لكتابات الطوابير العلمانية الخامسة في الوطن العربي المستهدفة للإسلام وأهله يختم عصيد مقاله بالقول :
» للتذكير ومن أجل العبرة فقط ، نشير إلى أن ما يعيشه المفكرون والمثقفون والفنانون في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط من محاكم تفتيش وملاحقات وحصار مادي ومعنوي ، يكاد يطابق تماما ما عاشه المفكرون والفلاسفة في أوروبا القرنين السابع والثامن عشر ، وهي علامة من علامات نهاية مرحلة الكهنوت الديني ، وغلبة الجهل والعنف على العقل والفكر الإنسانيين ، وانبثاق دولة القانون والمواطنة »
وينطبق هناعلى عصيد قول الشاعر :
أيها المشتكي وما بك داء = كيف تغدو إذا غدوة عليلا
إن عصيد لا يدخر جهدا في النيل من الإسلام بحرية في كل مقالاته هو وأمثاله في الشرق الوسط وشمال افريقيا ، ومع ذلك يزعم أنهم يلاحقون ويحاصرون ماديا ومعنويا بل بلغ به الأمر حد تشبيه وضعهم بما كان عليه وضع المسلمين مع محاكم التفتيش . ولا نعلم أن عصيد استدعي هو أو غيره ولو مرة واحدة للتحقيق معهم بخصوص استهدافهم للإسلام أو لتعريضهم بالمسلمين بمنتهى الوقاحة والجرأة فيما يكتبون وينشرون.
إن عصيد يبشر أتباع العلمانية بأن عصر الكهنوت الديني قد ولى وهو يقصد الإسلام ، وأن عصر دولة القانون والمواطنة ، وهو يقصد الدولة العلمانية والمجتمع اللاديني قد انبثقا .
وواضح أنه قد أخطأ الحساب والتقدير إن كان يظن أن ما ينشره هو أوغيره من طوابير العلمانية الخامسة سيؤثر في الشعوب العربية مشرقا ومغربا ويصدها عن رهانها على الإسلام كحل للخلاص مما هي فيه من تبعية وعبودية للعلمانية الغربية التي يقض مضجعها هذا الرهان .
Aucun commentaire