لا يمكن أن تحتلي منصب المدعي العام لأنك متحجبة
أحمد الجبلي
« القانون لا يمس معظم سكان كيبيك على الإطلاق، لكنه، بالنسبة لي، يخلف عواقب وخيمة على حياتي كلها » هكذا عبرت المسلمة المتحجبة نور فرحات عن استيائها من قانون عنصري حرمها من تحقيق حلمها، فما قصتها؟ وكيف تم إقصاؤها باسم القانون من أن تحقق حلمها الذي ظل يراودها منذ الطفولة في أن تصير مدعيا عاما في بلادها كندا؟
لقد راودها هذا الحلم وظلت حريصة كل الحرص على أن يتحقق، فبدلت من أجل ذلك كل طاقتها، أثنت الركب، وقوصت الظهر، وسهرت الليالي، اجتهادا منها لتكون بارعة ومتميزة حتى تجني ثمرة جهدها، وقد قيل لها منذ نعومة أظفارها: « من سار على الدرب وصل » ولكنها سارت ووصلت ولم تجد الحلم في انتظارها لأن قانونا جائرا أجهضه لا لشيء إلا لأنها مسلمة متحجبة تضع فوق رأسها ما يعتبرونها رمزا دينيا.
نور فرحات شابة في ال28 من عمرها حصلت على الماستر في القانون الجنائي ثم صارت محامية متميزة. لقد كانت نور جد متفائلة بأنها ستحقق ما أرادت، وعلى يقين بأنها ستصير المدعي العام في كبيك.
ولكن حكومة هذه الولاية ستصدر قانونا هو القانون 21 العنصري والتعسفي والذي ينص على علمانية الدولة، ويقوم بحضر ارتداء جميع الرموز الدينية، وبما أنها تضع خمارا على رأسها فالحكومة تعتبره رمزا دينيا ينم على الدين الإسلامي، وهكذا تم الإجهاز على حلمها من أصله.
قالت نور عن هذا القانون المثير للجدل: « لقد حطَّم حقاً كل أحلامي. كنت على يقين من مساري المهني قبل خمسة أشهر وكنت سأخبركم أنَّني المدعي العام في المستقبل.. لكن الآن سأقول حسناً، ربما أصبح خبيرة في قانون التأمين »
إن القانون 21 لم يكتف بإجهاض حلم شابة مسلمة كانت ترغب بشدة في أن تصير المدعي العام، بل خلف أضرارا كثيرة مست الآلاف من الضحايا كالمعلمين والمحامين والأطباء والقضاة وضباط الشرطة. ففي إحدى مدارس كبيك مثلا رفعت دعوة قضائية من طرف مجلس الإدارة لأن النساء اللائي يدرسن في هذه المدرسة يشكلن ثلاثة أرباع عدد المدرسين. والمضحك في الأمر أن حكومة كبيك تفاديا لإقصاء بعض الأطر الحكومية الهامة لفعاليتها وكفاءتها ولكونها ضرورية في تدبير بعض القطاعات، عملت على وضع بنود تستثني هؤلاء فسمحت لهم بارتداء ما يسمونه رموزا دينية تعبر عن انتماءاتهم الدينية، مما خلف استياء واسعا من هذا القانون العنصري الذي جاء ليغتال الطاقات ويئد الوحدة التي كانت تميز كندا كدولة ثلث سكانها أقليات.
ففي الوقت الذي اختارت السيخية أمريت كور، نائبة رئيس المنظمة العالمية للسيخ الرحيل إلى مقاطعة فانكوفر حتى تشتغل كمعلمة وتحافظ على عمامتها كرمز ديني التي حرمت منه في كبيك، اختارت المسلمة المتحجبة نور فرحات الكفاح ضد القانون 21العنصري مُصمّمة على عدم السكوت، ولذلك عبرت تقول: « لدي رأي وسوف أعلنه على الملاً، لاسيما عندما لا تريد حكومتي أن أفعل ذل ».
ومن بين المبررات الرئيسية التي ساقتها حكومة المقاطعة لإقرار هذا القانون أنَّه يُحسّن المساواة بين الجنسين من خلال تحرير النساء من قيود الديانات القمعية. ويقول منتقدوه إنَّه يستهدف النساء من الأقليات الدينية والعرقية، اللائي اندمجن بالفعل بصورة جيدة في المجتمع، فضلاً عن أنَّه يدمر حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.
وكشهادة في النساء المسلمات، يقول السيد روبرت ليكي، عميد كلية الحقوق بجامعة مكغيل الكندية: « النساء المسلمات اندمجن تماماً في المجتمع، إذ أصبحن يشغلن وظائف حكومية، ويتحدثن الفرنسية، ويمتثلن لجميع القواعد واللوائح في كيبيك ». كما طالب السيد ليكي من المتضريين أن يلجؤوا إلى المحاكم ويطالبوا بتعويضات عن هذا الضرر الذي لحق بهم.
أما بالنسبة لامرأة، مثل نور فرحات، فهي لازالت شابة وحياتها بالكاء توشك أن تبدأ، ولذا فإن الأضرار الناجمة عن هذا القانون بالنسبة لها لا حصر لها، حيث قالت كلمتها التي افتتحنا بها هذا المقال: « القانون لا يمس معظم سكان كيبيك على الإطلاق، لكنه، بالنسبة لي، يخلف عواقب وخيمة على حياتي كلها ».
Aucun commentaire