وقفات عند أبيات من شعر طرفة بن العبد فيها حكم
وقفات عند أبيات من شعر طرفة بن العبد فيها حكم
محمد شركي
الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد طارف الشعر بحكمه ، وهو شاعر أصيل لا ينهل من منهل غيره كما عبر عن ذلك بقوله :
ولا أغير على الأشعار أسرقها = عنها غنيت وشر الناس من سرقا
وإن أحسن بيت أنت قائله = بيت يقال إذا أنشدته صدقا
وكأنه ينأى بنفسه عما وصف به الله عز وجل في محكم التنزيل شعراء لا يصدقون ويقولون ما لا يفعلون .
وسنقف عند بعض ما قاله من حكم لا يسع من يسمعها إلا تصديقها وهي كالآتي :
يقول طرفة :
قد يبعث الأمر العظيم صغيره = حتى تظل له الدماء تصبب
وفي هذا إشارة إلى استخفاف واستهانة الناس بصغائر الأمور التي تكون سببا في وقوع عظائمها.
ويقول :
الإثم داء ليس يرجى برؤه = والبر برء ليس فيه معطب
والصدق يألفه الكريم المرتجى= والكذب يألفه الدنيء الأخيب
ففي البيت الأول يشبه الشاعر الإثم بداء لا يرجى شفاؤه بينما يشبه البر بعافية لا ضرر معها .
أما في البيت الثاني، ففيه إشادة بالصدق وهو خلق الكريم، وذم للكذب وهو خلق اللئيم .
ويقول :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة = على المرء من وقع الحسام المهند
وفي هذا إشارة إلى ما يعانيه الإنسان إذا وقع عليه ظلم الأقارب الذين لا يتوقع منهم ذلك فيكون أشد عليه من ظلم الأباعد الذين لا يستبعد منهم ذلك . وغير المنتظر يكون وقعه أشد على النفس من المتوقع .
ويقول :
الخير خير وإن طال الزمان به = والشر أخبث ما أوعيت من زاد
وهذا قريب من معنى البر لا يبلى والذنب لا ينسى .
ويقول :
وكم من فتى ساقط عقله = وقد يعجب الناس من شخصه
وآخر تحسبه أنوكا = ويأتيك بالأمر من فصّه
وفي هذا إشارة إلى إعجاب الناس بشخص جاهل بالأمور وغفلتهم عن شخص عالم خبير بأصولها .
ويقول :
فيا لك من ذي حاجة حيل دونها = وما كل ما يهوى امرؤ هو نائله
وفي هذا إشارة إلى أن الأماني لا تدرك كلها ، وما يحتاجه الإنسان في حياته كثير لا يدركه كله وإن تمنى ذلك .
ويقول :
وأعلم علما ليس بالظن أنه = إذا ذل مولى المرء فهو ذليل
وفي هذا إشارة إلى من يغفل عن عار أو ذل أو ذم يلحق به إذا ما لحق بمن له به صلة قرابة أو نسب أو صداقة .
ويقول :
وإن لسان المرء ما لم تكن له = حصاة على عوراته لدليل
وفي هذا إشارة إلى من لا يزن الكلام ولا يلجم لسانه ، فإنه يفضح عوراته .
ويقول :
تعارف أرواح الرجال إذا التقوا = فمنهم عدو يتقى وخليل
وفي هذا إشارة إلى أن الناس يتعارفون حين تجمع بينهم الظروف ، وينتهي تعارفهم إما بعداوة تتقى أو بخلة ترجى وتحمد.
ولقد اتخذ الشاعر أخلاء سوء ،فخذلوه فقال فيهم:
كل خليل كنت خاللته = لا ترك الله له واضحه
كلهم أروغ من ثعلب = ما أشبه الليلة بالبارحة
ففي البيت الأول دعاء على من ظنهم أخلاء، فخاب ظنه فيهم بأن يفض الله أفواههم وقد راغوا منه كما يروغ الثعلب .
ويقول :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه = فكل قرين بالمقارن يقتدي
وهذا شبيه بقولهم قل لي من تصاحب أقول لك من أنت ، ولا حاجة إلى السؤال عن شخص غير معروف إذا عرف قرينه .
ويقول :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا = حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وفي هذا إشارة إلى أن الشرور تتفاوت في قسوتها ،فيهون على النفس أقلها قسوة وشدة ، بينما يشق عليها أكثرها قسوة وشدة .
ومما اشتهر به الشاعر طرفة بيتان من معلقته هما :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا = ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له = بتاتا ولم تضرب له وقت موعد
وفي هذا إشارة إلى ما يخفيه مستقبل الأيام للإنسان من مفاجآت لم يكن يتوقعها .
هذه بعض حكم الشاعر طرفة ما أحوج الناس إليها في زماننا هذا الذي أتانا بأخباره من لم نضرب له وقت موعد ، ولم نبع له بتاتا ،فعسى أن يكون فيها تنبيه لغافل أو جاهل .
1 Comment
صورة غير مطابقة لشخص الشاعر الذي مات شابافي عمر 36 سنة