الإسلام والبيئة:دروس وعبر(5)
الإسلام والبيئة:دروس وعبر(5)
أعود لمسألة العقيدة الإسلامية لأقول إننا مقصرن في حق هذا المفهوم الأساسي، ذلك أننا عودنا أنها جملة من التصورات، والمعاني، والقناعات، التي يجب على المسلم أن يدين بها لله كمسألة التوحيد، وعذاب القبر، والجنة والنار، و الذات والصفات .وهذا صحيح لا اختلاف عليه. ولكن حينما نقرأ القرآن بتدبر، نجد مفهوم العقيدة أوسع مما هو مألوف في كتب العقيدة أو أصول الدين.وانظر إلى قوله تعالى في سورة البقرة: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ،وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبيس المهاد » آية(206).كيف صور لنا سلوك أحد المنافقين وهو « الأخنس بن شريق » والذي اتصف بصفة « الإتلاف » وقد سماه الله تعالى « إهلاكا ». و ذلك لما أحرق زروع بعض الناس وعقر حمرهم ومواشيهم . وليس المراد من الآية خصوص هذين:الزرع والحمر. بل المراد إتلاف ما به قوام الناس وحاجتهم إليه.
إن إهلاك « الحرث والنسل » كناية عن كل ما تحتاجه البشرية من طعام وشراب ولباس ودواءومركب في الحضر والسفر على السواء.فكل ما له علاقة بالأرض هو »حرث » وكل ما يتوالد ويتكاثر هو »نسل ».وهذه الآية بهذا الأسلوب تجري مجرى المثل،وتنحو منحى القاعدة.وأياً كان فالآية دالة على أن من ينتسب إلى هذا الفعل القبيح ،صراحة أوكناية،مستحق للعقاب في الآخرة.
وإذا كانت « العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب »،كما هو مقرر في علوم القرآن، فإننا نستنتج أن ما يحصل الآن في حق الأرض من إهلاك « للحرث » بشتى أنواع التجارب الذرية،والأسلحة الحارقة والغازية، أو إتلاف « للنسل » من دواب وحيوانات وحشرات بسبب هذه المبيدات، هو هذا النفاق الذي صوره الله لنا في شخص « الأخنس بن شريق ».أوليست البشرية الآن أشبه ما يكون بسلوك »الأخنس بن شريق »؟.أليس هذا هو النفاق الذي تمارسه، الدول « الملوثة » في بياناتها وتوصياتها في المنتديات الدولية، والمحافل الكبرى.يعجبك قولها في الحياة الدنيا،وتشهد الدول غير « الملوثة » على ما في قلبها من نوايا صادقة وعزائم قوية.وحينما تنتهي من هذه المؤتمرات، تسعى في الأرض جاهدة لمتلك أكبر عدد من المصانع والتجارب الذرية والنووية، تارة في البر وتارة أخرى في البحر.
وهنا يعلن القرآن الكريم بطريقة مناسبة عن ظهور الفساد في الأرض بسبب ما كسبت أيدي الناس. قال تعالى في سورة الروم: »ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون »:آية(41).والفساد ضد الصلاح ، ومعنى الفساد : إتلاف ما هو نافع للناس ،سواء كان نفعا محضاً، أو نفعا راجحا.وقد ورد « النفع » في القرآن بلفظ »التسخير » .
والفساد بالتفسير الذي ذكرناه إبادة ما خلق الله في الأرض،حتى إن بعض الحشرات اختفت تماما،وبعض الحيوانات ما بقي منها إلا النزر القليل.ولسنا ندري ما أودع الله فيما اختفى أو سيختفي من منافع للأرض والنبات والحيوان والإنسان.وفي الحرب نهى الإسلام عن إحراق الديار في الحرب، وعن قطع الأشجار، إلاّ إذا رجح في نظر أمير الجيش أن بقاء شيء من ذلك يزيد من قوة العدو أويطيل مدة القتال، أويخاف منه على جيش المسلمين أن ينقلب إلى هزيمة. وذلك يرجع إلى قاعدة : « الضرورةُ تقدر بقدرها » . ولا زالت آثار سياسة « الأرض المحروقة » التي مارسها الاستعمار في بعض المناطق من الأرض بادية للمتخصصين في علوم البيئة إلى يوم الناس هذا.
Aucun commentaire