رسائل من التاريخ: الجواب ما ترى لا ما تسمع (4)
أحمد الجبلي
إنّ القارئ في كتب التّاريخ القديم يجد أنّ أكثر من اشتهر وأُطلق عليهم كلمة الروم هم الإمبراطورية الرومانية الشرقية أو البيزنطية التي كانت عاصمتها القسطنطينية التي بشر النبي عليه الصلاة والسلام بفتحها على يد المسلمين، وقد كانت هذه الإمبراطوريّة التي يتزعمها في عصر النبوة هرقل تسيطر على بلاد الشام ومصر قبل أن يفتحها المسلمون كذلك، وهناك إمبراطورية كانت تمثل الروم وكانت تقع في غرب أوروبا وتسمى برومية وهي ايطاليا حاليا، وقد كانت كلا الإمبراطوريتين تتشكلان من عرقيات مختلفة من الأرمن والسّلاف والجرمان وغيرهم، وكان القاسم المشترك بينهم أنهم كانوا يدينون بدين النصرانية، وقد عادت الإمبراطورية الرومانية الإسلام وحاربته منذ بداية الدعوة حتى شاء الله تعالى لهذه الدعوة أن تنتصر وتعمل على تأسيس أول دولة إسلامية لها في المدينة، لتنطلق بعد ذلك في نشر دين التوحيد والهداية إلى الناس جميعا، فتفتح بلاد الشام وتفتح مصر وكذلك بلاد فارس أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم تجلت قمة الفتوحات الإسلامية حين فتح السلطان العثماني محمد الفاتح القسطنطينية وحررها من الرومان.
في عهد الملكة الرومية إيريني وبالضبط في سنة 181 هـ كان الروم يدفعون الجزية للمسلمين وذلك بعدما دخلوا في هدنة ومصالحة مع هارون الرشيد الذي هزمهم في معارك متتالية، وظلت المعاهدة سارية إلى أن تولى الحكم الأمبراطور نقفور الثاني فوكاس الذي سيأبى دفع الجزية فكتب، على إثر ذلك، رسالة قوية لهارون الرشيد كما ذكرها بن كثير في البداية والنهاية جاء فيها:
«من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد، فإنَ الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الأخ، وأقامت نفسها مكان البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أضعافها إليها، لكن ذلك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها، وَافتد نفسك، وإلا فالسيف بيننا وبينك».
فلما قرأ الخليفة هارون الرشيد الكتاب استفزَه الغضب، حتى لم يقدر أحد أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، وتفرق جلساؤه، فدعا بدواة، وكتب على ظهر الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام».
وخرج هارون الرشيد بنفسه في 187هـ، حتى وصل هرقلة وهي مدينة بالقرب من القسطنطينية، واضطر نقفور إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الخليفة كما كانت تفعل إيريني من قبل، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد الرشيد إلى قتاله في 188هـ ، وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه أربعون ألفا، وجُرح نقفور.
فبلاد الروم، الشام حاليا، من حقها أن تشكو لهارون الرشيد ما فعله بوتين والأسد والمجوس الجدد، عبدة النار، والذين لا علاقة لهم بالإسلام لكونهم يؤمنون بالتقية، فيظهرون الإيمان ويمارسون الكفر بقتل الأطفال والنساء وإعدام أهل السنة والجماعة. فهل من هارون جديد يكتب رسالة لثلاثي الكفر يرغمهم على الانسحاب من سوريا وتعميرها ودفع الجزية لشعبها؟
Aucun commentaire