عندما يُعجَب الدبلوماسيون الأمريكيون بالإرهاب الروسي
أحمد الجبلي
بتاريخ 25 أبريل 2016 أجرت « النيويورك تايمز » حوارا مع وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد بيل كلنتون مادلين أولبرايت، وقد دار الحوار حول سؤال واحد هو: ماذا تقرئين هذه الأيام؟
لقد كانت أولبرايت حينها معتكفة على قراءة مجموعة من الكتب من مثل رواية الأديب والفيلسوف الروسي تولستوي « الحرب والسلام » ورواية الانجليزية » جين أو ستن التي تحمل عنوان » الكبرياء والهوى » بالإضافة إلى بعض روايات غابرييل ماركيز غارسيا.
ولكنها اختارت في مقدمة إجابتها الحديث عما يملأ قلبها حبا وعشقا ولذلك أعطت الأولوية لكتاب المؤرخ الأمريكي روبرت ماسي والذي يتحدث عن الأمبراطورة الروسية القيصرة كاترين الثانية.
فالطريقة التي تحدثت بها الدبلوماسية الأمريكية الشهيرة أولبرايت جعلتني أبحث عن الكتاب لأقرأه وحتى أعرف سر الإعجاب ومكمن السبب لإعطاء مادلين الأولوية لكتاب يتحدث عن أمبراطورية روسية، في الوقت الذي نعيش فيه مأساة ما تفعله الطاحونة العسكرية الروسية الهمجية في سوريا الجريحة عموما وفي حلب تحديدا.
إن الكاتب يتحدث بإعجاب عن شخصية كاترين الثانية لكونها منقذة الشعب الروسي من العديد من النكسات على رأسها إنقاذه من الطاعون وذلك بشجاعتها أن تكون أول من يجرب المصل المضاد للطاعون مضحية بنفسها قبل أن يصيب أي أذى أي واحد من شعبها. كما يرى ماسي أنها صنعت أمبراطورية عظمى جعلت روسيا مهيبة الجانب مما خول لها عدة انتصارات على الأمبراطورية العثمانية، فضمت إليها بولندا ومددت حدود أمبراطوريتها حتى أصبحت تطل على البحر الأسود ووصلت إلى المياه الدافئة قرب مضيق البوصفور والدردنيل ومنها إلى البحر الأبيض المتوسط..
إن السيد ماسي قد أصابه شغف وإعجاب بشخصية الأرتودوكسية الصغيرة مما أعماه أن يرى الحقائق كما هي ويرى أن وراء ذاك القد الرشيق والأنامل الناعمة دكتاتورية شريرة ومصاصة للدماء، ولذلك نجده يجد لها ألف مبرر في كل ما فعلته من جرائم وتشريد وقمع وإرهاب وقتل في حق الشعب الروسي وغيره من الشعوب. ويصف ذلك بالشائعات والحقد من الأعداء على طفلة جاءت من ألمانيا وعاشت في قصر مليئ بالدسائس والمكائد والمآمرات، والمعاناة من تحكم عمة زوجها الملكة إليزابيلا.
ولهذا نرى أن نذكر ما لم يقله السيد روبرت ماسي في حق كاترين ولو في جزء منه مما ذكرته كتب التاريخ التي أرخت لهذه الدكتاتورية الروسية التي فاقت في بطشها إليزابيلا ملكة إسبانيا الوسخة.
لقد تزوجت كاترين ببيتر الثالث ابن أخ الملكة إليزابيلا، وقد كان القيصر عقيما بل وذهب بعض المؤرخين إلى أن الأمر يفوق العقم حيث بقيت كاترين بكرا لأكثر من تسع سنوات. ونظرا لطموحها الكبير في أن تصبح قيصرة روسيا وأمبراطورة عظيمة وتحافظ على سلالتها في الحكم اتخذت من أحد حراسها طريقا للإنجاب فحملت منه وأثمرت صبيا وحملت من حارس آخر بصبي ثان، مما أثار شك الملك الإمبراطور وواجهها بكونهما ليسا أبناءه، وبضبط نفس شديد وبهدوء تام استطاعت أن تمتص غضب الملك وتعده بأنها ستخبره بكل شيء في المساء بعد العشاء، فأخلت القصر من كل الحراس والخدم والطباخين، وكما يقول أحد المؤرخين: » فوضعت ساقا على أخرى وهي ترى بيتر يتلوى نازفا من أنفه وفمه حتى الموت، وكان أنينه يرافق ضحكاتها الرنانة حتى أزهقت روحه » وفي الصباح أمرت أحد حراسها بدفنه وعندما انتهى قتلته، وأمرت آخر بدفن الحارس ثم قتلته، وأمرت الثالث والرابع والخامس إلى أن قتلت مائة من الحراس وحينها هدأت واكتفت من الرغبة في القتل ومص الدماء. وإن كانت هناك رواية أخرى تقول بأن الذي قتل زوجها الملك بيتر هم عشاقها من كبار ضباط الجيش الذين كانت تربطهم بها عاقات فساد وزنا، فإن الأمر مهما اختلفت الروايات دائما يجعلها مصاصة للدماء سواء قتلت بيدها أم أعطت أوامرها بالقتل وسفك الدماء.
وعودا على بدئ، إن عشق السيدة مادلين أولبرايت كدبلوماسية أمريكية ووزيرة خارجية دولة راعية الإرهاب وصانعته وتعاطف المؤرخ أمريكي روبرت ماسي مع دكتاتورية شريرة عانت منها شعوب الجوار كما عانى منها شعبها المغلوب على أمره، يعطينا فكرة واضحة عن أن التعاطف الوجداني والعشق والحب والولع لا محالة يخلق تشابها كبيرا بين الأشخاص، ففيما تختلف كاترين الثانية عن أولبرايت ورئيسها بيل كلنتون، أليس كلنتون هو من صعد الأزمة في العراق فقط ليفر من فضيحة الزنا مع عشيقته اليهودية المتدربة في البيت الأبيض، أليس في عهده وفي عهد أولبرايت كوزيرة خارجيته اتسعت سياسة العقوبات ضد العديد من الدول مثل أفغانستان والسودان والعراق وليبيا، كما تسبب في أكبر نكسة وأخطر حرب هي حرب العراق المدمر تحت يافطة كذبة أسلحة الدمار الشامل؟
أليس ما تعانيه أمتنا الآن في سوريا وفي حلب تحديدا راجع بالأساس إلى قتل الزعيم صدام حسين وتفكيك الجيش العراقي؟ أليس جزء كبير من داعش مكونا من بقايا الجيش العراقي المشرد؟ أليست داعش نفسها هي صناعة أمريكية كما أقرت بذلك الصحفية الأمريكية هيلين طوماس رئيسة قسم البيت الأبيض في وكالة يونايتد برس انترناشنال، والمكلفة بالتغطيات الإعلامية لرؤساء أمريكا.
فإذا كان تاريخ الإجرام في روسيا أشهر من نار على علم، فلماذا نستغرب ما وقع في حلب من مجازر أحد أبطالها بوتين حفيد القيصرة كاترين الثانية مصاصة الدماء وبمباركة من راعية الإرهاب العالمي أمريكا المجرمة؟
Aucun commentaire