ما حقيقة الانتشار الإسلامي في دول أوربا؟
أحمد الجبلي
لا شك أن طبيعة الإسلام المرنة مرونة الماء والمنسابة انسياب الهواء تجعله ينتشر بسرعة لم يسبق أن عرفها أي دين سواء كان سماويا أو ابتدعته البشرية خارج نطاق الوحي الإلاهي، لذلك نجد اليهودي أو المسيحي لا يستطيع الدفاع عن دينه بقناعة مؤسسة عن علم ويقين، لأنه هو نفسه يجر طيلة حياته أسئلة الخيبة حول دينه وبعض مضامينه وآيات كتابه التي لم يستطع حتى القساوسة الكبار أن يشفوا غليله ويريحوا عقله حتى يتحول من المتشكك إلى الراسخ في العلم العقدي لدينه.
فهو يرى في كل حوار أو مناظرة كيف يندحر فقهاؤه، وكيف يفشل رهبانه وآباؤه الفشل الذريع حتى في إقناع الناس كيف للثلاثة أن تساوي واحدا، فكيف لهم أن يدافعوا عن ميتافيزيقا مهاريشية غنوصية تضرب بجذورها في طيش فكري وديني صيني وهندي قديم تجعل اللاهوت يحل في الناسوت والبشر الفاني الضعيف الذي يتغوط ويتبول إلاها من دون الله. إن هذا المسيحي، حتى ولو كان متدينا يذهب إلى الكنيسة صبيحة كل أحد ويأكد لحم يسوع ويشرب دمه، لازال يأبى أن يقرأ نشيد الإنشاد أمام زوجته بله أن يقرأه أمام ابنته وهو جزء لا يتجزأ من إنجيله.
في ظل هذا التقديم البسيط حول الإدراك والعلم بالدين يقينا والوصول إلى القوة التي تمكن الإنسان من الدفاع عن معتقده بكل الحجج والبراهين وفي حوزته سلاح قوي من صلب عقيدته يجعله يفند كل الإدعاءات ويجيب عن كل الأسئلة، يقف المسلم شامخا قويا لا ضعيفا ولا عاجزا، إن هذا التميز ينطلق أساسا من كون قلم الإسلام يُرفع عن المجانين والذين لا عقل لهم فهم كالصبية الرضع أو الأطفال الذين لا يدركون حقيقة الأشياء أمامهم أو النائم الذي يغوط في نوم عميق لا يرى ولا يدري.
فمن الطبيعي إذن أن يتصاعد المد الإسلامي وتتسع رقعته ويكتسح الشرق والغرب، خصوصا وأن الاسلام في الغرب في العديد من الحالات ينتشر على أيدي الغربيين أنفسهم وما حققوه من إنجازات في الدعوة لم يحققه المسلمون العرب لمجموعة اعتبارات، ولكن مهما بلغ حجم التوغل الإسلامي في بلاد الغرب، فإن الأرقام التي تعطيها الحكومات عن حجم المسلمين في بلدانهم والذي يعتبر بالنسبة لهم عاملا يدعو إلى القلق والخوف، فيه العديد من المبالغة والغلط، ليبقى السؤال الذي يجب طرحه، بعيدا عما يقع فيه بعض الدعاة والعلماء من عاطفة التباهي بتزايد عدد المسلمين في العالم، هو: ما حقيقة هذا التوسع الاسلامي المخيف للغرب؟ وما النسب الحقيقية لتواجد المسلمين في البلدان الأوربية والأمريكية والأسترالية حتى تعمل على ترسيم خط الفوبيا الإسلامية؟ أم أن الأرقام يتم تضخيمها لغرض في نفس اليمين المتطرف ليسطو على عروش أوربا وأمريكا؟
للأسف لا يدرك أغلب السكان في الغرب أن تقديرهم لعدد المسلمين المقيمين في بلدانهم مبالغ فيه إلى حد بعيد. لكن على الأرجح سيضع استطلاع موسع للرأي صدر مؤخرا حدا لقلق غير مبرر من نسبة تنامي أعداد المسلمين.
ولطالما تسبب هذا التخوف في ترسيخ صور مزيفة تحولت مع الوقت إلى عقيدة مجتمعية واسعة في بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا وبلدان أخرى عن توغل المسلمين في الغرب، وهو الأمر الذي يتزامن اطراديا مع تصاعد نزعة يمينية متشددة تحمل شعارات الدفاع عن ثقافة المجتمع.
لقد كشف استطلاع مؤسسة « إبسوس موراي » حجم الهوة بين الحقيقة والتصورات السائدة خلال عام 2016 في أكثر من 40 دولة، كما أظهر أن الفرنسيين هم أكثر الشعوب المبالغة في عدد المسلمين الحاليين أو الزيادة المتوقعة في أعدادهم مستقبلا. ويعتقد الكثيرون في فرنسا أن عدد المسلمين المقيمين هناك يصل إلى 31 بالمائة من عدد السكان، أي واحد من بين كل 3 أشخاص، بينما أظهر استطلاع مؤسسة « بيو » للأبحاث عام 2010 أن نسبة المسلمين لا تتجاوز 7.5 بالمائة من عدد السكان.
ويتوقع الفرنسيون أن يصل عدد المسلمين في عام 2020 إلى 40 بالمائة من تعداد السكان، فيما تقول مؤسسة « بيو » إن العدد المتوقع لن يزيد عن 8.3 بالمائة بحلول العام نفسه.
والفرنسيون ليسوا وحدهم الذين يسيطر عليهم وهم فوبيا المد الإسلامي وتزايد عدد المسلمين. وأظهر الاستطلاع أن البلجيكيين والإيطاليين والألمان يعتقدون أن خمس عدد السكان في بلدانهم من المسلمين، بينما تظهر الأرقام الواقعية أن عدد المسلمين يتراوح بين 3.7 بالمائة في إيطاليا و7 بالمائة في بلجيكا.
ويقول البريطانيون الذين تم استطلاع آرائهم إنهم يعتقدون أن 15 بالمائة من سكان بريطانيا مسلمون، أي أكثر بثلاثة أضعاف من نتيجة استطلاع « بيو » عام 2010 الذي أكد أن نسبة المسلمين لا تتخطى 5 بالمائة من السكان. ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 6 بالمائة بحلول عام 2020.
وهذا الاستطلاع، إلى جانب دراسات أخرى، سيزعزع كثيرا خطاب زعماء اليمين الذين يبنون أجنداتهم السياسية خصوصا على مواجهة المهاجرين الآخذين في التدفق على أوروبا، ويأتي أغلبهم من خلفية عربية وإسلامية.
ويتهم المسلمون في أوروبا على نطاق واسع بتبني أفكار دينية متشددة. وأثبت الاستطلاع الذي أعدته مؤسسة « إبسوس موراي » أن ذلك لا يعدو كونه تصورا مسبقا لا يحمل أي درجة من درجات الدقة.
لقد لوحظ في السنوات الأخيرة نوع من التحفظ الشعبي تجاه المسلمين في عدة دول غربية مما أدى بالبعض إلى انحسارهم داخل جزر منعزلة حالت دون اندماجهم خصوصا في أوروبا. كما تراجعت قابلية التعاطي مع المسلمين كثيرا مقارنة بعقود سابقة لم يكن بعد القلق من المسلمين قد وصل خلاله إلى مستويات متقدمة.
إن الأمر لم يقتصر على أوروبا فقط، لكنه امتد أيضا ليشمل أميركا الشمالية وأستراليا، رغم قلة عدد المسلمين هناك مقارنة بمجمل عدد السكان. ولكن مؤسسة « بيو » ستصدم الأميركيين الذين تعتقد غالبيتهم أن واحدا من بين كل 6 أشخاص يعتنق الإسلام، حيث ذكرت أن الرقم الفعلي هو واحد من بين كل مائة شخص.
وكان أغلب الأستراليين يعتقدون بأن المسلمين يشكلون 12.5 بالمائة من السكان، في حين كانت النسبة الحقيقية 2.4 بالمائة، مع توقع أن ترتفع إلى 3 بالمائة بحلول عام 2020.
إذن ما نخلص إليه هو أن الفوبيا الاسلامية والتخويف من الاسلام والتواجد الاسلامي في بلاد الغرب مجرد حبل يلعب عليه بهلوانات سياسية عندما تطمح في الصعود إلى الحكم، أحيانا، وأحيانا أخرى يتخذ كذريعة لمحاربة الاسلام والحد من انتشاره لما يعتقده الساسة الصليبيون الذين لا زالوا يريدون خلق جولات جديدة من الحروب مع المسلمين انتقاما لمعارك دخلت التاريخ من أوسع أبوابه كمعركة وادي برباط والأرك والزلاقة والمخازن وغيرها. ولكن من سر الإسلام الذي يتناساه الغرب أحيانا هو أن أكبر المعادين للإسلام والمحاربين له ولأبنائه والعاملين جاهدين للحد من انتشاره من الممكن أن يتحولوا هم أنفسهم إلى الاسلام لأنه في جوهره دين سلم وحب وتسامح وتعايش ولم يكن في يوم من الأيام دين حرب أو اعتداء أو قتل أو غزو أو طمع.
Aucun commentaire