الشيطان ومسؤولية الإنسان
الشيطان ومسؤولية الإنسان
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي
هناك بعض المفاهيم الشائعة التي سادت وانتشرت بين الناس في مجتمعنا الإسلامي تعالج قضايا دينية وأخلاقية واجتماعية ،من قبيل عبارات -هذا من عمل الشيطان –لكل أجل كتاب – لا تقل لو لأنها مفتاح للشيطان ،بل قل –قدر الله ما شاء فعل كما جاء في الحديث الشريف – وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن – اللو – تفتح عمل الشيطان — ،وكذلك –الفرق بين الوفاة والموت والقتل –وغيرها كثير ،هذه المفاهيم كلها مستمدة من الكتاب والسنة ،وكلها حق ،غير أن ما راج منها عند العامة من الناس عبر القرون ،يعتبر من الموروث المقدس الذي يطبع حياة المسلم في سيرته اليومية وهذا الانطباع السلوكي يعد مشروعا بل وضروريا لأنه يؤطر حياته في علاقته مع الله و من خلال تعامله مع الغير في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية ،فالإنسان المسلم لا يتحرك داخل المجتمع إلا من خلال هذه الركائز الحيوية التي تعتبر من المنبهات الضرورية لتوجيه مسيرته الحياتية وتغذية الجانب الروحي فيه ،ومده بما يحتاج من معتقدات تقوده نحو الأفضل فيما يصدر منه ،هذا المنحى الذي يتحكم في صيرورة الإنسان المسلم يعد أساسيا في الوجود فلولاه لما كان للحياة من معنى ،فالمؤطر الحقيقي للإنسان المسلم هو ما يعتقده من خلال ما تراكم لديه من المورث الديني والشرعي ،غير أن بعضا من هذه المفاهيم التي أصبحت عملة يومية تنتقل بين الناس بدأ يعتريها بعض اللبس ،وأصبحت تستهلك بطريقة غير سليمة في بعض الأحيان للتعبير عن مواقف غير سليمة أو للتهرب والتنصل من المسؤولية ،مما يستدعي التوقف عند ها بالنقد والتمحيص وإعادة النظر فيما قد يكون دخيلا فيها على المجتمع الإسلامي ،أو غير صالح له في الوقت الراهن . ولتكن بداية مناقشة هذه المفاهيم حسب إشاعتها بين الناس من المقولة الأولى ألا وهي – هذا من عمل الشيطان – محاولا في هذه الكلمة المختصرة العمل على دراسة بعض الهمزات الشيطانية وتأثيراتها على سلوك الإنسان ،في حياته اليومية منفردا ومع الناس لأن كثيرا منهم يحمله أكثر مما يحتمل فهو في نظرهم مصدر جميع الشرور التي تصيب الإنسان ،فإن أخطأ فمن الشيطان وإن أصاب فمن الله ،وهكذا تكال للشيطان كثير من الاتهامات المجانية بمناسبة وبغير مناسبة،فكل الأخطاء التي تصدر عن الشخص من خلال معاملاته المادية والمعنوية من وسوسة الشيطان وهمزاته ليبرئ نفسه من كل مسؤولية ، فهو البريء وغيره المتهم .
فمن هو الشيطان إذا ؟وما هي حدود طاقاته في التأثير على بني آدم ؟ وأين تبدأ مسؤولية الإنسان فيما يصدر منه من أفعال وأقوال ؟
فمن خلال ما توصلت إليه بعض الدراسات في التعريف بالشيطان جاء ما يلي :إبليس اسم لشيطان واحد وكان اسمه عزازيل حتى معصيته لله، قال الحافظ ومن أسمائه الحارث والحكم وكنيته أبو مرة ، وقيل إن الشيطان إما من شطَن (ابتعد عن الحق) وإما من شيَط (احترق غضبا). وقال أبو عبيدة أن الشيطان كل عات متمرد من إنس أو جن،وقال الراغب إن الشيطان هو كل ذي صفة ذميمة من إنسان أو جني، أو حيوان، كل ذميم ذما مطلقا، غير أن مؤلفي معاجم اللغة العربية وعدداً من المفسرين يرجحون أعجمية كلمة إبليس، أو أنها من الألفاظ الدخيلة على اللغة العربية، ومعنى كلمة إبليس في اللغة العربية هو من الفعل بَلَسَ (بمعنى طُرِدَ)، عندها يكون معنى إبليس هو « المطرود من رحمة الله، ولفظة إبليس كذلك تأتي في معنى الضلال، الدهشة، السكوت، وكثيرة هي الأحاديث التي تدل على أن اسم إبليس مشتق من الإبلاس، كما أن كتاب اللغة يرجحون اشتقاقها من اللغة العربية .
فقد نسبت إلى إبليس صفات الخيلاء والكبر والعصيان والتمرد والكراهية والحسد والباطل والغواية والخبث والخداع وغيرها ،وكانت معرفته فاتحة التمييز بين الخير والشر بوصفهما مفهومين أخلاقيين أقامهما الفكر النظري مستنداً إلى الدين التوحيدي أو دين الإله الواحد، وأصبح الواجب والجائز والمحظور من أهم دعامات الحياة الاجتماعية، فقبل ظهور الديانات التوحيدية وتحول إبليس إلى رمز للشر في العالم، لم تكن أعمال البشر تقاس سوى بميزان النفع والضرر والأمن والخوف واللذة والألم، ولم يكن للأحكام الأخلاقية من مدلول في الكلام، ومن البديهي أنه لم يكن لها مدلول في الذهن والوجدان ، فقد كان مفهوم إبليس ضرورياً لمعرفة الخير والشر والحق والباطل والحسن والقبيح، وهو في الديانات الإبراهيمية مصطلح يشير إلى أحد أعيان الجن المقربين من الله إلى أن داخله الغرور فلُعن وطرد من السماء. فطرده الله من رحمته ، ولعنه إلى يوم القيامة وبعدها مصيره النار وبئس المصير .ومنذ أن وجد في هذا الكون صارت العلاقة بينه وبين بني آدم تتسم بالتحدي والغواية ،فقد ورد في سورة ص الآية82 إشارة صريحة من الشيطان للتربص بالإنسان وغوايته : /قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين –ولهذا فقد أخبر الله عباده بهذا العداء المستحكم من الشيطان لهم ،للحذر من خططه المتمثلة في الكيد والمكر والمخادعة ،ثم أمدهم بالطاقة المعنوية التي تعينهم على مواجهته ،لأن قوة الشيطان مهما تبدو فهي ضعيفة ، ويمكن تلخيصها في التزيين والتسويل والوسوسة والنزغ، فهو لا يجبر الإنسان على ارتكاب المعاصي ولا يسلبه الاختيار في الأفعال وهو مع كلِّ هذا العَداء المُستحْكم، والبُغضِ المُتمكِّن في قَلبه للإنسان،إلا أن كيده ضعيف، كما قال تعالى ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ ،فهو ليس له سلطان إلا على من تولاه وأطاعه :إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون –النحل 100
يمكن أن نستخلص مما تقدم أن كيد الشيطان ضعيف ،وأن مِن بين أسْباب التَّشْخيص الخاطِئ لبعْض السلوكيات التي تصدر عن الإنسانُ في الحياة – جَهلُه بطَبيعةِ العَلاقة بينه و بَينَ الشَّيطان ،ثم إن أعظم متربص بالإنسان هو النفس الأمارة بالسوء ،فإذا كان كيد الشيطان ضعيفا ،فإن كيد النفس لعظيمة ،فهي التي تهوي به في المهالك ،ولهذا فإن الشيطان لا دخل له فيما يقع من المآسي في بعض الدول الإسلامية ،فهو ليس مسئولا عن الدمار والخراب الذي أصابها ،إنه الإنسان وحده هو من يتحمل تبعات ما يقع من نهب وسلب وقتل وخراب وتهجير لأصحاب الأرض وإرغامهم على التشرد دون رحمة ولا شفقة بعد ترك أوطانهم للنجاة بأنفسهم وذويهم والدول التي تدعي حماية حقوق الإنسان تتفرج على هذه المآسي التي يندى لها الجبين دون أن تحرك ساكنا لنجدة هؤلاء المكلومين ،وتكتفي بالتنديد في أبشع الأحوال
الشيطان لا دخل له في ما يقوم به بعض مسؤولي الدولة من استنزاف لخيرات البلاد من دون وجه حق ،ومن تزوير لإرادة المواطنين من خلال التلاعب بمصائرهم عن طريق الغش والكذب والادعاء بما ليسوا أهلا له وخيانة الأمانة و نهب المال العام دون حسيب ولا رقيب، ماتت ضمائرهم وانتفى عندهم الحس الإنساني الذي يجعلهم يحترمون أبسط الحقوق المتعارف عليها دينيا و أخلاقيا ،يراكمون الثروات بغير وجه حق ،يستوي عندهم في ذلك الحلال والحرام ،
الشيطان لا دخل له كذلك في عملية التسيب الإداري الذي ينتشر في بعض المجتمعات الإسلامية ويؤثر سلبياً على مدى تقدم وازدهار هذه المجتمعات.
وتتجلى أساليببه وأنواع أنماطه في المؤسسات والوزارات والهيئات والمصالح التي من خلالها يتم تسيير جميع مصالح الأفراد والمجتمعات،كما يتخذ أشكالا سلبية
تظهر في تعطيل مصالح الأفراد وانتشار الفساد والرشوة والوساطة ،واستغلال النفوذ لتحقيق المصالح الشخصية وإهمال المصالح المؤتمن عليها مما يجعل كثيرا من المواطنين يعانون من هذه الأنماط السلوكية التي تكرس ثقافة التهاون و الإهمال ليس في القطاع العام فحسب بل وحتى في القطاع الخاص
إن ثقافة الكسل وعدم الجدية في العمل انتشرت لدينا على نطاق واسع،مما دفع كثيرا من المواطنين إلى الحصول على مصالحهم بطرق غير مشروعة
ألَا فلْيَتَّقِ الله تعالى أولائك الموظفون أيَّاً كان مكانتهم، ليتقوا الله تعالى في أعمالهم التي اؤتمنوا عليها،
لا دخل للشيطان في من يتقاعس عن تحمله المسؤولية في تدريس وتعليم الصبيان متلمسا الأعذار الواهية كالتهاون في العمل بسبب ضعف الأجرة، أو ظروف العمل الصعبة، فليعلم أنه مسؤول أمام الله قبل أي مسؤول بشري وليتق الله في عمله فقد كاد المعلم أن يكون رسولا
لا دخل للشيطان في من يقدم الرشاوى مقابل الحصول على خدمات مشبوهة أو تحريف وتزوير العقود لاغتصاب حقوق الغير ، والنماذج كثيرة لا يمكن اختزالها ولو في صفحات متعددة .
إن إلقاء اللوم على الشيطان هو هروب من المسؤولية وعدم الاعتراف بالتقصير،لأن الشيطان نفسه يتبرأ في الأخير من فعل الإنسان السيئ ويلقي باللائمة عليه كما في قوله تعالى: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بمآ أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم }( سورة إبراهيم، الآية: 22).ولا حول ولا قوة ولا بالله العظيم
Moulila Benyounes
Aucun commentaire