المبادئ الثابتة لنظام الحكم وتنظيم المجتمع (2) عمر حيمري
المبادئ الثابتة لنظام الحكم وتنظيم المجتمع : (2 ) بقلم عمر حيمري
(4) المساواة عدل : وهي المشابهة والمماثلة في القيمة ، وفي القدر ، والشأن ، وفي الحقوق والواجبات ، وأمام القانون ، بغض النظر عن اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو مستوى الطبقة والفئة الاجتماعية … وهي مبدأ أصيل وأساسي في الإسلام ، يجعل من التقوى الميزان الوحيد للتفاضل بين الناس ، ولا يعير أي اهتمام لغيره من ميزان التفاضل بالجنس ، أو باللون ، أو بالعنصر . والله سبحانه وتعالى قد فصل في مبدأ المساواة الفصل النهائي حين قال : [ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ] ( الحجرات 13 ) . والرسول صلى الله عليه وسلم قد وضح وبين في خطبة الوداع مفهوم المساواة إذ قال : { أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب ، أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى } ( خطبة الوداع ) ، كما توعد صلى الله عليه وسلم ، وهدد بشر الوعيد ، كل من يميز ويفرق بين الناس على أساس اللون ، أو الجنس ، أو العنصر . فقال صلى الله عليه وسلم : { لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم . أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنه . إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء . إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي . الناس كلهم بنو آدم خلق من تراب } ( أخرجه الترمذي وحسنه ) وفي رواية أخرى { إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء ، مؤمن تقي وفاجر شقي ، والناس بنو آدم وآدم من تراب لينتهين أقوام فخرهم برجال ، أو ليكونن أهون على الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن } ( رواه أبو داود والطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 1787 ) . ( وفي رواية أخرى لخطبة حجة الوداع ، قال صلى الله عليه وسلم : { لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى } . ولقد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم من أبي ذر الغفاري ، وهو من أقرب وأحب صحابته إليه ، حين سب بلال وعيره بأمه الأعجمية ( وكان فيها سواد ) إذ قال له يا ابن السوداء ، فشكى بلال ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري : { إنك امرؤ فيك جاهلية ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو عمل صالح } ( رواه أحمد وصححه الألباني في شرح العقيدة الطحاوية ) . قول الرسول صلى الله عليه وسلم هذا ، لأبي ذر الغفاري كان قاسيا وبليغا وموجعا جعل أبي ذر الغفاري يندم على ما صدر منه ، فيقسم على بلال أن يطأ بحذائه على خده تكفيرا عن ما صدر منه من أخلاق الجاهلية ، وظل يذكره مدى الحياة ، والحسرة لم تفارقه على الفعل الجاهلي هذا .
لكن يجب أن نعلم أن المساواة بمعناها المطلق ، لا تكون إلا في الكيان الإنساني والقيمة البشرية ، وفي ما هو مرتبط بالعدل . أما في ما يتعلق بالخضوع لله ، أو التمرد عليه وعلى طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي ما يتعلق بالإيمان والكفر وبالفساد والإصلاح ، وفي ما يتعلق بالعبادات والنفقة في سبيل الله وغيرها من أعمال الخير ، وفيما يتعلق بالعلم وحسن التدبير والكفاءة … فالقرآن الكريم لم يذكر المساواة ولو بحرف واحد . بل على العكس من ذلك أشاد باللامساواة ، ونص عليها في أكثر من آية منها : قوله سبحانه وتعالى : [ أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ] ( سورة القلم آية 36ـ 35 ) وقوله [ أفمن كان مومنا كمن كان فاسقا لا يستوون ] ( سورة السجدة آية 18 ) وقوله : [ أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ] ( سورة ص آية 28 ) . كما لا يستوي أصحاب الأعمال العظيمة الذين بذلوا النفس والنفيس في سبيل الله والقاعدون المرجفون المثبطون لكل جهد فيه خير فمنطق المساواة لا يستقيم مع هذه الشريحة الاجتماعية يقول الله سبحانه وتعالى في هذا النوع من البشر : [ لا يستوي القاعدون من المومنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ] ( سورة النساء 95 ) . وقوله : [ وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير] ( سورة الحديد آية 10 ) . بل شمل هذا التفاضل ، حتى الرسل صلى الله عليهم وسلم لما قاموا به من أعمال جليلة ومجهدات عظيمة ولما تلقوه من متاعب في سبيل تبليغ الرسالات التي كلفوا بها … وكذلك لعلم يعلمه الله [ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات … ] ( سورة البقرة آية 253) . إن القرآن الكريم لا يساوي بين العلماء وبين الجاهلين [ أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ( سورة الزمر آية 9 ) . كما لا يساوي بين الكفء القادر على تدبير شؤونه وشؤون الناس ، وبين العاجز لعاهة ذهنية ، أو جسدية أو لبلادة فيه … لقوله تعالى [ ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا ياتيه بخير هل يستوي ومن يامر بالعدل وهو على صراط مستقيم ] ( سورة النحل آية 75ـ 76 ) .
( 5) الشورى : يتبع . بقلم عمر حيمري
Aucun commentaire