عرض البنات والأخوات على أهل الصلاح
جواز عرض البنات الأخوات على أهل
الصلاح
لقد ذهب الإسلام في حرصه على تخير الأزواج الصالحين إلى اعتبار السعي في سبيل ذلك من المساعي الحميدة. يقوم بها الآباء بالنسبة لبناتهم، و الإخوة بالنسبة لأخواتهم
و الأولياء عموما بالنسبة لمن في ولايتهم . فالفاروق عمر رضي الله عنه لم يأل جهدا في عرض كريمته السيدة حفصة رضي الله عنها بعد أن تأيمت بوفاة زوجها خنيس بن حدافة على أكابر الصحابة… فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم » 4 هكذا كان شأن الرعيل الأول من أصحاب سيد المرسلين في فهمهم للإسلام
و أخذهم بآدابه، و اجتهادهم في تحري الصالحين لبناتهم و أخواتهم و صراحتهم في العرض و عدم تحرجهم في القبول أو الرفض ، إذ كان هدف الجميع دائما القيام بحق الله تعالى .و لقد بلغ من سماحة الإسلام و واقعيته أنه من ناحية أخرى أجاز للمرأة إذا ما تيقنت من صلاح رجل ما ، و قوة دينه و صدق أمانته، أن تعرض نفسها عليه، و أن تقترح زواجها منه، رغبة في صلاحه، و اطمئنانا على تقواه، و لا حرج عليها في ذلك ما دامت تقصد به وجه الله
1- الجامع الكبير للسيوطي-الحديث رقم:3018 – فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج 11- ص153/ 155
2- أخرجه ابن حجر في فتح الباري ج11/184. و العجلوني في كشف الخفاء ج2/260
3 شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام-أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن- ص267- تحقيق عبد الحسين محمد علي-مطبعة الآداب في النجف الأشر ف – ط1/1969م
4- اختيار الزوجين في الإسلام و آداب الخطبة– ص67/68.
و ترجو أمرا يحبه و يرضاه… فعن أنس رضي الله عنه : » جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم تعرض عليه نفسها »1 قال الحافظ ابن حجر: وفيه عرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه وأنه لا استحياء في ذلك وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه ولو متزوجا لأن أبا بكر كان حينئذ متزوجا »2 قال النووي: « فيه دليل على جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح و تعرض رغبتها فيه لصلاحه و فضله أو لعلمه أو شرفه أو لخصلة من خصال الدين، و أنه لا عار عليها في ذلك، بل ذلك يدل على فضلها، و بنت أنس رضي الله عنها نظرت إلى ظاهر الصورة و لم تدرك هذا المعنى حتى قال أنس هي خير منك، وأما أن تعرض نفسها على الرجل لأجل غرض من الأغراض الدنيوية فأقبح ما يكون من الأمر
و أفضحه »3 قال القرطبي رحمه الله تعالى في قوله تعالى : ]إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي [4 فيه عرض الولي بنته على الرجل وهذه سنة قائمة فقد عرض صالح مدين ابنته على صالح بني إسرائيل وعرض عمر ابن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان وعرضت الموهوبة نفسها على النبي ، فمن الحسن عرض الرجل وليته والمرأة نفسها على الرجل الصالح اقتداء بالسلف الصالح » 5
و لكن غفلة كثير من الناس في هذا الزمان عن هذه الآداب السامية، قلب الأوضاع في نظرهم، و أصبح التأسي بمثل هؤلاء الكرام البررة محل غرابة و استنكار، و ظنه البعض محاولة لترويج بضاعة كاسدة ، فأحجم ذوو النفوس العالية عن عرض بناتهم و أخواتهم على أقرب الناس إليهم ، ظنا بكرامتهم أن تمتهن، و بنيتهم أن يساء بها الظن.
فتح الباري-ج9- ابن حجر العسقلاني-كتاب النكاح- باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح- ح5120- ص217
نفسه- ج9/178
3- خطبة النساء و الترغيب في الزواج- مرجع سابق- ص92
4 – القصص /27
5- أحكام القرآن-ج13- القرطبي- ص179.
Aucun commentaire