الحكومة تنفذ مجددا توعدها، فماذا أعدت النقابات للرد؟ !
إذا كان هناك من شيء يميز الحكومة الحالية عن سابقاتها وتستطيع التفاخر به، فهو أن الله تعالى وهبها رئيسا لم يأت الزمان بمثله من قبل، لا يؤمن عدا بما ينسجم مع قناعاته ويتوافق مع أفكاره. إنه السيد: عبد الإله بنكيران، أمين عام حزب « العدالة والتنمية »، الذي حير المواطنين بطريقة إدارته للشأن العام، وأظهر للمتعطشين إلى بناء دولة الحق والقانون واستكمال الانتقال الديمقراطي، ألا سبيل للمزيد من الغوص في بحور الأوهام والأحلام، مادام تدبير الملفات الكبرى يقتضي رؤى مغايرة، لا يمتلكها عدا كبار رجال السلطة من مستواه، ووحدهم النبهاء يدركون البون الشاسع بين التشريع والواقع.
وبالنظر إلى عجز حكومته عن ابتكار حلول ملائمة، لتخطي الأزمة الاقتصادية الخانقة أمام ما يدعيه من ضعف الموارد المالية، وإغراق البلاد في مستنقعات المديونية، صنع لنفسه دون كبير عناء جسورا صوب جيوب المواطنين، عبر الزيادات المتوالية في أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية، وزادها تفننا وإبداعا بالاقتطاع من أجور المضربين عن العمل…
ذلك أنه ضدا عن الدستور والحقوق المنصوص عليه في المواثيق الدولية، التي تكفل للشغيلة حق ممارسة الإضراب، دفاعا عن مصالحها المادية والمعنوية، وفي غياب قانون تنظيمي يعقلن مزاولته، ويجنب البلاد آثاره السلبية على الاقتصاد والمجتمع، أبى إلا أن يفرض إرادته التسلطية على الجميع وينهج أسلوب الترهيب والتركيع، بالتراجع عن المكتسبات، انتهاك القوانين وخنق الحريات، وإفراغ الإضراب من مشروعيته، ومعاقبة المضربين باستخدام آلية الاقتطاع من رواتبهم المثخنة بجراح القروض، بلا أدنى مراعاة للمشاعر سيما إبان الأعياد الوطنية والمناسبات الدينية، كما هو الشأن بالنسبة للاقتطاع الأخير، الذي صادف مطلع السنة الميلادية الجديدة 2015 وذكرى المولد النبوي الشريف…
ويعود مسلسل الأحداث إلى أن المركزيات النقابية الثلاث: الاتحاد المغربي للشغل، الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل، ضاقت ذرعا بعناد رئيس الحكومة واستفراده بالقرارات المصيرية، دون الإصغاء إلى تحذيراتها من مغبة الاستمرار في تجاهلها، وما يمكن أن يترتب من تداعيات عما ينتهجه من سياسة عمومية تتعارض وانتظارات الشعب، وتشبثه بعقلية المؤامرة إثر تفضيله عدم إشراكها وإحالة مشروع إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد، على أنظار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لإبداء الرأي، وإصدار مرسوم قانون رقم: 2 .14.596 بتاريخ: فاتح شتنبر 2014، يتم بموجبه تمديد سن التقاعد لهيئة التدريس من البالغين السن القانوني إلى غاية نهاية الموسم الدراسي: 2014/2015. فضلا عن ضرب القدرة الشرائية للطبقات المسحوقة والمتوسطة، تجميد أجور وتعويضات الأجراء والموظفين، انخفاض معدل فرص الشغل وارتفاع نسبة الفقر والأمية… قررت هذه النقابات بعد مشاورات عميقة على مستوى قياداتها، وتدارسها لمختلف القضايا المطروحة بشدة، خوض إضراب عام إنذاري لمدة 24 ساعة يوم الأربعاء 29 أكتوبر 2014، محملة مسؤولية تدهور السلم الاجتماعي إلى استقوائه، ورفضه العودة إلى طاولة الحوار متذرعا بعدم جدية الطرف الآخر…
ومن المفارقات الغريبة أن الحكومة أصدرت بتاريخ: 14 أكتوبر 2014 بيانا تقر فيه بدستورية الحق في الإضراب، وفي ذات الوقت تعبر عن أسفها لهذه الخطوة غير المفهومة الأسباب والدوافع، معتبرة أن الأمر مجرد مزايدات سياسوية، تهدف إلى تعطيل مسلسل الإصلاح، في حين أنها على اطلاع واسع منذ فترة طويلة بالملف المطلبي للنقابات، التي أبانت عن حسها الوطني من خلال دعوة قواعدها إلى التمسك بسلمية الإضراب، اعتماد المداومة في المستشفيات وأقسام المستعجلات، والالتزام بتعويض ساعات التوقف عن العمل خاصة في قطاع التعليم، بينما الحكومة لم تهتم لذلك ولم تبد أدنى حسن نية سوى أنها رفعت في وجه المضربين سيفها الحاد « الاقتطاع مقابل الإضراب »، وفق ما أكده وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد: مصطفى الخلفي مساء يوم الإضراب، أثناء مشاركته في برنامج « مباشرة معكم » الذي بثته القناة الثانية تحت عنوان « ماذا بعد إضراب 29 أكتوبر 2014 ».
وهكذا جاء الرد سريعا وواضحا، يكشف عن نية الحكومة المبيتة في نسف الحقوق، وعزمها الأكيد على إضعاف النقابات وإلغاء الإضراب. إذ في خطوة غير مسبوقة، سارع وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية السيد: عبد السلام الصديقي، غداة الإضراب العام إلى إصدار مذكرة داخلية بوزارته، يأمر مفتشي الشغل على قلتهم بإحصاء المضربين في القطاعين العام والخاص، بدل اهتمامهم بوظيفتهم الأساسية في مراقبة تطبيق مدونة الشغل، وقال الوزير المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة السيد: محمد مبديع، بأن الاقتطاع قرار تلقائي ونهائي، لأن هناك قانونا يلزم الإدارات العمومية بربط الأجر بالعمل وإنزال عقوبة الخصم في حالة الغياب. ونعم الاجتهاد، حين يصبح الإضراب مرادفا للغياب! إنهما قمة السخرية وخلط الأوراق، اللذان تبرع فيهما حكومة بنكيران.
وخلافا للمساطر القانونية المعمول بها، ومن غير توصل المضربين بأي استفسار ولا بإشعار عن الاقتطاع، أقدمت الحكومة على خصم مبالغ مالية هامة من أجورهم البئيسة، تراوحت قيمتها ما بين 150 و500 درهما، أثارت حالة من الاستياء والسخط العارمين في صفوفهم، إذ منهم من يعتزم مقاضاتها أمام المحكمة الإدارية، ماداموا لم يأتوا منكرا عدا ممارسة حقهم الدستوري، دون إخلال بالواجب أو إضرار بحقوق الغير، ووحده رئيسها من يتحمل تبعات تعنته.
وإذا كانت الحكومات السالفة لم تجرؤ يوما على اتخاذ قرار بهذا الحجم من الغطرسة والظلم، ليس خوفا من تصعيد النقابات وتهديد أمن واستقرار البلاد، ولا تشجيعا على التسيب في ضوء ارتفاع عدد النقابات، التي انتشرت كالفطر في غياب قانون منظم… وإنما احتراما للحقوق وروح الدستور، وعدم توفرها على سند قانوني يجيز لها هذا الخرق السافر، فإن عبقرية الحكومة الحالية في شخص وزير العدل والحريات السيد: مصطفى الرميد، تفتقت عن قاعدة الأجر مقابل العمل، مبررا هذا الإجراء غير المتوائم مع حالة الإضراب بوجود مراسيم واجتهادات قضائية، وكأن سابقيه من الوزراء يعوزهم بعد النظر، والقدرة على التعمق في النصوص القانونية وتحليل مقاصدها وغاياتها…
بيد أن المركزيات النقابية بدل رص صفوفها لمواجهة التحديات، مازالت تقف عند حدود اعتبار قرار الاقتطاع تسلطيا، وهجوما عنيفا على الحريات العامة، يستدعي المنطق القانوني التراجع الفوري عنه إحقاقا للحق، متوعدة بالتصعيد واتخاذ كافة أشكال النضال المشروعة والأكثر فعالية، في حالة عدم العودة إلى جادة الصواب والجلوس إلى طاولة الحوار، فلم يعد في قلوب الشغيلة مكان للمزيد من رصاص القهر والاستنزاف.
ومن جهتنا، فإننا لسنا دعاة احتدام الصراع المجاني بين الحكومة والمركزيات النقابية، ويهمنا كثيرا إعادة بناء الثقة فيما بينهما، والبحث عن صيغ بديلة للتحاور ومعالجة القضايا المطروحة بكامل المسؤولية والموضوعية، بعيدا عن أي تشنج أو مزايدات، ولم يعد مسموحا التمادي في شد الحبل، ولا حاجة لإحداهما في إضعاف الأخرى، طالما أن هناك هما مشتركا يجمعهما وهي المصلحة العليا للبلاد…
اسماعيل الحلوتي
2 Comments
كموظف لم استغرب لردة فعل الحكومة باتخاذها قرار الاقتطاع ليوم الاضراب وانا اعلم جيدا ومثلي الكثير انها اي الجكومة تنتشي وتزهو عندما تنفث سمومها في دم الموظف البسيط لانه يطالب فقط بابسط الحقوق ولكن ما يحز في النفس هو الصمت الرهيب للنقابات وقد مر على الاضراب اكثر من شهرين لم تصدر ولو بيانا واحدا تحدد فيه موقفها والاجراءات التي تنوي فعلها ضد اتهاكات هذه الحكومة وهو شيء يدعو فعلا للشك والريبة
لقد ظلم الشعب المغربي التواق الى الحرية والمتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية والرفاهية و رغد العيش والكرامة والتقدم والتحضر والتطور عندما سمحت الدولة وبعض اجهزتها بوصول مثل هذه الحكومةالى سدة الحكم، اذ يفتقر اعضاؤها الى التجربة والحنكة السياسبة والدبلوماسبة وﻻ يربطهم بتسيير شؤون الدولة وامورها الا الخير والاحسان؛ حيث تم التحالف مع الفساد عوض محاربته والقاء القبض على ناهبي الاموال والممتلكات العمومية ومحاكمتهم، حيث تفشت الرشوة وزادت حدتها اكثر من ذي قبل، حيث انتشر الاجرام و »التشرميل »و السرقة والاعتداءات واللاامن اكثر من اي وقت مضى