همسة من أجل صاحب الخمسة
تابعت كما آلاف المغاربة ممن يترددون على العنكبوت و شبكته خبر أستاذ التعليم الابتدائي الذي سخر من تلميذة على ما يبدو في الصف الأول لم تتمكن من كتابة الرقم 5 كما يجب فصورها بكاميرا جواله ليجد الشريط طريقه إلى اليوتوب.
كما سجلت تفاعلات القضية حتى توقيف المعلم و إحالته على المجلس التأديبي
و فوجئت بكم العداء الذي حصده هذا المعلم إن داخليا أو خارجيا.
و إنه لشيء جميل أن تجتمع جميع مكونات المجتمع المدني لنصرة الطفلة البريئة التي لا ذنب لها اللهم أنها لم تستوعب كما زميلاتها بالفصل طريقة كتابة 5.
و الأجمل أن نجتمع كلنا لمؤاخذة هذا الفعل لأنه من منظور تربوي فعل أرعن و من منظور إنساني جرم.
بدءا فالمعلم في ما رواه ليس حديث عهد بالتدريس و قد أقدم على تصوير الفتاة الموسم الدراسي الفارط و ليس هذه السنة كما يتخيل للبعض.
و يزعم أن الغرض من هذا الشريط هو إقناع والدها بضرورة إلحاقها بمدرسة للمعاقين ذهنيا لأن مستواها لا يتناسب و مدرسة عمومية عادية.
لكن يبقى أن هكذا مسوغا مردود على صاحبه فمن جهة ما دام أن النية كانت إبلاغ والديها بمستواها الحقيقي فكيف يعقل أن يتضمن الفيديو ما تضمنه من سخرية من لدن الأستاذ كما التلاميذ، ينتفي معها الفعل التربوي برمته.
ثم كيف أنه لم يحذف المعلم الفيديو من هاتفه ما دام أن الغرض منه قد انتهى و مضى ما مضى من الوقت على ذلك.
و إن كل ذي عقل و هو يستمع للأستاذ في الفيديو الأول ليسلم بأن الأستاذ قد أمعن في الاستهزاء بتلميذته و كأنما يتلذذ برؤية القسم يسخر منها و الأدهى أن يدفع الطفلة دفعا إلى الاستمرار في الكتابة حتى يستقيم له الهزء و إن كان جليا منذ البدء أن ما تكتبه التلميذة لن يصير أبدا خمسة.
و من ناحية ثانية فكون التلميذة لم تتمكن من كتابة رقم 5 رغم محاولات الأستاذ تلقينها الطريقة لا يعني بالضرورة أنها تحتاج إلى معلم مختص و مدرسة خاصة بالمعاقين ذهنيا و لا يعني البتة أن التلميذة فاشلة دراسيا فالمعلوم لدى أهل التربية أن إيقاعات الفهم تتباين سرعاتها من تلميذ لآخر فما يفهمه تلميذ في دقيقة قد يحتاج آخر خمسا ليستوعبه و الأستاذ موضوع القضية نفسه يتحدث عن الصعاب التي تواجه أي مدرس للقسم الأول الابتدائي في غياب التعليم الأولي و يعترف أن المهمة شاقة و تبغي جهدا أكبر و جلدا أكثر لكن أين الجهد و الجلد في ما رأيناه منه؟
أين الصبر على التلاميذ و الأخذ بأيديهم خصوصا و أنهم حديثو عهد بالمدارس و لا يملكون من المعارف إلا ما جاد به الأستاذ عليهم؟
ما الاستفادة التي جناها المدرس من سخريته من تلميذته و هي تنظر إليه بكل البراءة و قلة الحيلة؟
أكان هذا المعلم ليقترف الذي أتاه بالسلك الإعدادي أو الثانوي حيث العنف حديث الصبح كما المساء؟
ثم ما يلبث الأستاذ أن يرفع فيديو ثان يطلب العفو فيه و الصفح و يعرب فيه عن أن نيته لم تكن البتة ما تداولته صفحات الجرائد و المواقع ثم يتعلل بكونه معلما عطوفا و أبا حنونا و أنه ما كان ليضيع 33 سنة من العمل هباء
و يغيب عن الأستاذ الكريم أنه حينما رفع الفيديو الأول لم يكلف نفسه عناء إخفاء وجه التلميذة المسكينة و لعل الجرم كان سيكون أخف لو لم نر منها غير اليدين مثلا…
لكنه في الفيديو الثاني و بالأحرى الأوديو، لم يفته أن يخفي وجهه و يديه و كل ما من شأنه أن يمهد للتعرف عليه. لذلك فالأمران لا يستويان.
و كان سيكون أكثر شهامة و إنسانية و أبلغ وقعا لو كشف الأستاذ عن وجهه و خاطب التلميذة كما أسرتها مقرا بفعلته و طالبا العذر و جل من لا يخطئ.
و كان يكفيه أن يغفر له أهلها ما لحق البنت المسكينة ليسمو في أعيننا و يرجع الأستاذ كما كان.
و من جهة أخرى لا شك أن الجميع لاحظ كيف أن سيلا من الفيديوهات واكب ظهور شريط التلميذة و كيف أن من لا يفقه صار فقيها حتى صارت البيداغوجيا و بناتها على لسان الجميع و تفنن بعضهم في إظهار تضامنهم و الفتاة و أمعنوا سبا في الأستاذ و سخروا البراءة لأجل الدناءة فاستخدموا الأطفال ليصدحوا بما عجز عنه الرجال و صار عاديا أن نرى شريطا يظهر طفلة تعلم الأستاذ قواعد الأدب و اللياقة و ترشده، تقريعا و لوما، إلى ما كان عليه أن يفعل. بل و تجرأ بعضهم على غيره من الأساتذة مردفين أن ما حدث لنادية لا يغدو أن يكون غيضا من فيض و أن ما تختزنه جدران المؤسسات التعليمية أفظع بكثير و لست هنا لأغض الطرف عن واقع معيش فليس كل الأساتذة ممن أكرمهم شوقي بشعره كما أن المجتمع ذاته بكل أطيافه و وظائفه يستلزم مراجعة أخلاقية و ليس التعليم وحده.
لكن هذه الشريحة التي ما فتئت تكيل للمعلمين الاتهام تلو الآخر يركبون على الآلام كما الآمال و يبتاعون قضايا الأمة لأجل اللقمة و يفرضون أنفسهم أوصياء حيث ما عانى الفقراء و عم البلاء.
و واقع الحال أن هكذا كائنات يفرض أن تلزم جحورها و تترك مكة لأهلها فللمدرسة مدير و للتعليم وزير و لأهله ضمير و لن نرضى أن يأتي أحدنا مثل ذا الفعل و إن كان المعلم قد أخطأ فعلى أهلها جنت براقش و سيثبت التحقيق مدى صدق كلامه من عدمه. و كفانا وعظا خاويا و كأنكم الملائكة.
ما لفت انتباهي من كثر ما شاهدت هو شريط مصور يقدم أمريكيا على أنه معلم و قد راقني تحليله و كيف أنه حاول أن يثبت أن المعلم لم يأتِ جرما قانونيا بل اقترف فعلا منافيا للأخلاق و ذا عين الصواب.
و عليه فيجب معاقبته بما يتلاءم و الذنب الذي ارتكبه لا محاسبته إرضاء لأصوات نصبت نفسها وصية على نادية و أهل نادية و قرية نادية…
ثم و حتى نسمو كمجتمع مدني و حتى نرقى إلى ذلك البلد الديموقراطي الذي ننشد فلا شك أن الصواب أن يتساوى أبناء الوطن عند الحساب الفقير المعسر كما الغني الموسر و صاحب الحسب و النسب كما الذي غاب أصله و فصله و الوزير كما الأجير.
و رجوعا بنا إلى أيام خلت و أحسب أن التاريخ كما الذاكرة الحية لا تنسى الأحداث و لكن يتناسيانها، فقد سبق أن عشنا حادثا أشبه ما يكون بقصة أخينا المعلم و لم نر أحدا يقتص من صاحبه فلا المذنب أوقف أو أحيل بل مضى يشق طريقه غير ذي بال و له في ذات الصنيع قصص طوال.
وزير تعليم في زيارة لمدرسة عمومية يتفاجأ بتلميذة تفوق نظيراتها طولا فيخاطبها بكل أريحية-فهو الوزير- أن مثلها يلزم أن تكون متزوجة-
و الغريب أن يظل الوزير وزيرا و تغيب حكومة و تظهر حكومة أخرى و الوزير وزير اللهم أن أبدلنا حقيبته.
فهل يا ترى سيكون جزاء المعلم من جنس جزاء الوزير أم أن المقامات محفوظة؟ و أنه و كما دأب العام و الخاص فالمعلم دوما سبب المصائب و النوائب فالتعليم العليل هو علته و الهدر المدرسي هو سببه و التحصيل الهزيل ذنبه و العنف الذي يكتسح المدارس هو من يشجعه.
ثم لم تسكت هذه الأصوات الرقيقة و هذه الأرواح الملائكية و لم تخرص هذه الأبواق الحقوقية حينما يطعن معلم و يهشم أنف آخر و يموت آخرون غرقا و كأنما هي شياه نافقة؟
ابتلانا الله بمجتمع يرى في التعليم كرها و في المعلم عدوا حتى أنه يمقت أكثر ما يمقت أن يرى معلما في عطلة و لسان حاله يقول « سعداتكم غي الراحة و الماندة طالعة ».
و عودا على قضية أخينا المعلم فلا شك أنه قد أخطأ في حق نفسه أولا فظلم المدرس فيه و جرح الإنسان فيه و وصم سمعته بعار قد لا يزول ثم إنه قد جار و هو الكبير على طفلة صغيرة بريئة كل البراءة و سخر منها أيما سخرية ثم جهر بعيبه لا بعيبها و فضح إخفاقه لا فشلها و انقلب في قضيته السحر على الساحر فأضحى هو الأضحوكة و يكفيه من الجزاء ما تجرعه و هو ينتظر عفوا قد لا يأتي و يرى بأم عينيه وظيفته و مورد عيشه قاب قوسين أو أدنى من أن يصيرا إلى زوال.
و لا شك أنه لا يوجد أشق على النفس من أن يرى المرء ما أفنى عمرا في بناءه يهوي في لحظة و أسرة بكاملها بسببه تسير إلى اضمحلال.
و لست هنا لأدافع عن فعل أخلاقي مشين، لكن أن نسلب عائلة سلمها و أمانها و نضحي بمستقبلها، فذاك أمر يستوجب تفكيرا و مدعاة للتمهل و لن تعجز الإدارة الوصية عن إيجاد عقوبة مناسبة تحفظ لنادية حقها و تكفل للأستاذ و أسرته بقاء مورد عيشهما.
2 Comments
لا فض فوك يا أخي.
« من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر! »