ثورة مَلِكٍ من أجل الشعب
ثورة مَلِكٍ من أجل الشعب
بقلم د. محمد بالدوان
يوحي الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 39 للمسيرة الخضراء بأن العاهل المغربي أحرق سفن العودة، وبات عازما أكثر من أي وقت مضى على مواجهة كل ما من شأنه التشويش عن بلوغ المغرب مراتب الدول الصاعدة. ترى هل هذه خطابات والسلام؟ أم أن الأمر يتعلق بمخطط كبير يسعى العاهل إلى التسريع بتنزيله؟ وإن كان الأمر على النحو الأخير، فما الذي جعله يجافي لغة الدبلوماسية ويكسر جدار الصمت بخصوص خصوم الخارج ومتآمري الداخل؟ وأين يكمن السر الذي أجج فيه الحماس ليضرب بقوة؟
قبل الخوض في الاجابة عن الأسئلة، لا مناص من تأطير القارئ الكريم بالتطورات المتسارعة التي يشهدها الحقل السياسي المغربي.
كانت تُنبأ الثلاثية الخطابية الصارمة المشهورة لجلالة الملك بعاصفة من التغيرات، ولم يمر غير ثلاثة أشهر على خطاب 30 يوليوز 2014 ، الذي شكل انعطافة جديدة في الخطب الملكية، حتى بدأت قلاع الريع والفساد تشهد مداهمة فعلية: بداية بصندوق الايداع والتدبير وانتهاء بعمودية فاس وقضية جماعة أولاد الطيب.
كما لم يمر على الخطاب الحاسم (افتتاح الدورة التشريعية) والتصعيدي غير لحظات حتى بدا الانفعال على مَن فوق رأسه ريشة. ثم جاء الاضراب العام حاملا بصمات الحزب المعلوم، وجاذبا كل من ينتظر بركات الخارج ومددها الذي لا ينقطع.
وتوالى خلال هذه الفترة اعتقال بعض الدواعش وخلايا الارهاب، وكان آخرها متزامنا بالتطورات الاخيرة، اعتقال داعشيان « فرسان العزة »، أواخر أكتوبر 2014، اللذان كانا على وشك استهداف بعض رموز الدولة وشخصيات أجنبية بعمليات نوعية.
ثم خرج « الضحاك » من سَمْتِ الأمانة العامة للحكومة ليدخل العراك من ثغر مراقبة الدعم الخارجي للجمعيات.
وكان آخر هذه التطورات ذات الطبيعة المتشابهة، في زيارة الملك الأخيرة لمدينة فاس يوم 05 نونبر 2014، والتي اتسمت بالتشديد غير العادي للاجراءات الأمنية، والحديث عن ارتكاب أخطاء أمنية فادحة (اختراق سيارة للموكب الملكي وعدم إشهار التحية)، أحالت والي أمن فاس بولمان وستة من عناصر الشرطة إلى المديرية العامة للتحقيق.
وجاء خطاب 06 نونبر 2014 ليؤكد بخصوص قضية الصحراء، المضي إلى الأمام بحماس وثقة وعزم، على قاعدة المكاشفة والمشروعية والحق.
صارح دولة وشعب الجزائر عن مسؤولية ما يعبئه القادة من ثروات الجزائريين لإدامة نزاع الصحراء، وهاجم مختلف أشكال الخونة، وأشار إلى أصناف عدة من الخيانة من توظيف نزعات التفرقة في الداخل، إلى « استغلال فضاء الحقوق والحريات للتآمر » والاستقواء بالخارج، ودفع الجميع إلى الانخراط في اختيارات الدولة، ولم يترك مجالا للمناورة: إما الوفاء أو الخيانة.
كما تحدث بلسان حال أغلبية الصحراويين المتضررين من نهب الثروة في الصحراء، ومن الريع الذي ينخر التماسك الاجتماعي، ويعيق استكمال الوحدة الترابية.
لقد مهد الخطاب لإنجاح تنزيل الجهوية الموسعة مذكرا « دينصورات العصبية القبلية » بسواسية المغاربة عند جلالته، ومحذرا، بشكل ضمني، من يوظف النعرات من مغبة التشويش عن هذا الاصلاح المهيكل.
يرصد المتابع وثيرة التصاعد والتصعيد في خطابات الملك الأخيرة، حيث تطورت من التلميح إلى التصريح، وانتقلت من الحث على الاعتزاز بالوطن والمغربية إلى التحذير من التآمر والخيانة.
لا يمكن أن يتحدث بهذه الثقة والقوة والصرامة، في سياق سياسي محفوف بالمخاطر، إلا من جمع بين قوة الإيمان بالاصلاح وحصافة التشخيص والتخطيط. يستحيل أن تغمر الدولة هذه الجرأة والحماسة في غياب تشخيص دقيق للوضع، واختراق استخباراتي عظيم، وبرنامج عمل محبوك ومندمج، ولوحة قيادة رقمية من الجيل الرابع.
تكمن معجزة المغرب في مَلِك ثائر يستأنف الربيع المغربي على بصيرة هو ومن اتبعه، فهل سيجد الشعب الذي يؤَمّن هذا الانتقال المنشود؟ أم سيجد أقواما تغذي الثورة المضادة، وتطيل من عمر أقطاب الردة والفساد والاستبداد؟
Aucun commentaire