المغرب الجزائر وصراع المواقع
المغرب ـ الجزائر وصراع المواقع
يوسف الصدقي،
باحث: في مجال العلاقات الدولية
بمركز الدكتوراه وجدة
لقد خلف حادث إصابة مواطن مغربي برصاص عسكر الجزائر على الحدود الجزائرية المغربية أكثر من سؤال بل واختلفت الروايات وتم تبادل التهم بين البلدين، لكن هناك مجموعة من الحقائق لا يجب إغفالها وهي حقائق لها ارتباط بوضع البلدين من جهة وتغير المعطيات الجيوسياسية من جهة أخرى.
فيما يخص وضع البلدين، هناك رغبة من الطرفين في تصدير التحولات الداخلية نحو الخارج، وفي هذا المجال نعاين نوعين من الفعل الدبلوماسي:
الفعل الدبلوماسي السلبي والذي يحاول تصدير تحول داخلي سلبي، وذلك نتيجة اكراهات سياسية داخلية ولعل الجانب الجزائري هو الحلقة المعنية في هذا الاتجاه. فالجزائر تعرف فراغا سياسيا في أعلى الهرم السياسي نتيجة غياب الرئيس بوتفليقة وتضارب الأخبار عن وضعه الصحي، والصراع بين الفرقاء العسكريين والأمنيين وأحداث الاضطراب الاجتماعي الناجمة عن تمرد رجال الأمن ومطالبة المعارضة رفقة الجمعيات المدنية بمعرفة مصير رئاسة الجمهورية.
الفعل الدبلوماسي الإيجابي الذي يحاول تصدير التجربة السياسية الناجحة والاستقرار الاجتماعي، وقد وصل فعل التصدير هذا دروته مع خطاب العاهل المغربي في البرلمان والجملة التي حركت الشارع المغربي « اللهم كثر حسادنا ». لقد كان الخطاب موجها للجزائر بشكل مباشر وكل من يدور في فلك التوجه الجزائري، الجملة التي على ما يبدو لم ترق للجارة الجزائر التي قررت الرد بأسلوبها على المناوشة المغربية.
بعيدا عن وضع البلدين لا يجب إغفال التحولات الجيواستراتيجية في المنطقة، فالبلدين في صراع محموم للسيطرة على منطقة تواجدهما، وكل بلد يصارع وفق الآليات المتاحة لديه
.
فالجزائر قد ربحت المعركة الافريقية خلال فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني، حيث كانت الدبلوماسية الجزائرية بقيادة وزير خارجيتها آنذاك عبد العزيز بوتفليقة نشيطة وفعالة بفضل رمزية دولة المليون شهيد، ودفاعها عن إعادة بناء نظام عالمي جديد يعتمد في مبادئه حق تقرير مصير الشعوب، وحق الدول النامية في السيطرة على مواردها وثرواتها. كما أن المناخ الدولي الذي كان سائدا والمتمثل في الحرب الباردة، المتجسدة في الانقسام بين أنظمة تدعي الاشتراكية والماركسية الجزائر (الحزب الواحد)، وأنظمة كانت محسوبة على الغرب الليبرالي، ومن بينها المغرب.
بعد انهيار المعسكر الشرقي وانتهاء عصر صراع الإيديولوجيات، شرعت مجموعة من الدول في تغيير أسلوبها في التعاطي مع المعطيات الجيوسياسية. لقد شكل انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية 1989 فشلا واضحا للدبلوماسية المغربية لكنه لم يكن نقطة النهاية. فبقدر ما كان الدرس قاسيا بقدر ما كان منطلقا لمراجعة إن لم نقل لنقد ذاتي لا يكتفي بتحميل الآخر مسؤولية الإخفاق، وإنما يسعى إلى إعادة تقويم للممارسة المغربية إزاء هذه القارة، وإعادة التموقع القاري وبناء ركائز دبلوماسية فعالة.
في ذات الوقت لزمت الجزائر نفس الأسلوب في التعامل مع محيطها الجيوسياسي، وركنت لنفس الخطاب، واعتمدت أسلوب الإعانات والمساعدات للحفاظ على موقعها القاري، هذه المساعدات التي أصبحت تنعكس على مستوى معيشة المواطن الداخلي، مما أفرز احتجاجات وصلت حد تمرد رجال الأمن الجزائري مما يعتبر احتقانا اجتماعيا خطيرا.
لقد ركزت الرؤيا المغربية في تعاملها مع محيطها القاري والدولي، إلى ترسيخ التعاون على أسس مشاريع ملموسة، مما يعطي استمرارية لهذا التعاون، في نفس الوقت يحصنه بسياج متين. فما يتردد في التحرك الملكي، وفي أنشطته ليس فقط مجرد مساعدات، ولكن هناك باستمرار البحث عن الفاعلية والنجاعة من خلال مشاريع اقتصادية واجتماعية ذات الآثار الملموسة والمتنوعة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، تعتمد تقاسم الخبرات والتجارب التنموية.
سيظل الصراع المغربي الجزائري، صراعا معيقا للنمو المغاربي. ففي الوقت الذي تطمح فيه الدول الخمس المكونة للاتحاد خلق تكتل اقتصادي قادر على محاورة باقي التكتلات الاقتصادية الدولية، في ذات الوقت تخسر سنويا أزيد من 9 مليار دولار حسب البنك الدولي، وذلك نتيجة الصراعات السياسية.
يبدو المغرب مستعدا لفتح الحدود مع الجارة الجزائر، ويستقبل هذا الترحاب بالرفض المطلق من قبل السلطات الجزائرية، موقف غير مفهوم خصوصا وأن الجزائر تعلن أنها ليست طرفا في الصراع المغربي مع البوليزاريو، وينضاف حدث إطلاق النار على المواطن المغربي لكي يعزز الموقف المغربي ويحرج الجانب الجزائري، في انتظار تطورات مستقبلية أكيد ستحمل الجديد
Aucun commentaire