« سادو-ماسوشية » الدّولة والمُواطن !
صرّح الرّئيس الفرنسي « فرانسوا هولاند » نهاية سبتمبر الماضي بعبارة صريحة جدّاً قال فيها : إذا لم تسمعوا صرخات ( المواطن ) فإن هذا يعني أننا لم نطبّق سياسة التّقشف . وبالتالي، أنتم ترون، وأنتم تسمعون!
استغربت في البداية من مقولة مشابهة، وأعدت البحث في جلّ الجرائد الفرنسية وقرأت تداعيات الخطاب وَ أسبابه وقراءاته المختلفة، ولاحظت تشابهاً طفيفاً معَ السياسة المعتمدة من طرف الحكومة المغربية، إلى أن وقعت بين يدي عبارة قالها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ( قبل أربعة أيام حسب جرائد إلكترونية ) : « شدّوا الحزام.. إنه التقشّف! »
نحن الآن في سنة 2014، قانون المالية لسنة 2015 بفرنسا يطمح إلى توفير 700 مليون يورو عن طريق » عَصرنة الاستحقاقات العائلية » فقط! والتي هي جزء صغير من مشروع سنة 2015.
المغرب في آن واحد يقود مشروعاً مالياً مشابها لسنة 2015، لديه أهداف من بينها توفير ميزانية لسدّ خصاص صناديق الدولة في السنوات المقبلة.
لماذا تحدثت عن السادية ؟
لا فرق بين خطاب هولاند ورئيس الحكومة المغربية، الأول عبّر بصراحة عن سياسته التي يمكننا فهمها، أقول يمكننا فهمها لأن فرنسا تتخذ في كلّ الأحوال إجراءات صارمة بخصوص الأموال التي تصرفها الحكومات المتعاقبة، وقال بأن » سماع أصوات مقاومة الشعب معناه بداية نجاح السياسة الإقتصادية الجديدة » .. !
لكن حين يأتي خطاب مشابه، أتوقع ذلك قريباًـ من حكومة المغرب، بعد أيام فقط من طرحه على الساحة الفرنسية، فهذا على الأقل يطرح تساؤلات عديدة!
لا يوجد مبرر آخر لسياسة التقشف سوى أنها ضرورة حتمية إن لم تُحقق الآن فسوف يتكبد الشعب خسائر باهضة في المسقبل.
الطريف في الأمر أن محللاً قال تعقيباً على مقولة بنكيران : سياسة التقشف جاءت متأخرة. كان يجب أن تُطبق قبل أعوام من الآن .
نحن، كمواطنين، لا يهمنا سؤال » من الذي أفرغ صناديق الدولة ؟ « ، هذا سؤال يجب أن تطرحه الأحزاب فيما بينها في لقاء ودّي ( وليسَ لقاء مصارعة ! ) وتجلس كل الجهات على طاولة شاي واحدة، وتناقش بهدوء مُطلق هذا السؤال الوجودي الكبير .. المواطن لم يكن يوماً بيده تسيير صناديق الدولة حتى نطالبه الآن بسدّ خصاصها!
أين كان المواطن حين كانت الصناديق مفتوحة لكلّ من هبّ ودبّ » من دون مراقبة » ؟ أين كانت دعوات المواطنين والجهات الفاعلة آنذاك والتي حذّرت من تداعيات هذه » السّيبة » على مستوى تسيير الصناديق ؟
عفواً.. ولكن المواطن ليس هنا لحلّ مشاكلكم الحزبية. إن كانت لدى الحكومة الحالية مشاكل مع الحكومات السابقة ( أحدهم يتهم الآخر بأنه المسؤول عن فراغ الصندوق) فلماذا المواطن من يجب أن يدفع ثمن الصراع ؟
يبدو أن صرخات المواطنين قد أصبحت » مقياساً حتمياً » لقياس مدى نجاح سياسة الدولة؛ ولا فرق بين هذا وبين السادية، كما لا فرق بين المازوشية وَ بين ما يقوم به المواطنون الذين يصدّقون هذه الحلول الجديدة والتي من غريب الصدفة لم تظهر إلاّ لحدّ الساعة !
ما أريد أن أصل إليه هوَ أن » التقشف » الذي يقولون إنه هو » الحلّ » هو في الواقع » حلّ المواطن لمشاكل الحكومات الماضية « ، وليس أبداً » حلاّ حكومياً « ، ولذلك يسهل على المواطن البسيط اعتقاد أن السياسة لأجل مصلحته.
تعلّمنا النظريات العلمية الجديدة التي تدرس الأنظمة والفوضى أن كلّ ما يحدث الآن مرتبط بالماضي .. وليس مستقلاً عنه أبداً .. الحلّ الذي يتحدثون عنه هوَ حلّ لمشكلة غير حقيقية .. هو حلّ خاطئ لمشكلة خاطئة ..
تخيّلوا منزلاً تمّ تخريب أنابيب مياهه من الداخل، وحين يأتي شخص ليصلح المشكل يقوم بإصلاح الشكل الخارجي وينسى أنه يجب عليه البحث عن نقطة الخلل الرئيسية من الداخل؟ وسؤالي هنا : هل تملك أجهزة الدولة الجرأة على فتح تحقيق دقيق حول الأخطاء التي ارتكبت أثناء تسيير ميزانية الدولة طيلة السنوات الماضية، أم أن كلّ حكومة ستخرّب الأنبوب وتخرج لتأتي حكومة أخرى لإصلاحه من الخارج في حين أن المنزل يغرق .. يغرق تحتَ الماء ؟
Aucun commentaire