المغرب العميق من زاوية أخرى
كم من مرة راودتنيعن نفسي فكرة الكتابة عن المغرب العميق .في البداية تمنعت لكن مع إلحاحها أذعنت لها على اعتبار أني عشت في هذا المغرب الذي يدعى عميقا ردحا من الزمن متنقلا بين فرعياته كأستاذ .
والحديث عن المغرب العميق ، كما تعلمون ، هو كلام لا ينضب له مَعين.
هو مغرب الفقر والقهر ، المغرب غير النافع حسب توصيف ليوطي وأذنابه المحليين. مغرب الحگرة ،المغرب الأقسى أو المغرب المنسي.هي كلها صفات تُحيل على التهميش والهشاشة والبؤس والحرمان. إنه الإقصاء .لا يعرف معناه إلا من ذاق مرارته أو اكتوى بناره.إقصاء إقتصادي ،سياسي واجتماعي .مع ما يترتب عن ذلك من احتقار ذاتي و غبن وشعور بالدونية. فرغم كل الشعارات الطنانة والبراقة التي تحاول التخفبف من وقع أو واقع المأساة إلا أنها لا تتسع لإخفاء معاناة وتجاعيد هذا الجزء من الوطن الحبيب ولو قليلا .
أهله يعيشون على قَدّ الحال. سيماء ضنك وضيق العيش لا تفارقهم ، مرسومة على محياهم . لباسهم تقليدي عتيق.لا يخضع لأي تناسق . المهم فيه أنه يقيهم شر الحر والقر.و أكلهم لا يخضع لمقاييس الأغذية المتوازنة…
أسماء أحيائهم ودواويرهم مختلفة عما هو معتاد. لكنها معبرة ، لأن اختيارمثل هذه الاسماء والاتفاق عليها ليس اعتباطيا أو محايدا. فالعلاقة هنا بين الدال والمدلول طبيعية .إنها قد تبدو غريبة فقط لمن لم يستأنس بعد مع مثل هذه الأسماء. خذ مثلا : دوار الكرشة ،دوار لاحونا ، حي الرجا ف الله، حي غار الجيفة ، هوندو ، قندهار ….وغيرها من الأسماء …فهي إن دلت على شىء فإنها تدل على واقع حالها البئيس و أحوال أهلها الأشقياء.
أهل هذا المغرب بسطاء كرماء،طيبون .مطالبهم بسيطة جدا . لا تتعدى ماءً صالحا للشرب لا ينقطع كل ساعة وحين.طريقا معبدة تفك عزلتهم.مدرسة ومشفى. وكل ما يحتاجونه هو آذان صاغية لمشاكلهم البسيطة بساطة نمط عيشهم.
أطفالهم لا يقضون عطلتهم الصيفية في المنتجعات والمخيمات أو خارج الوطن كما يفعل ابناء المغرب الآخر.بل قل إنهم لا يعرفون للراحة وللاستجمام معنى. يقضون الصيف في مساعدة أهلهم في الاعمال المنزلية والرعي والحرث والحصاد وجلب الماء والحطب …. للأنثى حظ مثل الذكر في الشقاوة . مساواة! يتحملون مسؤوليات أكبرمن طفولتهم الفتية. كبروا قبل الأوان. طفولة مغتصبة
*****
بالأمس توقفت عن الكتابة عند هذا الحد عسى أن اتمم المقال في وقت لاحق. في الغد ، وبينما أنا احاول استئناف الموضوع ، عثرت عن طريق الصدفة ،على مقال لصاحبه كريم اسكلا، الناشط الحقوقي و الكاتب المغربي، يتحدث فيه عن كثير مما كان يجول في خاطري .لذا ارتأيت أن أنقل بعض فقراته أو ما أراه مناسبا لتتمة المقال.وكفى الله الكَسالَى والمتفاعسين من امثالي شر التذكر و التفكيرخصوصا و ان حرارة هذه الأيام ملتهبة تُحرّض على الارتخاء والتراخي .
يقول كريم اسكلا:
« أن تكون من أبناء المغرب العميق يعني أن تعيش على الأقل واحدة من هذه المواقف:
أن تولد نتيجة خطأ في الحساب أو نتيجة نسيان تناول حبة منع الحمل. وأن يكون الفرق بين أعمار أخواتك إثنا عشر شهرا على الأكثر، … وأن تكون أكبر سنا من أحد أخوالك أو أحد أعمامك.
أن يقودوك صغيرا إلى « مسلخة » تسمى مسيدا أو مدرسة، لعلك تكون « شي حاجة = شيء ». ….
أن تكتب رسائل الغرام إلى زميلاتك في القسم بأسلوب أجمل من أساليب كتاب تقرأ نصوصهم في المقررات.
أن تكون متيقنا أن رد كل من ستخبره باسم مسقط رأسك سيكون: لم أسمع بهذا الاسم من قبل…
أن لا تعرف من أنواع الأسماك سوى السرديل بالرغم من أن بلدك له واجهتين بحريتين….
أن تكون صندوق ضمان إجتماعي لعائلة ممتدة طويلة عريضة، ولو قدر لك وتحسن وضعك الإجتماعي فالمفروض أن ترد الدين وزيادة لجموع المنتظرين…
أن تقتنع أنه لا يجب عليك أن تزور الطبيب، وإذا زرته فسيكتشف فيك أمراضا لا قبل لك بها.
…..
أن تناقش مواضيع الجنس والثقافة الجنسية في اللقاءات الثقافية والعلمية بلغة ثانية أوثالثة وتتجنب لغتك الأم
أن تتأكد أنه في نفس الزمان الذي تقطع فيه الطريق لتصل إلى السوق الأسبوعي أو المستشفى أو العمل…أو تنتظر فيه أداء فاتورة الكهرباء أو الماء أو الحصول على عقد ازدياد أو تنتظر وصول سيارة الإسعاف لتقل زوجك الحامل… يكون أحدهم قد سافر من الرباط إلى باريس وعرج على إيطاليا وإسبانيا وسويسرا ولندن…وعاد إلى دياره وأنت لازلت في الطابور.
أن تطلب منك دولتك أن تثبت أنك لازلت على قيد الحياة وشهادة تثبت جنسيتك. وتنتظر أن يرخصوا لك بالبناء في أرضك…
أن تكون على يقين أن كثيرا من قرائك سينسون اسمك، ولن يعلقوا على مقالاتك حتى بالنقد، ولن ينشروها على الشبكات الاجتماعية كي لا تتلطخ جدرانهم، ولن يعبروا عن الاعجاب بها حتى وإن أعجبتهم… فقط لمجرد معرفتهم أنك « مجرد شاب » من قرية منسية ولست « كاتبا معروفا » أو « ماركة مسجلة » من المغرب الاخر.«
فمن سبق له منكم أن عاش مثل هذه المواقف التي ذكرها « كريم اسكلا » او مواقف مشابهة فهو دون ريب من اهل بلدي ومن اهل المغرب العميق.كما يمكن إضافة وضعيات أخرى او مشاهد مماثلة عايشتموها تخول لكم الانتماء لهذا العالم العجيب أو « للجموع التي رفعت قهرها هرما » بتعبير الشاعر مظفر النواب . هذا المغرب الذي ندفع فيه – نحن الفقراء – فاتورة وكلفة باهِظة وبالمقابل نزداد فقرا ليستفيد الأغنيا ء فيزدادون غِنى.
إنه فعلا مغرب بسرعتين .فمتى تنقلب الأدوار ؟
*******
حميد وشاني في 28/08/2014
Aucun commentaire