كتاب الأمير لهشام « فيلي »
كتاب الأمير لهشام « فيلي »
رمضان مصباح الإدريسي
قرأت الكتاب،محمولا على جناحي غوغل، قبل أن يرتد إلى الناشر الفرنسي طرفه؛وهذا من فضائل العولمة.
وحينما علمت بأن المملكة -والأمير مولاي هشام يدخل إليها ويخرج وقتما يشاء- لا ترى موجبا لمنعه من دخول السوق الوطنية؛قلت هذا فضل آخر بشترك فيه ملك المغرب وأحد الكتاب من مواطنيه ،وعائلته الملكية الموقرة،في نفس الوقت.
الملكُ أَلَّفَ- عزما وفعلا وسلوكا- في الملكية الثالثة بعد الاستقلال ،وصولا إلى خلاصة مركزية لم يسبق إليها :المفهوم الجديد للسلطة/المخزن.
واختار الأمير –وان بدون قصد- أن يبرهن على صدقية هذا التوجه الملكي الدولتي؛ من خلال
فتح أبواب القصر للقراء، ليطلعوا على لوحات فنية تدبيرية للملك ،من توقيع المرحوم الحسن الثاني؛وعلى قراءات أميرية لتوزيع الألوان والظلال ،واختيار الإبداع المناسب للمكان المناسب.
معرض ظل –كعجائب هاري بوتر- مخفيا؛وكان لابد أن يحدث أمر ما- خارق للعادة- ليجدع أمير أنفه ،ويقرر الخروج من إحدى اللوحات العديدة ،ويقول للمغاربة،الذين خارج الأسوار،لقد أصبحت منكم ؛وهذه حكايتي.
على نهج الأمير بوذا، حينما ترك القصر وخرج باحثا عن الحقيقة، في صفاء التأمل الذي لا يتأتى إلا بقتل كل الرغبات المادية للإنسان ؛لكن الأمير،خلافا لبوذا، قرر أن يحمل معه كل ذهبه وفضته.
وعلى نهج ماكيافيلي (1469-1527) مع الفوارق طبعا- حينما انتهى به الأمر الى السجن،غب استيلاء عائلة « الميديتشي » على بلاط فلورنسا الايطالية ،بعد خمسة عشر عاما قضاها في الخدمة الأميرية.
بعد خروجه- وإذ أيقن أن حياته السياسية انتهت وغدت من قبيل « زمان الوصل بالأندلس »- سكن البادية؛وانكب في صيف1513 على تأليف كتاب « الأمير » ليتقرب به الى السادة الجدد ،عساهم يخرجوه من الفقر، ومن وضعية المنبوذ ؛ولو بتكليفه بدحرجة حجر في البادية ،على حد عبارته.
يقول: » في المساء أعود إلى البيت ادخل قصور الأمراء القدامى؛ يستقبلونني بمودة، لا اخجل من محاورتهم، ومساءلتهم عن دوافع حركاتهم، وهم يجيبونني بحفاوة، وخلال أربع ساعات.. انتقل إليهم بكاملي. وكما قال دانتي: لا علم بدون حفظ ما تم فهمه، قمت بتسجيل ما وجدته في مناقشتهم، والفت كتابا بعنوان الإمارة»
بشترك الأمير هشام مع ميكيافلي في اختيار العنوان ،وفي جوانب من الرسالة الى من يهمهم الأمر.ورغم خصوصية كتاب ميكيافلي فقد أصبح مرجعا أكاديميا مهما في السياسة ؛حينما تروم التخلص من الفلسفي والديني معا،وتعانق الواقع كما يلوح ويراوغ ويتثنى.
هل سيُقدر لكتاب « الأمير المنبوذ » عمر أكاديمي ما في المستقبل؟ عندي أكثر من سبب لكي لا أعتقد بهذا .
إن الأمير هشام لم يكتب كتابا في السياسة ؛وإنما مرافعة عن وضعيته داخل العائلة الملكية ؛بدءا من الشق الموروث عن والده المرحوم الأمير مولاي عبد الله ،وانتهاء إلى الوضعية المركبة والمعقدة التي عاشها ويعيشها:
بصفته ابن أخ ملك المغرب.
ابن عم ولي العهد،ثم ملك المغرب،محمد السادس.
حفيد القيادي اللبناني رياض الصلح مؤسس لبنان الحديثة.
ابن الخالة لأمراء سعوديين ،وصديق لبعض أمراء الخليج العربي.
حامل ألقاب إعلامية ملونة ،اعتبارا لانتباذه مكانا قصيا من عائلته الملكية؛وتبنيه لأطروحات أكاديمية في السياسة ؛وخصوصا بعض الاجتهادات التنزيلية التي تروم استِلال الملكية من المخزن « كما تستل الشعرة من العجين » على حد عبارة حسان بن ثابت، شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وضعيات مركبة لكن بقاسمين مشتركين:
ظل المرحوم الحسن الثاني ؛بكل ما يعنيه له من قوة وشدة وبأس ،وازدجار قاس أحيانا.
المال ثم المال ثم المال:كإرث يرى أنه لم يوزع كما يجب؛وكرأسمال للاستثمار،وكاعتداد بمصادر عائلية له ،من الخليج.
ويشكل المال أيضا منطلقا لتوتر علاقة الأمير بابن عمه الملك؛اذ يكشف عن رأيه في ميراث الملك الراحل ،دون أن يقدم مبررات. وبنفس التسرع يطالب الملك الجديد بالقطع مع كل أشكال التدبير المخزني العتيقة.
والأمير بهذا يقدم الحجة على انتصاره للسياسة التنظيرية الأكاديمية على حساب الواقعية السياسية التي نظر لها ميكيافلي ،ونصح بها أميره ؛بحجية تبدو أحيانا ثعلبية مخاتلة، وأحيانا أخرى أسدية مفترسة.
ولم أجد أسمى تعبير عن نزعة التعالي عن الواقع المغربي لدى الأمير،من صورة شعرية رائعة يوردها من سماوات الولايات المتحدة الأميريكة ؛حيث حلق عاليا بطائرته حتى بدت له البحيرات والبحار وكأنها سماء تهاوت غيومها ،وتلهفت لازورديتها الساحرة الى ارتقاء الأعالي من جديد.
صفت نفس الأمير ،وبسط يد الهوى للمغرب عاقدا العزم على أن يمضي في ما هو فيه من أمر وطنه وماله أيضا.
ما الذي يفيد المغاربة في الكتاب؟
شخصيا ،وبعيدا عن أي اصطفاف انتهازي – وأنا من قراء جميع كتابات الأمير وحواراته ؛وقد راسلته ،عبر هسبريس في مظلمته الصادقة ضد عبد الهادي خيرات – تمنيت لو لم يحدثنا الأمير من وراء كتاب ،مرافعا عن نفسه ومشاريعه السياسية والاستثمارية .
دون أن أنفي أنني استمتعت ،كغيري ، بدخول القصر الملكي لأل مرة ،والاستماع عن قرب للملك الراحل وهو يمارس ملكه وأبوته وعمومته ؛ثم وهو « يطاعن خيلا من فوارسها الدهر » على حد عبارة المتنبي.
تمنيت لو أجَّل الأمير كتابه -كما فعل ميكيافيلي- حتى يمارس دوره الأميري إلى جانب ابن عمه وصديقه محمد السادس.
تمنيت لو لم يُعجل بطرح وجهة نظره ،وتراب القبر لم يجف بعد؛حتى يعرضها على محك الممارسة ،بمعية الملك.
تمنيت لو لم ير في محمد السادس صورة والده الحسن الثاني؛حتى لا تختلط عليه الأمور ،ولا يرى الابن إلا نسخة من أبيه ؛والحال أن لكل مرحلة ملا بساتها و رجالها وخصوصياتها.
كان أفيد لنا وللملكية أن تتعزز مؤسسة الاستشارة ،أو حكومة الظل،كما تسمى أحيانا ،بمعارضة الظل – إن اقتضى الحال ألا يشتغل الأمير إلا معارضا- وفي الاختلاف رحمة ؛وهو لا يفسد للود قضية.
من السهل جدا زيادة كتاب في خزانة المغرب ، بفائدة تذكر أو بدونها،لكن من النادر جدا أن يقفز أمير خارج أسوار القصر ليقول ،صادقا أو غير صادق،ها قد صرت واحدا منكم بصيبني ما يصيبكم ،ويسرني ما يسركم.
لا أيها الأمير، لا نريدك مجرد مؤلف كتاب آخر ينضاف إلى كتبنا التي قل قراؤها ؛أو مجرد واحد منا لاحول له ولا قوة؛نريدك حيث تفيد وطنك أكثر ،وسم نفسك كما تشاء.
ولا يمكن لأمير أن يفيد أكثر إلا الى جانب ملك واقف على عرشه.
لقد ذكرت في مراسلتي السابقة لك أن المغاربة لم يألفوا أن يروا أميرا يمشي في المحاكم في مواجهة مواطن.
واليوم أقول لك :إن المغرب مقبل على البرهنة أكثر ،وميدانيا، على تشبثه بوحدته الترابية؛وهو في هذا لا ينبذ حتى مواطنيه الصحراويين، الذين يحملون السلاح في وجهه ؛فكيف ينبذ أميرا وابن أمير، وحفيد محمد الخامس رمز التضحية.
انس آلامك ،وضح بما تبقى من عمرك في سبيل نصرة وخدمة وطنك ؛ولا أعتقد أن في المغاربة من يعرف طيبوبة وتواضع محمد السادس أكثر منك.
لست في وضعية الناصح لأن التمر لا يهدى الى هجر ،كما تقول العرب.ولست في مستوى تكوينك السياسي الأكاديمي الأميريكي ؛ومؤهلاتك في مجال المال والأعمال؛لكني أرغب في توظيفها الميداني حيث يجب ؛مراعيا الواقع المغربي كما هو؛وهو واقع لا يتناغم مع وضعية الأمير النجم،السيبرمان،الأحمر الأصفر؛ولا حتى المنبوذ.
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire