مغاربة مع وقف التنفيذ
بدأت قبل أيام عملية استقبال المهاجرين المغاربة القاطنين بالمهجر ، العادة التي دابت عليها الدولة منذ سنوات مع التزايد الكبيرفي عدد المهاجرين العائدين سنويا والوزن الإقتصادي الهام الذين يمثلونه داخل المنظومة الإقتصادية الوطنية …
عودة المهاجرين بهذا الحجم الهائل وبهذا الشكل المنظم يطرح عدة تساؤلات .فخارج الإعتبارات الإقتصادية البراغماتية للدولة ،التي جعلت هذه الاخيرة تعاملهم معاملة الأبطال والمتفوقين « اللي وصلوا »(ولو كان ذلك لغرض في نفس يعقوب)،والتي خلقت تعاملا تمييزيا في شتى المجالات يكون ضحيته المواطن المستقر تخفي الحقيقة المرة وهي ان هؤلاء « العائدين بالعملة الصعبة « مجرد ضحايا لوطن لم ينصفهم ولسياسات تنموية فاشلة حولت هذا الوطن إلى مكان مكروه ، غير مرغوب فيه ، مغادرته تعتبربالنسبة إليهم أولوية الاولويات.
حاليا يتداول بكثرة مصطلح « مغاربة العالم » أو » مغاربة الشتات » أي أن المغاربة موجودون في كل بلدان العالم وفي القارات الخمس ، ولا يقتصر تواجدهم في أوروبا ، وحسب بعض الإحصاءات الرسمية قدرت هؤلاء بما يناهز خمسة ملايين نسمة ،أي ما نسبته سدس سكان المغرب ، وهذا لا يشمل طبعا المهاجرين الموجودين في وضعية غير قانونية والمجنسين …
هذا الرقم الضخم مرشح بالتاكيد للإرتفاع مع التشجيع الرسمي لظاهرة الهجرة والإعتماد على جيوب المهاجرين لحل المشاكل الإقتصادية وتكريس إقتصاد الريع وغياب سياسات إقتصادية منبنية على التصنيع والتكنولوجيا ، لإستيعاب الطاقات الشابة وتحويل حلم الهجرة التي يراودهاإلى كابوس …
فالمناخ الإقتصادي الغير المشجع جعل ظاهرة الهجرة تاخذ منحى مختلفا عن بداياتها أي خلال فترة الستينات والسبعينات ،فالكثيرون ممن يغادرون الان هم كفاءات وأطر خسرت الدولة اموالا طائلة لتكوينهم وتاهيلهم وهو ما يعرف بهجرة الادمغة …
إن النظر إلى المهاجر كرقم مالي هو رهان خاطئ بكل المقايييس،لأنه خسارة لما هو لا يقدر بثمن ، للرأسمال البشري الثمين الذي هو عماد أي تنمية مستدامة …كما أن الصورة الإجتماعية للمهاجر تخلق في نفسية المواطن المقيم نوعا من الغبن والحكرة ، ويعتقد أن الهجرة هي السبيل لكسب الإحترام والإعتراف والحظوة، حتى لو كان ميسور الحال ، مما حول الهجرة الان من ضرورة وإجبار إلى ثقافة واختيار .لطالما طرحت على نفسي السؤال الاتي:ماذا لو منحت فرصة الهجرة لجميع المغاربة ؟متأكد انهم سيحزمون أمتعتهم بدون تردد ويغادرون. الأمر خطير إذن لأن الهجرة ليست قيمة مضافة كما يصور لنا ولا تخليص للإقتصاد من عبء البطالة بل هو نزيف ديموغرافي خطير يهدد المغاربة بالتحول إلى اقليات منبوذة في دول العالم على غرار شعب الغجر و »شعب الله المختار » .
أنا لست ضد الهجرة ، لأن أرض الله واسعة ،ومن حق كل إنسان أن يذهب حيثما يشاء ويهيم كسبا للرزق وقضاء للمارب وما الحدود السياسية وسياسة فرض التأشيرات سوى قيود غير طبيعية على حرية البشر ،لكن الواقع يفرض على المغرب وقف تشجيع سياسة الهجرة مراعاة للمصلحة العليا للوطن واحتراما للمواطن ، لأن الإختيارات السياسية يجب أن تركزعلى التنمية البشرية التي هي اساس كل إقلاع تنموي بدل وضع » الراس في الحفرة « وسلك السبل التي لن تزيد البلد إلا تخلفا وفقرا.
تركيا هو البلد القدوة بالنسبة للمغرب ،فرغم الخمسة ملايين مهاجر التي ضختهافي شرايين ألمانيا فقط ، إلا أن اقتصادها عاش في شبه ركود لمدة طويلة ، ولم يعرف انطلاقة اقتصادية حقيقية إلا بفضل المبادرات السياسية الخلاقة لأردوغان الذي بفضله عرفت تركيا ثورة إقتصادية وإجتماعية تؤهلها الان لتبوء مكانتها المحترمة بين الأمم…
نتمنى أن تنتهي معاناة مغاربة المهجر وتتوقف قوافل العودة والرجوع المهينة إلى الابد ، وتنتهي معها حالة التمزق الثقافي والهوياتي التي يعيشونها، ويجدوا في بلدهم ما افتقدوه ، من فرصة شغل كفيلة بحفظ كرامتهم وعزتهم ، و المناخ الملائم لصرف قدراتهم وكفاءاتهم ، فما دامت الهجرة موجودة فهي برهان قاطع على ان المغرب لم يجد ذاته بعد وأنه غارق في مستنقع التخلف والتبعية ..
Aucun commentaire