من ثوابت الاستعمار الغربي استهداف المرأة المسلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
من ثوابت الاستعمار الغربي استهداف المرأة المسلمة
عثَرتُ بالصدفة على كتاب تحت عنوان « أمثلة من الحوار المزيف أجوبة مغربية عن أسئلة فرنسية » لصاحبه مصطفى النيفر، من بين أهم ما جاء فيه أن الاستعمار الفرنسي لم يعتمد كليا على الجانب العسكري في احتلاله للجزائر، وإنما استعان في ذلك بكل ما هو سياسي وثقافي واستخباراتي وانتهازي نفعي …وركز فيما يتعلق بالجانب الثقافي على عنصر المرأة، ذلك أنه في أعقاب معاهدة « تافنة » سنة 1837 بين الجيش الفرنسي في شخص الجنرال توماس روبير بيجو والأمير عبد القادر، والتي تم نقضُها من قبل الملك لويس فيليب الأول، ليتواصل القتال بعد ذلك بين الطرفين إلى أن ألقى الأمير السلاح سنة 1847 ليتم احتجازه بفرنسا ما بين سنة 1848 وسنة 1852، ثم يُرفَع عنه التضييق بعد ذلك، مما سمح له بالتجول بباريس وزيارة عدة تجهيزات عصرية، كان أهمها المطبعة التي انبهر بها حيث صاح بعد أن تأملها تأملا دقيقا قائلا: « بالأمس شاهدنا مدافع الحرب واليوم شاهدنا مدافع الفكر »، ولعل حرصه على التردد على المعارض التي كانت تُعرض فيها أحدث الاختراعات كلما زار أوروبا، زاد من انبهاره بمظاهر « التقدم » المادي الغربي، حتى أنه خلال زيارته للمعرض الدولي بباريس سنة 1865 أبدى إعجابه بمختلف المعروضات وقال بصوت عال: « لا ريب أن هذا المكان هو هيكل العقل الذي شَرُف به الإنسان ». وعملا على تعميم فكرة تفوق الثقافة الغربية ككل على الثقافة العربية وترسيخها لديه، ولدى عدد من المثقفين الذين احتكوا ببعض مظاهر « التقدم » بفرنسا خصوصا، لجأ دُهاة الاستعمار إلى مقارنة وضع المرأة الغربية بوضع المرأة المغربية (وهو يقصد المرأة في بلدان المغرب العربي) بحيث وُجِّهت له، وللمؤرخ والسياسي والإصلاحي أحمد بن أبي الضياف التونسي، لكونه أيضا مطلعا على هذه المظاهر، رسالة تضمنت 20 سؤالا بالنسبة للأول، و23 سؤالا بالنسبة للثاني كلها في موضوع المرأة، « ظاهرها حب المعرفة وفتح الحوار بين الأوروبيين وبعض أعلام المسلمين المغاربة، وباطنها غير ذلك » حسب ما أورد صاحب الكتاب، ويضيف الكاتب بأن الأسئلة كانت في مجملها متطابقة باستثناء ثلاثة منها، وُجِّهت لأحمد بن أبي الضياف، بحيث يتعلق السؤال الأول ب »سرور أهل الدار بالمولود الذكر دون الأنثى، مع أن زيادة النسل لا تكون إلا بالجنسين، والحنان الطبيعي يقتضي الفرح بالموجود مهما كان لأنه بضعة من الزوجين »، فيما يتعلق الثاني بانعدام أثر المرأة في الحياة العامة في المجتمع الإسلامي و »عدم تسابق الرجال لمرضاتها كما هو الحال عند غير المسلمين »، أما السؤال الثالث فيتعلق باللجوء للضرب والهجر والزجر « كَحَلٍّ » أدنى من الطلاق، أما الأسئلة العشرون فإنها تكاد تتطابق بين تلك الموجهة للأمير عبد القادر، وتلك الموجهة لابن أبي الضياف، مع اختلاف بسيط في التعبير أو الترتيب، وسأكتفي بذكر خمسة منها على اعتبار أنها عينة ممثلة لباقي الأسئلة، وإلا فكلها تدعو إلى التمعن واستنباط المرامي التي كانت تُتَوخى منها انطلاقا من الوضع الحالي لواقع المرأة المغربية (المغاربية) :
سؤال 1: « يتزوج المسلمون دون أن يرى أحد الزوجين الآخر، وربما تسبب ذلك في نفورٍ بعد الزواج يؤدي إلى الطلاق ».
سؤال 2: « الزوج يدفع صداق زوجته، على عكس المسيحيين، وكأنه يشتريها بذلك، أو يجعلها بمثابة شيء من أشيائه ».
سؤال 3: « يضرب العرب نساءهم دون موجب، ويكلفوهن بأعمال متعبة وهم لا يعملون، ألا يعد ذلك من عدم المروءة؟ «
سؤال 4: « يتزوج الرجل المسن البنت الصغيرة ولا يرى العرب العيب في ذلك »
سؤال 5: » لِمَ ترث المسلمة نصف ما يرثه الرجل وهما متساويان؟ »
وأما طبيعة الأجوبة فإني لا أذكرها ولا أعلق عليها، وأكتفي بما أورده الكاتب نفسه في شأن البعض منها، حيث قال » لقد حاولت الأجوبة « الاعتذار » بأن هذه المظاهر ليست من الشرع، وكان من الأجدى القول بأنها ليست من الشرع ولكن وجودها لأن المجتمع الإسلامي ليس على ما يرام ». أي أن المشكل ليس في الإسلام بقدر ما هو في بعض الممارسات الناتجة عن التفريط في أحكام الشريعة الإسلامية.
يشير الكاتب إلى أن « الحوار يعني الأخذ والعطاء والتكافؤ واستفادة الطرفين من بعضهما » وهو عكس ما تم التعبير عنه من خلال الأسئلة والأجوبة معا، بحيث تعمدت الأسئلة الحكم على الآخر من خلال مقياس الذات وجرِّه إلى معسكره، في الوقت الذي غلب فيه منطق التبرير على الأجوبة، وهو ما عبر عنه الكاتب بقوله: « إن « الأسئلة » الأوروبية لم تكن أسئلة و »الأجوبة » المغربية لم تكن أجوبة و »الحوار » مغلوط من منطلقه ومع ذلك لا تزال التجارب « الحوارية » من هذا النوع مستمرة إلى يومنا هذا »
ذكرني هذا النوع من الحوار، بالمقابلة التي أجراها الصحفي الأمريكي مارتن سميت مع أحمد الشرع عميد الثورة السورية، بحيث يبدو وكأننا بصدد استنطاق بوليسي وليس بحوار، وهو ما يبدو واضحا من خلال ملامحه قبل مضمون أسئلته التي تنم على اعتماد مقياس الذات الغربية المستعلية للحكم على الآخر، وبالمقابلة التي أجراها معه المحرر الدولي لبي بي سي، جريمي بوين الذي كان سؤال المرأة والخمر من الأسئلة التي تصدرت المقابلة، مباشرة بعد سؤال ملغم حول نيته في تولي رئاسة الحكم. وعلى الرغم من كون سؤاله عن وضعية المرأة يبدو مقتضبا، لكنه يحمل في طياته كل الأسئلة التي تم طرحها على الأمير عبد القادر وعلى ابن أبي الضياف قبل ما يزيد عن قرن ونصف من الزمان. وإذا كان مضمون السؤال لم يتغير باستثناء الشكل الذي يفرضه السياق، فإني أعتقد أن قائد الثورة السورية كان على وعي تام بمرماه عندما تجنب الإجابة التبريرية التي لا زال يعتمدها جل مسؤولي الدول العربية والإسلامية، وأحاله على واقع التعليم بالجامعات التي تم إنشاؤها بمدينة إدلب والتي تبلغ نسبة الفتيات فيها 60% ، أما مسألة الكحول فقد رد الأمر إلى اللجنة القانونية التي ستشرف على صياغة الدستور والمكونة من مرجعيات قانونية أصيلة من أهالي سورية.
ختاما أقول ليس عبثا أن يُركز الاستعمار الغربي على المرأة المسلمة، والعمل على إفسادها من خلال ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية على الدول المسلمة من جهة، وتجييش عدد كبير من الجمعيات النسائية، والحقوقية لفرض ما يسمى بالقيم الكونية من جهة ثانية، وبما أن السياق قد تغير من الانبهار بالصورة المزيفة التي رسمها الغرب لثقافته أيام الأمير عبد القادر، إلى التعرف على حقيقة وجهها البشع على أرض الواقع، كما عايشه العالم في غزة لمدة 15 شهرا، فإنه لم يعد مسموحا لكل من ينتسب إلى الإسلام، حكاما ومحكومين محاولة إرضاء الغرب، بتقديم أجوبة تبريرية تعمل على تقويض أحكامنا الشرعية، ولا يبقى سوى التمسك بثوابتنا القطعية، والعمل على تجاوز كل تلك الشوائب التي تُنسب للدين ظلما وزورا، دون خجل ولا مواربة، والوقوف ضد كل من يتخذ من المرأة طريقا لهدم مجتمعاتنا، ودفعها إلى الانقراض كما هو على وشك الحصول لدى عدد من المجتمعات الغربية.
الحسن جرودي
Aucun commentaire