المحاسبة ليست هي الإهانة والتشهير!
اسماعيل الحلوتي
بعد مرور يومين فقط على تخليد ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وبينما كان المغاربة قاطبة من طنجة إلى لكويرة يستعدون مساء يوم الاثنين 13 يناير 2025 للاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة 2975، فإذا بهم يفاجؤون بانتشار شريط فيديو على منصات التواصل الاجتماعي، يوثق بالصورة والصوت مهاجمة عامل صاحب الجلالة على إقليم سطات للمدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية عبد العالي اسعيدي، بأسلوب استفزازي غير مقبول في مغرب اليوم، ضاربا عرض الحائط بالمفهوم الجديد للسلطة الذي طالما نادى به عاهل البلاد محمد السادس، مما يذكرنا بذلك العهد البائد من القهر والقمع والتسلط الذي كان فيه رجال السلطة يعيثون في الأرض فسادا دون حسيب ولا رقيب.
وهو ما أثار ليس فقط حفيظة نساء ورجال التعليم وحدهم، بل جميع المواطنات والمواطنين المغاربة، الذين سارعوا إلى التعبير بشتى الوسائل عن استنكارهم الشديد لهكذا سلوك جائر، رافضين بقوة أن يتحول مفهوم « ربط المسؤولية بالمحاسبة » لدى بعض المسؤولين المستبدين إلى إهانة الأشخاص والمس بكرامتهم على رؤوس الأشهاد، مهما كان الموظف مستهترا ومقصرا في أداء واجباته وغير مقدر لمسؤوليته المهنية، مادامت هناك قوانين تسري على الجميع كبارا وصغارا دون أدنى تمييز.
وبصرف النظر عمن قام بالتوثيق لهذا الحدث المؤسف في شريط فيديو، وعن خلفيات نشره في هذه الظروف المميزة، فإن ما غاب عن ذهن عامل الإقليم هو أن جلالة الملك حفظه الله سبق له أن أعلن عن ميلاد عديد المشاريع فور اعتلائه عرش والده الراحل الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، رافقتها جملة من الإجراءات والقوانين الرامية إلى ترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والتي تتوخى أيضا تمكين كافة الهيئات المنتخبة والمؤسسات المحلية من أداء مهامها في أجواء مريحة وبعيدة عن كل أشكال الشطط والبيروقراطية، وكان وقتها قد حدد إطار هذا المفهوم الجديد للسلطة بوضع خطوطه العريضة في خطابه السامي ليوم 12 أكتوبر 1999 بمدينة الدار البيضاء، الموجه إلى جميع مسؤولي الإدارة الترابية وأطر الإدارة المركزية وممثلي المواطنين.
فالمفهوم الجديد للسلطة هو القطع بشكل واضح وصريح مع مختلف أساليب العمل الدنيئة من قمع وتسلط وترهيب وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات، حيث ركز على جميع مهام ومسؤوليات السلطة، التي يتعين بمقتضاها ضمان حماية الحريات الفردية والجماعية وصون كرامة الإنسان وحقوق المواطنين، وإتاحة الظروف المناسبة لتكريس دولة الحق والقانون وإنهاء زمن الاستبداد والطغيان. كما أن المفهوم الجديد للسلطة ارتبط برعاية وحماية المصالح العمومية ومتابعة حسن سير الشؤون المحلية عن قرب، بما يقتضي الأمر من سلوك حضاري وأساليب راقية، دون إغفال السهر على إشاعة الأمن والاستقرار وتشجيع المحافظة على السلم الاجتماعي.
ثم إن ما لم يستوعبه عامل سطات الحالي هو أن تعزيز ركائز دولة الحق والقانون، يقتضي الابتعاد عن الاستهتار بالسلطة والسلوكات الماضوية البغيضة، التي كان رجال السلطة يعتمدونها في خطابهم الفوقي وتصرفاتهم الرعناء. وإذا كان المفهوم الجديد للسلطة مقترنا أيضا بالمساءلة والمحاسبة من أجل تحسين الأداء المهني والاضطلاع بالمهام الموكولة إلى الموظف الحكومي أو أي مسؤول آخر كيفما كانت طبيعته على أحسن وحجه، فإن المساءلة والمحاسبة تتمان وفق آليات الضبط والمراقبة وتطبيق القانون الجاري به العمل، وليس عبر استعراض العضلات وممارسة العنف اللفظي والتشهير أمام المواطنين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي…
فالفصل الأول من الدستور ينص على أنه « … يقوم النظام الدستوري للملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة » وتعني مسؤولية الموظف العمومي أو الذي يعمل في قطاع خاص في سياق ربطها بالمحاسبة، التزامه بواجباته، فيما تتجلى المحاسبة في المرحلة الموالية للمسؤولية، من خلال الحكم على ما قام به الموظف من إنجاز أو تقصير، وتقديم التوضيحات المطلوبة كتابة وليس شفويا في شكل تقرير للجهات المعنية، هي من لها وحدها صلاحية اتخاذ ما يلزم من قرارات بنوع من الحكمة ودون أي تشنج مفرط.
إننا إذ نستنكر بشدة ما أتى به عامل سطات من أسلوب لا يرقى إلى مستوى من أنيطت به مسؤولية تمثيل الدولة بالإقليم، في حق المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية المشهود له بالكفاءة والإصرار المستمر على تطوير القطاع بالمنطقة وتحديث المنظومة التربوية، فضلا عن حرصه الشديد على الارتقاء بسير المؤسسات التعليمية وجعلها فضاءات ذات جاذبية، فإننا نرفض مثل هذه الأساليب من التجريح والتقريع التي عفا عنها الزمان، مادامت هناك عدة إجراءات إدارية كفيلة بتصحيح الأخطاء والتجاوزات في حالة وجودها، بدل اللجوء إلى الإهانة والمس بكرامة الأشخاص، ونطالب الجهات المسؤولة في وزارتي الداخلية والتربية الوطنية بالتدخل العاجل لاتخاذ ما تراه من قرارات مناسبة…
Aucun commentaire