أي إصلاح لأنظمة التقاعد؟!
اسماعيل الحلوتي
في سباق مع الزمن، وبعد أن أكملت بنجاح عملية دمج الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي « CNOPS » والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي « CNSS » ومصادقة مجلس النواب في مرحلة أولى على مشروع القانون رقم 15.97 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، تتهيأ الحكومة في السنة الأخيرة من عمرها إلى طي هذا الملف، والشروع مباشرة في إصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس في حدود عام 2028، ولاسيما بعدما سبق لها أن ضخت ملياري درهم سنة 2022 في الصندوق المغربي للتقاعد « CMR ».
حيث أن وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح أوضحت في معرض أجوبتها خلال جلسة الأسئلة الشفوية التي انعقدت بمجلس النواب في 31 دجنبر 2024 حول « إصلاح أنظمة التقاعد »، أن هذا الإصلاح المرتقب يرتكز على الأسس التي تم الاتفاق عليها في إطار الحوار الاجتماعي، والمتمثلة أساسا في إحداث قطبين عام وخاص، وتحديد آليات الانتقال إلى منظومة جديدة مع الحفاظ على الحقوق والمكتسبات، فضلا عن تحسين الحكامة. وقد تعهدت بتقديم عرض أولي خلال شهر يناير 2025، مقرة في ذات الوقت بأن الإصلاح الذي كان مرتقبا الكشف عن معالمه قبل نهاية سنة 2024 عرف تأخرا لمدة ثلاثة شهور، وأن الزيادة في الأجور مكنت من ربح سنتين أو ثلاث سنوات في هذا الملف الثقيل.
ويأتي إصلاح أنظمة التقاعد بناء على ما بات يتهدد صناديقها من إفلاس وشيك، إثر العجز المالي الذي ما انفك يتراكم سنة تلو أخرى، لذلك شرعت الحكومة في إعداد وصفتها التي ترى أنها الأنسب لإنقاذ هذه الأنظمة التي دخلت غرفة الإنعاش، وفق ما كشفت عنه عديد التقارير الرسمية، وذلك قصد ضمان ديمومة المعاشات للموظفين الذين سيحالون على التقاعد مستقبلا. وهي الوصفة التي تقرر عرضها على مختلف الفرقاء الاجتماعيين مع بداية السنة الميلادية الجديدة 2025، قبل القيام ببلورتها في مشروع قانون وتقديمه للبرلمان بمجلسيه خلال الدورة التشريعية القادمة. وحسب ما تسرب من معطيات تقترح الحكومة في وصفتها السحرية رفع سن التقاعد إلى 65 سنة مع إمكانية جعل هذا الإجراء اختياريا، والزيادة المساهمات المالية من طرف الدولة والمشغل والأجير، لتعزيز مداخيل الصناديق وضمان توازنها المالي، إضافة إلى تغيير طريقة احتساب المعاشات، وتسقيف الحد الأقصى للمعاش في نسبة 80 في المائة من الراتب الأخير.
فما هو يا ترى رأي المركزيات النقابية فيما تعتزم الحكومة القيام به لإصلاح أنظمة التقاعد الموشكة على الانهيار؟ !إنها تصر على ضرورة اعتماد منهجية تشاركية بدل اعتماد الأغلبية الحكومية، لأن إنجاح مثل هذا الورش الإصلاحي الهام يتطلب شراكة شفافة بين الحكومة والنقابات، وإشراك جميع الأطراف المعنية بما فيها الشغيلة والأجراء والفرقاء الاجتماعيون، قبل عرض مشروع الإصلاح على مجلسي البرلمان، لما من شأنه حماية حقوق الشغيلة والمتقاعدين وضمان استدامة الصناديق، تفاديا لأي احتقان اجتماعي ممكن أو انزلاقات غير محمودة، تنعكس سلبا على البلاد والعباد…
وفضلا عما سلف ذكره، تطالب النقابات بالكشف عن طبيعة الدراسات التشخيصية والاستشرافية المرتبطة بمشروع إصلاح أنظمة التقاعد، وضرورة بحث السبل الكفيلة بابتكار حلول شاملة ومتوازنة، تقي الموظفين من تحمل أعبائه وحدهم، وتحافظ على استدامة صناديق التقاعد، والحرص كذلك على تعزيز السياسة التدبيرية والاستثمارية للاقتطاعات والمساهمات، بما يحقق أرباحا مهمة تضمن استمرار هذه الصناديق. وأن تتم مراعاة الظروف الشخصية للموظفين في حال الرفع من سن التقاعد، دون إغفال الزيادة في الحد الأدنى للمعاشات في القطاعين العام والخاص، حتى يمكن مساواتها بالحد الأدنى للأجور، لأنه لم يعد معقولا ولا مقبولا أن يستمر المتقاعد المغربي في تلقي منحة شهرية هزيلة، لا تتجاوز 1500 درهم في ظل ما تتطلبه حالته الصحية من مصاريف إضافية للعلاج، وما باتت تعرفه جل المواد الأساسية والغذائية من ارتفاع صارخ في الأسعار…
ففي المقابل يرى المجلس الأعلى للحسابات بأنه من غير الممكن ضمان ديمومة منظومة التقاعد على المدى الطويل ، دون التعجيل بتنزيل ورش الإصلاح الهيكلي لنظام التقاعد، وخاصة على مستوى توسيع دائرة الانخراط في أنظمة التقاعد ابتداء من سنة 2025، ليشمل كذلك الأشخاص الذين يمارسون عملا دون الاستفادة من أي معاش، مشيرا إلى أن الإصلاحات المعيارية التي شملت نظام المعاشات المدنية بالصندوق المغربي للتقاعد منذ سنة 2016 والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد خلال سنة 2021، لم تحقق ما كان منتظرا منها من توازنات مالية لهذه الأنظمة، مما أدى إلى اقتراب نفاد احتياطاتها.
إن الأمل معقود على أن تبذل الحكومة والنقابات وأرباب العمل المزيد من الجهود في اتجاه تدارك الوقت الضائع، حيث كان يفترض تشكيل لجنة خاصة بتقديم مقترحات الحكومة للنقابات من أجل إبداء الرأي فيها فور توقيع الاتفاق الاجتماعي خلال السنة الماضية، والعمل سويا على رفع التحديات الي تحول دون الوصول إلى توافق يفضي إلى الموازنة بين الحفاظ على استدامة الصناديق وحماية حقوق الأجراء وقدرتهم الشرائية، والحرص على حسن تدبير مدخرات صناديق التقاعد وعدم المس بالمعاشات الحالية.
Aucun commentaire