Home»Débats»المغرب يصوِّت على إيقاف عقوبة الإعدام، بينما الولايات المتحدة تُنفذها!!!

المغرب يصوِّت على إيقاف عقوبة الإعدام، بينما الولايات المتحدة تُنفذها!!!

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

المغرب يصوِّت على إيقاف عقوبة الإعدام، بينما الولايات المتحدة تُنفذها!!!

يُعتبر قتل النفس في الدين الإسلامي من أبشع الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الإنسان، ذلك أن قتل نفس واحدة بغير حق أو فساد في الأرض يعادل قتل الناس جميعا، مصداقا لقوله تعالى﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾، ومن هذا المنطلق كان لا بد على مسؤولي الدول الإسلامية على الخصوص اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي هذا النوع من الجرائم، حتى إذا ما وقعت تعين آنذاك الحكم بما أنزل الله مصداقا لقوله تعالى في الآية 45 من سورة المائدة: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾، مع أخذ القاعدة الفقهية القائلة « الخطأ في العفو أولى من الخطأ في العقوبة » بعين الاعتبار عندما يكون الغموض سيد الموقف، لكن عندما يتم التأكد من القتل العمد مع سبق الإصرار دون تمييز بين المحارب والمسالم ولا وبين الراشد والرضيع، فلا يمكن لعاقل أن يقبل بغير تطبيق الإعدام في حق الذين يمارسون هذا النوع من القتل، فأي عقوبة يمكن إصدارها في حق المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عن تقتيل أهل غزة، وأهل الشام وأهل لبنان…غير عقوبة الإعدام.

ومن غريب الصدف، حتى لا نقول من ترتيبها، أن المغرب صوت بالإيجاب على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإيقاف العالمي لعقوبة الإعدام في هذا الوقت بالذات، مع العلم أنه لم تنفذ منذ سنة 1993 على الرغم من وجود ما يقارب 124 محكوم بالإعدام منذ ذلك الوقت إلى عهد قريب. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا عدم التنفيذ والأحكام قائمة؟ هل بسبب وجود ثغرات في الأحكام؟ وهذا ممكن، بالنسبة لبعض الحالات الاستثنائية، أما وجودها في 124 حالة، ولمدة تزيد عن الثلاثين سنة، فذلك من العبث الذي لا يمكن استساغته، أم بسبب وجود ضغوط على السلطة التنفيذية، وهذا ممكن أيضا، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب القانون الجنائي المعمول به حاليا من جهة، ولا على حساب الانسجام الداخلي للدستور نفسه الذي ينص بصريح العبارة على أن الإسلام هو دين الدولة، مما يرغمها على تطبيق أحكامه، خاصة وأن أحكام القانون الجنائي في هذه الحالة بالذات تتطابق معها، ولعل هذا الافتراض هو الأقرب للصواب من افتراض وجود ثغرات في الأحكام، لسبب رئيسي يتمثل في محاولة الدستور الجمع بين متناقضين بخصوص أولوية الأحكام، أهي للقوانين الوطنية المستمدة من الشريعة الإسلامية، أم للقوانين المسماة كونية من خلال ما جاء في تصديره بأن « المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة… » من جهة، وبأنها  » تؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا » من جهة ثانية. والأدهى من ذلك ما ورد في النقطة الأخيرة من التصدير حيث نقرأ ما يلي: « جَعلُ الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة ».

وإذا كان عدد غير قليل من علمانيينا، ومجموعة من الجمعيات الموسومة بالدفاع عن حقوق الإنسان قد طبَّلوا كثيرا لهذا التصويت، معتبرين إياه حدثا تاريخيا منسجما مع مقتضيات الدستور، انطلاقا في الفقرة المشار إليها أعلاه، حتى أن رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ذهبت في تأييدها لهذا التصويت حد التطرف، عندما صرحت بما يلي » نحن اليوم نقرّر أن الإنسان المغربي لديه حق معترف به في الحياة؛ وآمل أن ينتهي هذا النقاش قريبًا ضمن مراجعة مدونة القانون الجنائي وبقية القوانين التي تتضمن هذه العقوبة ». معممة قولها على الإنسان المغربي في الوقت الذي كان عليها أن تقول: « نحن اليوم نقرّر أن المجرم المغربي لديه حق معترف به في الحياة مهما فعل ». وقد كان بودي أن أسألها عن الواجب الذي أداه هذا المجرم مقابل الاعتراف له بحقه في الحياة؟ ثم ما طبيعة هذه الحياة المعترف له بها؟ أهي حياة السجن المؤبد، على غرار ما شوهد في سجون آل الأسد، بكل ما تزخر به من أنواع التعذيب والتنكيل؟ وفي هذه لا أشك أن السجين نفسه، إذا كان هذا هو المقصود بحقه في الحياة، سيؤثر الإعدام عليها، أم هي حياة السجن الخالي من كل أنواع التعذيب، مع توفير كل مستلزمات الحياة من مأكل ومشرب وتطبيب وممارسة الرياضة… ولعل هذا مطلوب لغير محترفي القتل والفساد في الأرض، أما ما عدا ذلك فقد يكون حافزا مُهِمّا لاحتراف القتل العمد، خاصة لدى تلك الشرائح المجتمعية التي وجدت وستجد نفسها على هامش المجتمع، بسبب فشو التفاهة بكل مستوياتها، ثم من أين للدولة من المصاريف التي ستنفقها على هؤلاء؟

استغربت فيما سبق لتصويت المغرب على هذا القرار، ذلك أنه لو جاء في الوقت الذي كان للأمم المتحدة وهيئاتها نوع من المصداقية، حين كان الغرب يُبدي انسجاما مصطنعا مع ما يطلقون عليه الحقوق الكونية، لكان بالإمكان استساغته منطقيا، في تغافل متعمد للأحكام الشرعية، التي لا يمكن لأمة تنتسب للإسلام أن تجد طريقا إلى العزة في غيابها، عملا بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: « نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله ». أما وقد ظهرت سوءة النظام العالمي الذي يقوده الصهاينة برعاية من الولايات المتحدة والغرب عموما، من خلال سماحه، بل وتبنيه للإبادة الجماعية في غزة، وقتل الأبرياء في سوريا والعراق ولبنان… دون أي تأثير لأي من القرارات التي أصدرتها مختلف الهيئات الأممية، حتى يُخيل وكأنها مسرحيات محبوكة الأدوار، فيبدو أنه من الخطأ محاولة السير في طريق تنكَّب عن سلكها الدعاة إليها، ولعل تنفيذ الولايات المتحدة لأربعة وعشرين إعداما خلال هذا العام، واختيارها لهذا الوقت بالذات لتنفيذ عملية الإعدام في حق رجل من ولاية إنديانا، لدليل عملي على عدم اقتناعهم بهذه الحقوق، التي يبين الواقع أنها وُضعت لابتزاز البلاد المستضعفة، مستعملة في ذلك مختلف آليات الابتزاز، التي يدخل في إطارها ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني، وجمعيات حقوق الإنسان، لينطبق عليها قول الشاعر أبو الأسود الدؤلي مع شيء من التغيير ليصبح « لا تأمر بخلق وتأتي عكسه … عارٌ عليك إذا فعلت عظيم » *

في الأخير لا بد من التأكيد على أن وصف العلمانيين عندنا، مُسانَدين في ذلك بعدد من جمعيات حقوق الإنسان، ووزير العدل على أن التصويت بالإيجاب على قرار منع عقوبة الإعدام بالحدث التاريخي، بأنه حدث تاريخي بالفعل، لكن بمفعول سلبي، على غرار قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني وفرنسة التعليم وقرار الترخيص لزراعة القنب الهندي، ولست أدري ماذا بقي لهم لوصف قرار المصادقة على المثلية إن وقع لا قدر الله، وسوف لن يقع ما دام في المغاربة رجال لا يرضمون بالدنية ولا يقبلون بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم.

* البيت الشعري الأصلي هو : « لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عارٌ عليك إذا فعلت عظيم »

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *