المنصوري تبرئ الحكومة من أحداث الفنيدق!
اسماعيل الحلوتي
مثل كل الذين تعاقبوا على تدبير الشأن العام من وزيرات ووزراء، أبت فاطمة الزهراء المنصوري وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، عمدة مراكش ومنسقة القيادة الجماعية لحزب « الأصالة والمعاصرة » إلا أن تحمل الحكومات السابقة مسؤولية التراكمات التي أدت إلى اندلاع أحداث الفنيدق، جراء عدم اهتمامها بفئة الشباب.
ذلك أنها خلال الجلسة الافتتاحية للجامعة الصيفية لحزبها، التي نظمت في مدينة بوزنيقة خلال نهاية الأسبوع ما قبل الأخير من شهر شتنبر، لم تجد من وصف لأولئك الشباب والقاصرين الذين حاولوا في إطار الهجرة الجماعية غير النظامية اقتحام السياج الحدودي الفاصل بين مدينتي الفنيدق وسبتة المحتلة يوم الأحد 15 شتنبر 2024 عدا أنهم فئة من المغرر بهم، حيث قالت بواضح العبارة: « هؤلاء شباب تم استغلال رغبتهم الجامحة والقوية في العبور نحو أوروبا والتغرير بهم قصد الإساءة لصورة المغرب »
صحيح أن النجاحات التي ما انفكت بلادنا تحققها تحت القيادة الرشيدة للملك الملهم محمد السادس، أصبحت كما قالت تثير ضغينة أعداء الوطن، الذين يحرصون على تصيد الفرص من أجل زعزعة استقرار الوطن. واتهمت في هذا السياق جهات دون أن تسميها، بالوقوف خلف الدعوة إلى الهجرة الجماعية بالقول: « رغم معرفتنا جميعا أن هناك من استغل هؤلاء الشباب، إلا أنني أرفض الاختباء وراء أعداء الوطن، وأؤكد أن ما وقع شمال بلادنا يسائلنا جميعا كفاعلين سياسيين ومنتخبين، وكأسر ومؤسسات، ويتطلب انخراطا أكبر لكل مكونات بلادنا في بناء جهود تنموية إضافية وسياسات اجتماعية جبارة »
بيد أن ما ليس صحيحا هو أن تحاول تبرئة الحكومة التي هي عضوة فاعلة فيها من مسؤوليتها فيما حدث بمنطقة الفنيدق وما يجري من تهميش وإقصاء في سائر مناطق المملكة وخاصة النائية منها، لأن الحكومة هي الجهة الوحيدة الموكول إليها مسؤولية ضمان الشغل للشباب العاطلين وصون كرامة المواطنين، بدل البحث عن شماعات لتعليق المشاكل المتراكمة عليها. ثم ألم يكن رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش عضوا في الحكومات السابقة، وهو الذي أشرف على إطلاق مخطط « المغرب الأخضر » في سنة 2008، وهو المخطط الذي لم يعمل سوى على تكريس مصلحة كبار الفلاحين واستنزاف ميزانيات ضخمة من المال العام، دون أن يحقق الأهداف المرجوة في تلبية حاجات المغاربة من المواد الفلاحية، والحيلولة دون الهجوم على قدرتهم الشرائية؟
فهل نسيت المنصوري التي تحاول تبرئة الحكومة مما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من تدهور خطير في ظل انتشار الشعور بالإحباط واليأس في أوساط الشباب، جراء ارتفاع نسبة التضخم ومعدلات الهدر المدرسي والبطالة وغلاء الأسعار، أنه في الوقت الذي كانت فيه قوات الأمن المغربية تتعرض للرشق بالحجارة من طرف المهاجرين السريين المفترضين في منطقة الفنيدق، كان رئيس الحكومة عزيز أخنوش يرقص مع شبيبة حزبه على أنغام أغنية رديئة خلال الدورة الخامسة للجامعة الصيفية لشباب حزبه، التي قال في جلستها الافتتاحية مساء يوم الجمعة 13 شتنبر 2024: « الحكومة حققت ثورة اجتماعية غير مسبوقة، وجعلت من المغرب أول دولة اجتماعية في القارة الإفريقية »؟
إذ أنه بعيدا عما لأحداث الفنيدق من تجاوزات وتداعيات، فإنه من الصعب النفاذ إلى أعماق المشاكل المطروحة واجتراح الحلول المناسبة ما لم تتوفر الحكومة عن إرادة سياسية قوية وخاصة في القطاعات الاجتماعية كالتعليم والصحة والتشغيل والتنمية القروية، ولاسيما أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي دق ناقوس الخطر، حين أكد في أحد تقاريره الأخيرة بعنوان « شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين » على وجود زهاء أربعة ملايين من الشباب المغاربة، ممن تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، يوجدون خارج نطاق منظومة التعليم والتكوين وسوق الشغل، مما يتضح معه ضعف السياسات العمومية الرامية إلى تحقيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئة الهشة من الشباب…
فماذا أعدت حكومة أخنوش من خطط حقيقية للحد من معضلة الهدر المدرسي وتقليص معدلات البطالة في أوساط الشباب وخاصة ذوي الشهادات العليا، وهي التي حرمت عشرات الآلاف من خريجي الجامعات المغربية من اجتياز مباراة الالتحاق بالعمل في سلك التعليم، من خلال إضافة شرط عدم تجاوز المرشح ل »30″ سنة من عمره؟ وهل لها من الإرادة السياسية الكافية في مكافحة الفساد واقتصاد الريع، حتى يتأتى للاقتصاد الوطني إمكانية الإسهام بفعالية في خلق مناصب الشغل والحد من الفوارق المجالية، التي تجعل عدة مناطق مغربية محرومة من ثمار التنمية، وهي التي صادقت في 29 أغسطس 2024 على مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي تنص بعض مواده على تجريد وحرمان المجتمع المدني من أية إمكانية أو وسيلة لمكافحة الفساد والتبليغ عن المفسدين؟
إنه من غير الممكن الاستمرار في محاولة استغباء المواطنين، من خلال ادعاء رئيس حزب « الحمامة » بأن « حكومته حققت ثورة اجتماعية غير مسبوقة، وجعلت من المغرب أول دولة اجتماعية في القارة الإفريقية » في الوقت الذي يخاطر فيه آلاف الشباب بأرواحهم هروبا من قيود التهميش والفقر والبطالة، في ظل سياسات التيئيس والتجويع التي ساهمت بكثير في انحراف الشباب وتقويض القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، والإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية والحقوقية…
Aucun commentaire