من ضحايا البرامج والسياسات الحكومية الفاشلة!
اسماعيل الحلوتي
بانزعاج شديد قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش يوم الخميس 9 ماي 2024 إبان مناقشة الحصيلة المرحلية لحكومته أمام مجلس المستشارين، بأنه كان يتمنى لو أن رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، رضا الشامي القيادي السابق في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أصدر تقريره بخصوص ظهور « أفواج جديدة من الشباب الضائعين » في ظرفية عادية، وليس ليلة عرض حصيلة منتصف الولاية الحكومية. حيث كشف التقرير عن وجود 4,3 ملايين من الشباب المغربي لا يشتغلون وغير ممدرسين، ولا يستفيدون من أي تكوين مهني، رافضا بذلك أي توظيف سياسي يستهدف حكومته.
ففي رأي حديث له تحت عنوان « شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين: أي آفاق للإدماج الاقتصادي والاجتماعي؟ »، رصد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وضعية 1,5 من الشباب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة يوجدون خارج نطاق منظومة التعليم والتكوين وسوق الشغل، مؤكدا أن حجم هذه الظاهرة يظهر بجلاء محدودية السياسات العمومية الهادفة إلى تحقيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب عموما، ولاسيما بالنسبة لهذه الفئة الهشة في المجتمع.
وأضاف بأنه يمكن الوقوف عند ثلاثة انقطاعات حاسمة، ويتعلق الانقطاع الأول بالهدر المدرسي ما بين مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي والتعليم الثانوي التأهيلي، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن هناك زهاء 331 ألف تلميذ يغادرون مقاعد المدرسة سنويا، جراء عدة أسباب من أبرزها الرسوب المدرسي والصعوبات المرتبطة بالوصول إلى المؤسسات التعليمية، خاصة بالنسبة لتلاميذ العالم القروي، بالإضافة إلى النقص الحاصل في عروض التكوين المهني.
فيما يتمثل الانقطاع الثاني في الانتقال من الحياة الدراسية إلى سوق الشغل، إذ يصطدم 6 من أصل 10 شباب عاطلين والباحثين عن أول فرصة شغل، بعدد من الإكراهات التي تؤدي إلى إصابتهم بالإحباط، وهو الأمر الذي يعود بالأساس إلى عدم ملاءمة التكوين مع متطلبات سوق الشغل، فضلا عن الفعالية المحدودة لخدمات الوساطة في مجال التشغيل.
أما الانقطاع الثالث والأخير، فهو ذلك المرتبط بالانتقال بين وظيفتين بسبب فقدان الشباب لوظائفهم أو توقفهم طواعية عن العمل بحثا عن فرص أفضل. حيث أنه إلى جانب الأسباب العرضانية المتعلقة بتقلبات الظرفية وهشاشة النسيج المقاولاتي، هناك كذلك انقطاع المسار المهني للشباب الذي يعزى إلى أسباب مرتبطة بعدم احترام شروط الشغل اللائق، ناهيك عن تدني مستويات الأجور بالمقارنة مع مؤهلاتهم وكفاءتهم…
ولم تقف هذه المؤسسة الدستورية عند حدود التشخيص فقط، بل أوصت بتبني مقاربة دامجة ترتكز على عدة محاور من أجل تعزيز قدرات الفئات الهشة من الشباب عبر إنشاء نظام معلوماتي وطني وذي امتداد جهوي لتتبع مساراتهم، وضع تدابير وقائية وضمان إلزامية التعليم حتى سن السادسة عشرة من العمر، اقتراح التدابير اللازمة للتأهيل وإعادة الإدماج مع تقوية دور الأسر والأطراف المعنية محليا، إرساء منظومة موسعة لاستقبال هؤلاء الشباب الضائعين وإيجاد حلول ملائمة لمختلف وضعياتهم، توفير مواكبة مناسبة لوضعياتهم وحاجياتهم، تحسين خدمات وبرامج إدماجهم في سوق الشغل من حيث الجودة والفعالية والتنسيق المستمر بين مختلف الفاعلين المعنيين.
من هنا وبالعودة إلى مداخلة رئيس الحكومة خلال مناقشته الحصيلة المرحلية لحكومته، نرى أنه لم يستسغ ليس فقط ما ورد في تقرير مجلس رضا الشامي، بل حتى التوقيت الذي تم فيه إصداره، منتقدا بشدة ما جاء به من حلول تبدو غير مقنعة ولا يمكن لحكومته الوثوق بها والاشتغال على تنفيذها، مؤكدا على أن التحالف الحكومي الثلاثي لم يكتف بتشخيص الوضع وحسب، وإنما سارع إلى وضع برنامج متكامل، يرمي إلى تقليص الهدر المدرسي إلى الثلث، بتوفير الداخليات والنقل والإطعام المدرسيين وغيرهما…
وبصرف النظر عما إذ كان صدور تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتزامن مع مناقشة الحصيلة المرحلية لمنتصف الولاية الحكومية، لا يعدو أن يكون سوى نوعا من المزايدات السياسوية وتصفية الحسابات بين المعارضة والأغلبية، فإن ما لا يمكن نفيه هو أن هناك 1,5 مليون عاطلا عن العمل من الشباب البالغين ما بين 15 و24 سنة، لا ينتمون لفئة التلاميذ والطلبة ولا لفئة المتدربين في التكوين المهني، ويصل هذا الرقم إلى 4,3 مليون من الفئة العمرية ما بين 15 و34 سنة، مما يستدعي التدخل العاجل لإيجاد حلول ملائمة لهم قبل أن يتحولوا إلى قنابل موقوتة، يمكنها الانفجار في أي لحظة…
وعلى أصحاب القرار السياسي في البلاد اتخاذ العبرة من هكذا أرقام صادمة من الشباب الضائعين، والانكباب بجدية على إعادة النظر في السياسات العامة وتلك البرامج « الإصلاحية » التي استنزفت ميزانيات ضخمة من المال العام دون جدوى، والحرص على النهوض بالشباب وحسن تكوينهم ومتابعة تداريبهم، وتغيير الحكومة منهجيتها في التعاطي مع مشاكل منظومة التربية والتكوين، تجنبا لتكرار ما سبق اعتماده من تجارب فاشلة…
Aucun commentaire