تخربيق فني… تفاهة وهراء
عبد الله لخطاب
الفن نشاط الانساني جميل و ممتع و وسيلة فعالة لإثارة الاحاسيس و إيصال الرسائل بشكل ضمني و سلس يروق للمتلقي و في هذا تكمن قوة تأثير الفن و أهمية استعماله و ما اثير في الشهور الماضية من تفاعل ونقاش حول انتاجات محسوبة على الفن يؤكد هذه الفكرة و يبرز حساسية بعض الأوساط في المجتمع حيال محتوى الاعمال الفنية الجديدة.
اغنية كبي اتاي التي وصلتنا من مدينة فاس العالمة منتوج محسوب على لون موسيقي حديث و مختلف شكل قطيعة مع ما هو معروف كالموسيقى الكلاسيكية و الموسيقى الشعبية فأغاني هذا الفن تختلف ايقاعا و مضمونا و اداء و هو خلاصة ما انتجه السياق الاجتماعي و الفني في الغرب أما هنا في بلدان التبعية و التابعين فالشباب اسقطو السراويل الفضفاضة تقليدا و غنو الهيب هوب والراب محاكاة والأغنية التي نحن بصددها والتي اثارت جدلا فنيا وقانونيا محتواها عنيف خال من المعنى يستخدم لغة ساقطة والفاظا بذيئة وينهل من لغو المنحرفين هذا الأسلوب السمج و الممجوج يعتمد الإثارة.
ومن اجل الكشف عن هذه الرداءة و فضح تخلفنا في هذا الفن نستحضر هنا نماذج من الضفة الشمالية للمتوسط و فرنسا تحديدا حيث انتشر هذا الفن و برز فيه شباب غنوا لقضايا المجتمع كاري جيمس مثلا يغني عن مواضيع تهم الضواحي و اللامساواة في المجتمع الفرنسي والمدرسة و حياة الهامش بخطاب محفز ينشر الوعي و يحذر من الظواهر المرضية. في سنة 2005 كان رده باغنية على نعت الرئيس الفرنسي ساركوزي لشباب الضواحي بالحثالة كان بمثابة بيان سياسي في قالب فني جميل جمع فيه بين عمق المحتوى و جمالية الإيقاع . غنى أيضا عن الديموقراطية والعنصرية والاستعمار في اغنيته » رسالة الى الجمهورية ». العناوين وحدها تعكس فرقا في الذوق و المعنى.
كوميديا رمضان هي أيضا اثارت جدالا و جددت الانتقادات الموجهة للأعمال الفنية حيث وجه العديد من الأساتذة انتقادات لاذعة لسلسلة ولاد يزة و صرح الأستاذ الجامعي قصوري أن نسبة العنف اللفظي و الجسدي فيها مرتفع و مقصود حيث أن مشاهد العنف الممارس على الممثل الذي لعب دور المعلم تكررت في جميع الحلقات و مظهره بشعر اشعث وملابس مضحكة و ايماءاته فيها إشارات ضمنية للمشاهد ويكرس التمثلات السلبية عن المعلم و النظرة الدونية الى هذا الموظف النبيل أما الحوار فقد عمق الفكرة و أوضح الصورة التي أرادو أن يظهر بها المعلم في السلسلة وهي صورة مشوهة ستؤثر حتما في تصورات المتلقي و بالتالي قد تترجم واقعيا الى سلوكات فيها عنف ضد الأستاذ و من خلاله المدرسة و التعليم .
إن بعض العروض التي تعرض في رمضان لا تستجيب الى انتظارات المشاهد المغربي لأن بنائها الفني غير ذي معنى وتطغى عليه السطحية ولا زال فعل الإضحاك فيها مؤسسا على أسلوب فاشل فيه إسهال في الكلام و الصراخ و تعواج الفم .هذا الضجيج و هذه البهلوانيات لا تثير الفرجة بقدر ما تثير امتعاض الجمهور و سخطه .
في خضم هذا المشهد الفني الذي يغلب عليه العبث و تبرز فيه الى السطح التفاهة و الإسفاف نحتاج الى التفكير في اصلاح مبني على سياسة ثقافية ترتقي بالإنتاج الفني وتشجع الاعمال الذكية و الجميلة المؤسسة على عمق في الفكرة و رسالة في المضمون ولا يمكن ان نرتقي بالذوق و الوعي في المجتمع دون حرية و دون تطوير للثقافة يقول المفكر و الاديب الروسي العملاق تولستوي عن الفن في خاتمة كتابه « ما الفن ? » كلاما مكثفا يحمل الكثير من المعاني ويصلح لأن يكون إطارا فلسفيا وأخلاقيا للأعمال الفنية: )) إن الفن بوسعه أن يثير الإجلال تجاه قيمة كل إنسان و حياة كل حيوان بوسعه أن يثير شعور الخجل من البذخ و العنف والإنتقام ومن استخدام المواد الضرورية لحياة الاخرين من أجل المنافع الخاصة بوسع ذلك الفن أن يرغم الناس على التضحية بحرية و سعادة في سبيل خدمة الاخرين(( .
Aucun commentaire