إسكوبار القلعة الحمراء أمام القضاء!
اسماعيل الحلوتي
بينما الرأي العام الوطني منشغل هذه الأيام بمسلسل الإضرابات التي شلت مؤسسات التعليم العمومي ببلادنا على مدى أزيد من شهرين، مما فوت على أزيد من سبعة ملايين متعلمة ومتعلم عشرات الحصص الدراسية، وخاصة أولئك الذين سيخضعون إلى امتحانات إشهادية في آخر السنة الدراسية، ما لم يتم الإعلان عن « سنة بيضاء »، في حالة عدم إيجاد حلول مرضية واستمرار حالة الاحتقان في الساحة التعليمية…
وفي الوقت الذي يجري فيه الحديث عن اتخاذ مكتب مجلس النواب خلال اجتماعه المنعقد يوم الثلاثاء 19 دجنبر 2023 قرارا بعرض أسماء أربعة نواب برلمانيين على المحكمة الدستورية من أجل تجريدهم من عضوية المجلس على إثر صدور قرارات عزل في حقهم من مسؤولياتهم الانتدابية، بسبب صدور أحكام ضدهم تتعلق بالنسبة للأول الذي يتابع في حالة اعتقال بتهمة « تبديد أموال عمومية والاختلاس والتزوير في محررات رسمية والارتشاء »، والثاني بشبهة وجود « خروقات في تدبير قطاع النظافة وتضارب المصالح »، والثالث الذي يوجد خلف القضبان بتهمة « إعداد منزل للدعارة والتحريض عليها »، فيما صدر حكم بالسجن النافذ لمدة سنة في حق الرابع بتهمتي « الابتزاز والارتشاء »…
فإذا بالشارع المغربي عامة والجمهور الرياضي خاصة يهتز على وقع فضيحة من العيار الثقيل، يعد رئيس نادي الوداد الرياضي البيضاوي لكرة القدم سعيد الناصري أحد أبرز أبطالها، الذي تم اعتقاله ليس بسبب تلاعب في نتائج مباريات البطولة الاحترافية أو في قضايا أخرى ترتبط بالمجال الرياضي، وإنما بتهم تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات وغسل الأموال. ترى أي علاقة تجمع بين الرياضة والمخدرات؟
ذلك أن وسائل إعلام وطنية أفادت أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية وبعد قضائها فترة أبحاث حول اتهامات خطيرة تتعلق أساسا بالاتجار الدولي في المخدرات وتبييض الأموال والتزوير في محررات رسمية، أحالت يوم الخميس 21 دجنبر 2023 على الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء كل من البرلماني السابق ورئيس مجلس عمالة الدار البيضاء، سعيد الناصيري رئيس نادي الوداد البيضاوي، إلى جانب عبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق، وذلك عقب الاستماع لحوالي 25 شخصا من ضمنهم شخصيات عمومية، بعد الاعترافات التي أدلى بها أحد بارونات المخدرات المعروف إعلاميا بلقب « إسكوبار الصحراء » المعتقل حاليا في سجن « عكاشة » بالدار البيضاء. وبعد إحالة المتهمين على قاضي التحقيق، قرر هذا الأخير في الساعات الأولى من يوم الجمعة 22 دجنبر 2023 إيداع سعيد الناصيري السجن ومتابعته في حالة اعتقال، بسبب الاشتباه في تورطه مع بارون المخدرات.
فاستنادا إلى ما كشفت عنه مجلة « جون أفريك » الفرنسية، يعود سبب اعتقال الناصيري ومن معه إلى ما وجه إليهم من اتهامات خطيرة من طرف بارون المخدرات المدعو الحاج أحمد بن إبراهيم، الذي وصفته ب »بابلو إسكوبار » لما كان يقوم به من عمليات دولية ضخمة شملت دولا كثيرة عبر العالم، تهم بالأساس تهريب المخدرات وخصوصا الكوكايين. وهو مواطن منحدر من دولة مالي وذو أصول مغربية اشتهر في بداية الأمر بدعم فريق محلي بمدينة وجدة حيث مسقط رأس والدته، قبل أن يمر إلى التعاون مع عديد القادة السياسيين من شمال المغرب إلى جنوبه، وقد سبق أن جرى توقيفه سنة 2015 بموريتانيا وبحوزته 3 أطنان من الكوكايين، ثم اعتقل سنة 2019 بمدينة الدار البيضاء ووضع في سجن الجديدة…
وهي الفضيحة التي بقدر ما شكلت صدمة قوية لعديد المواطنات والمواطنين في الأوساط الرياضية، بقدر ما خلفت ارتياحا كبيرا في صفوف المغاربة وأعادت لهم الأمل في أن المغرب فعلا دولة الحق والقانون ويحترم مبدأ المساواة أمامهما، وأنه لا أحد فوق القانون مهما كانت صفته ومسؤوليته، ولا يمكن له الإفلات من العقاب عند تورطه في شبهة فساد أو ارتكاب جريمة كيفما كان نوعها، ولاسيما أن من بين المتابعين في هذه الفضيحة المدوية، هناك شخصيات سياسية وعمومية بارزة لم يكن الكثيرون يتوقعون أن تتعرض يوما للمساءلة والمحاسبة ويطولها الجزاء القانوني، الذي يجري على عموم المواطنين البسطاء في عدة مناسبات، بسبب ما تتوفر عليه من نفوذ وحصانة مطلقة.
إننا وفي انتظار أن تقول العدالة كلمتها في حق « إسكوبار القلعة الحمراء » والمتورطين معه، نثمن عاليا مثل هذه القرارات المتعلقة بمتابعة شخصيات وازنة على المستويين السياسي والمالي، نأمل في أن تتظافر جهود الجميع من أجل التصدي لكل من تسول له نفسه اتخاذ العمل السياسي مطية لممارسة الفساد، ومنه جريمة تبييض الأموال التي تعد من الجرائم البالغة الأثر في مجال المعاملات الاقتصادية، حيث يتم اللجوء إليها قصد إضفاء الشرعية على تلك الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات والحبوب المهلوسة…
Aucun commentaire