من المطالبة بالرضائية إلى المطالبة بفيتو لإثبات العنف ضد النساء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
من المطالبة بالرضائية إلى المطالبة بفيتو لإثبات العنف ضد النساء
على الرغم من انكشاف الوجه الحقيقي للغرب ولقيمه الفاسدة، بحيث أثبتت أحداث غزة، مما لا يترك مجالا للشك عند كل ذي عقل حصيف، ذهاب آخر قشرة من طلاء وبريق تلك المبادئ التي يتغنى بها والتي يعمل بكل ما أوتي من خبث ومكر لفرضها على العالم. وفي الوقت الذي تَبَرَّأ منها عدد كبير من أبناء الغرب أنفسهم، نجد أن عددا من أبناء جلدتنا الذين باعوا أنفسهم للشيطان لا يزالون يتشبثون بها، ويحاولون الدفاع عنها بكل الطرق والوسائل التي يُمَدُّون بها، حتى وإن أدى ذلك إلى الجمع بين المتناقضات ضدا على قواعد المنطق، من ذلك على سبيل المثال ما جاء في المقال المنشور بالجريدة الإلكترونية المعروف توجهها العلماني بتاريخ 28.11.2023 تحت عنوان: « حقوقيات يطالبن برفع « عبء الإثبات » عن النساء ضحايا العنف والاغتصاب » الذي يمكن تلخيصه فحواه في ابتداع ناشطة حقوقّية عضو في ائتلاف 490 لحل سحري يحول دون « صعوبة إثبات العنف » بالنسبة للنساء « المعنفات »، يتمثل في « الاعتماد في أحيان عديدة على تصريحات الضحايا حصرا، لكن بالاستعانة بالخبرة النفسية »، ومع علمها بالصعوبة القانونية التي يطرحها اعتماد التصريحات فقط، اقترحت أن تتم « قراءة الموضوع بحسن نية حتى لا يجري تعويم النقاش ».
مما يفهم من هذا الكلام أن العنف الذي يندرج التحرش ضمنه، يستهدف النساء دون الرجال، مع العلم أن الواقع المعيش لا تعوزه أمثلة للرجال المُعنفين من قبل النساء، ناهيك عن العنف المادي والنفسي الذي يتعرض له العديد من « الرجال » بسبب ضيق ذات اليد. فأي عنف أكبر من ذلك الذي يتعرض له رجل يجد نفسه عاجزا عن الاستجابة للحاجيات المادية لأسرته، من مسكن، وملبس، ومأكل، ومشرب، وتطبيب… لسبب من الأسباب، إما لأنه فقد عمله، أو لأن راتبه استنزفته الزيادات الصاروخية التي عرفتها كل مناحي الحياة، أهمها تلك التي طالت المواد الاستهلاكية الضرورية من خضر ولحم وزيت ووسائل التنقل إلى العمل…وقد يُفهم منه أن الرجال هم السبب في كل أنواع العنف الذي تتعرض له النساء، وهو تصور تُروج له جل الجمعيات النسوية، من أجل استعباد الرجل وإخضاعه لنزواتهن، طبقا لما تمليه عليهن المنضمات والهيئات الدولية المستأجِرة لهن، وذلك ضدا على كل الشرائع السماوية، وعلى رأسها الشريعة الإسلامية التي تتصدر دستور المملكة المغربية، ودساتير جل الدول الإسلامية. ولا شك أن هذا التصور وغيره من التصورات المستوردة لا تتمتع بأية مصداقية، خاصة وأنها تُغَيِّب فئات كثيرة من النساء والرجال والأطفال، ممن يعانون الفقر والحاجة وانعدام الشغل في مختلف أرجاء البوادي والقرى المغربية، وما المعاناة التي كشف عنها زلزال الحوز منا ببعيد، بحيث لم يكن العنف المادي والمعنوي الذي كان باديا على الجميع رجالا ونساء مسلطا من قبل فئة على أخرى، بقدر ما كان مسلطا ومُوَجَّها من قبل المسؤولين الذين أهملوا هذه المناطق وأمثالها في مختلف أرجاء المغرب. وإني لأرجو أن تكون الجهات المعنية قد وعت درس الحوز، وتعمل على رفع الحيف على الفئات المهمشة، قبل حصول زلزال بمعناه الحقيقي أو المجازي لا قدر الله، يَفضحُ المستور ويبين بالملموس المُعنِّفين الحقيقيين للطبقات المغلوبة على أمرها. وتجدر الإشارة بالمناسبة إلى أن ما تقوم به هاته الجمعيات التي تعمل على شيطنة الرجال في أعين النساء، لا يمكن إلا أن يكون صيغة من صيغ عمليات التحرش ضد الأسرة المسلمة وتعنيفها، إذا انطلقنا من المُسَلَّمَة التي تعتبر أن أساس هذه الأخيرة مبني على المودة والرحمة، كما هو منصوص عليها في قوله تعالى في الآية 21 من سورة الروم:﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾، بحيث يكون الأصل هو البحث عن كيفيات وطرق لإصلاح ذات البين في حالة ما ينغص تلك المودة والرحمة، عوض المثابرة التي تبديها في تنفيذ كل ما تُعَلِّمُه لها شياطينُها لتُفرق به بين المرء وزوجه، ملتمسة في ذلك كل السبل والتخريجات.
ومما يبين فساد « الحل السحري »، المشار إليه أعلاه هو محاولة إقرانه « بحسن النية » التي لا مكان ولا معنى لها في إطار العلاقات « الزنائية » التي تُطالب بها هذه الجمعيات والتي تسميها زورا « بالرضائية ». فلنعتبر جدلا أنه تم العمل بالاعتماد على تصريحات الضحايا حصرا في إثبات العنف، فما الذي يمنع إحداهن من اتّهام شريكها في ممارستهما « لعلاقة رضائية » بالاغتصاب أو التعنيف بمجرد عدم تلبيته لرغبة من رغباتها، أو امتثاله لأمر من أوامرها؟ ولن تكون هذه النسوة أقل مكرا من امرأة العزيز التي اتهمت يوسف عليه السلام بالتحرش ظلما وزورا، رغم شهادة الشاهد الذي من أهلها، والذي برهن على كيدها، بالاستناد إلى المنطق في الاستدلال على كذبها لكون قميصه قُدَّ من دبر.
وإذا علمنا بأن التوثيق بالكتابة مسألة شرعية تكتسي أهمية بالغة في الرهون والإجارات والتداين، طبقا لقوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ… الآية﴾، فيظهر أن توثيق عقد الزواج أهم وأولى نظرا لما له من قدسية في الإسلام، وهو ما جسده عدد من الفقهاء بالإفتاء بترجيح توثيق الزواج حتى وإن لم يكن شرطا من شروط صحته، وهو ما يتماشى بل ويخدم القاعدة الفقهية « البينة على المدعي واليمين على من أنكر »، التي تقف حاجزا أمام كل طرق الخداع والاحتيال التي يمكن أن يتحول معها زواج شرعي في الأصل إلى سفاح و »علاقة رضائية ». ومن ثمة فالتنازل عنها لن يكون إلا لصالح النسوة اللواتي يردن التملص من الشريعة الإسلامية، بالحصول على فيتو نسوي يستخدمنه كلما رغبن في ذلك، ما دام الأمر يتعلق بتصريح دون تبرير أو إثبات. وإذا علمنا أن الناس وعلى رأسهم المحامون يتفاوتون في القدرة على المحاججة والمنافحة على قضاياهم، فإن القاضي يحكم لصالح المدعي ذي الحجة المقنعة حتى وإن لم تكن صادقة، وفي حالة عدم تمكنه (ها) من إثبات دعواه (ها) بالحجج الدامغة، يتم اللجوء إلى يمين المنكِر التي لا تكتسب مصداقيتها إلا في إطار الشريعة الإسلامية وإيمان المنكِر بالآخرة بحيث يُفترض أن يكون رادعا قويا ودافعا لقول الحقيقة، لأنه يَعلم شدة العذاب الذي يُتوعد به أصحاب اليمين الغموس، تجسيدا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: « إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّار » أما غير المؤمن فلا حرج عنده في أن يشهد الزور، أو يقذف محصن أو محصنة، أو ينكر فعلا قام به…مما يدحض فكرة الاكتفاء بتصريح المرأة المغتصبة، خاصة إذا تم الاغتصاب في إطار علاقة زنائية رضائية تنعدم فيها الأخلاق السامية من جهة وتقل أدوات الإثبات.
الحسن جرودي
Aucun commentaire