شتان بين بين فئة ترجو رحمة الله وبين قوم يحرصون على حياة!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
شتان بين بين فئة ترجو رحمة الله وبين قوم يحرصون على حياة!
بمجرد الإعلان عن » طوفان الأقصى » هرع رؤساء وحكومات مجموعة من الدول الغربية، إن لم أقل جلها، إلى الوعيد والتهديد، فهذه أمريكا تُحضِر حاملات طائراتها إلى المنطقة، وتستخدم حق « الفيتو » في مجلس الأمن الدولي لمنع مشروع قرار يدعو إلى هدنة إنسانية، للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى قيام رئيسها بزيارة إسرائيل، وهذه فرنسا تمنع التظاهر لصالح القضية الفلسطينية، بل ذهب وزير العدل فيها إلى التهديد بالسجن من خمس إلى سبع سنوات، لكل من يُضبط في إحدى هذه المظاهرات، وهذه ألمانيا تُعلن الالتزام بالدعم الكامل لإسرائيل، مجسدة إياه بزيارة مستشارها إلى « تل أبيب » …
وإذا كان من معنى لهذا الدعم اللامشروط، فإنه لا يخرج عن كون هذه الدول تُبارك كل الجرائم التي تقوم وقامت بها إسرائيل منذ نكبة 1948، وبعد هذا كله، وبدون حياء يأتي « بايدن » ليقدم تعازيه في شهداء مستشفى المعمدان، دون أن يذكر حتى المَعني بالتعزية، علما أن الأعراف والأخلاق تقتضي توجيه التعزية إلى الذي أو أولئك الذين فقدوا ذويهم وأقرباءهم!!! ثم يأتي « ماكرون » ليقول بأن » لا شيء يمكن أن يبرر استهداف مدنيين » ويضيف بأنه يجب « جلاء كل ملابسات ما حصل في المستشفى الأهلي في غزة، وداعياً إلى إتاحة وصول المساعدات الإنسانية للقطاع « بدون تأخير »، ليستمر بذلك في نِفاقِه المعهود، محاولا كسب تأييد الأغرار من العرب والمسلمين، بقوله بضرورة إيصال المساعدات لقطاع غزة بدون تأخير، في نفس الوقت الذي يحاول التشكيك في مسؤولية إسرائيل عن مجزرة مستشفى المعمدان، بقوله بأنه يتعين « جلاء ملابسات ما حصل في المستشفى » متبنِّيا بذلك نفس أطروحة إسرائيل والولايات المتحدة في شخص رئيسها بايدن، التي تنفي مسؤولية إسرائيل عن تفجير المستشفى.
إذا كان من الممكن أن نفهم نفاق الضعفاء تجاه الأقوياء، أشخاصا كانوا أو أنظمة مستبدة، لضمان مصالحهم وحماية مكتسباتهم، فكيف يمكن أن نفسر مناقضة خطاب الأنظمة الغربية مع فعلها على أرض الواقع؟ وهي التي تملك كل أسباب القوة المادية، في مواجهة فئة قليلة من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين لا يملكون من القوة المادية إلا القليل، مما لا يستقيم معه وصف هذا التناقض بالنفاق، بناء على العامل المادي المحض ما داموا يحتكرونه، ومن ثم، وانطلاقا من منطق الاستعلاء الذي يعبرون عنه بمناسبة وبغيرها، فالقراءة الأكثر احتمالا توحي بالتهكم والإمعان في التشفي من كل الذين يساندون أو ينوون مساندة الشعب الفلسطيني في محنته، طبقا لمفهوم المخالفة، الذي من أحد تعاريفه أن « المسكوت عنه يخالف حكم المنصوص عليه بظاهره »، وهذا أسلوب سبق القرآن إلى استعماله، على سبيل المثال، في الآية 21 من سورة آل عمران في قوله جل علاه ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾، حيث ورد في خاطرة من خواطر الشيخ الشعراوي بخصوص هذه الآية، بأن البشارة تأتي في حالة خبر سار، أما والحالة هذه، فالأمر لا يمكن أن يكون إلا وعيدا وتهديدا، وهو ما أطلق عليه الشيخ اسم البشارة التهكمية.
وهناك احتمال آخر ألا وهو العمل « بسياسة فرق تسد » وشيطنة حركة حماس، لذلك فَهُمْ يحاولون إيجاد تبريرات تُدعِّم المناهضين للمقاومة في محاججتهم للمساندين لها، بالقول بأن الغرب لا يرغب في هذه الحرب لولا « حركة حماس الإرهابية »، ناهيك عن محاولاتهم البئيسة لكسب الرأي العام الغربي، الذي رغم كل التضييق المفروض عليه، بَرْهَنَ جزءٌ كبير منه على وعيه بعدالة القضية الفلسطينية، من خلال مظاهرات حاشدة في عدد كبير من البلدان الغربية، من بينها فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا بل وحتى إسرائيل نفسها، تدعم حق الشعب الفلسطيني في تحرره، وتدين العمليات الهمجية، التي تقوم بها إسرائيل ضد الأبرياء العزل، من نساء وأطفال وشيوخ ومدنيين.
في مقابل هذا التناقض بين الفعل والقول، الذي لا مبرر له سوى التجبر والغطرسة، تقف فئة قليلة زادُها العزيمة القوية، والإيمان بأن النصر من عند الله، وليس لا بالعدد ولا بالعدة، انطلاقا من قوله تعالى في الآية 126 من سورة آل عمران﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ومن قوله تعالى في الآية 249 من سورة البقرة﴿ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ متجاهلين كل خطابات الإحباط، التي يعتمدها مع الأسف حتى بعض قليلي الإيمان من المحسوبين على الإسلام، مُجسدين بذلك قول الله تعالى في الآية 173من سورة آل عمران ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾، ومؤتمرين بأمره تعالى في قوله في الآية 104 من سورة النساء﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ الذي يحثهم على عدم الاستسلام، لمجرد الألم الذي قد يصيبهم، كما قد يصيب عدوهم، لأنهم يرجون الجنة التي وعد الله بها المجاهدين، مقابل الوعيد بجهنم للمشركين الذين تنحصر غايتهم في البقاء على قيد الحياة، حتى في أدنى مستوياتها، طبقا لقوله تعالى في الآية 96 من سورة البقرة ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ صدق الله العظيم.
الحسن جرودي
Aucun commentaire