مصداقية جائزة نوبل للسلام في الميزان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
مصداقية جائزة نوبل للسلام في الميزان
إذا كان من الصعب، بل قد يكون من المتعذر، الإلمام بالحيثيات التي تتحكم في تحديد المعايير المعتمدة في منح جائزة نوبل في مختلف التخصصات العلمية، وبالأحرى الحكم على مصداقيتها، لأن الأمر يتعلق بتخصصات دقيقة لا يملك الإنسان العادي إلا أن يستسلم للأمر الواقع، لسبب أساسي هو أن اللجن المُخوَّلة لها دراسة مختلف البحوث والدراسات العلمية أكسبتها وسائل الإعلام مصداقية يصعب مجرد الشك فيها، قبل أن يتجرأ أيا كان على الطعن فيها. ومع ذلك يبدو أن هناك منطقة رمادية تتعلق بالأساس بجائزة نوبل للسلام، وذلك من خلال ملاحظة خلفياتِ وتوجهاتِ عدد من الشخصيات التي مُنحتها، مما يؤدي بالضرورة إلى طرح مجموعة من التساؤلات بشأن المعايير المعتمدة، يمكن للإجابة عليها زعزعة هذه المصداقية.
ولعل أهم سؤال يطرح هو: هل تتم صياغة المعايير المعتمدة انطلاقا من منهجية علمية خالصة؟ أم هناك خلفيات محددة تتحكم فيها خدمة لأجندات معينة؟ في هذا السياق قمتُ بجرد مجموعة من الشخصيات، والهيئات التي مُنحت لها هذه الجائزة، عبر مراحل تاريخية مختلفة ابتداء من سنة 1978 إلى غاية 2023، ثم التدقيق في مرجعياتها وخلفياتها بما يسمح بتكوين فكرة عن مدى حضور أو غياب هذه المصداقية.
وفيما يلي أمثلة تتضمن سنة الفوز بالجائزة، واسم الفائز بها، ثم الحيثيات التي اعتُمدت في منحها، متبوعة بتعليق بسيط بخصوص مكمن الخلل فيها:
- سنة 1978 فاز بها كل من محمد أنور السادات ومناحين بيجن، على خلفية اتفاقية كامب ديفيد، التي كانت كل بنودها لصالح إسرائيل (انظر نص الاتفاقية على موقع الجزيرة).
- سنة 1990 كانت من نصيب مخائيل غورباتشوف « الأمين العام للحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي ورئيس الاتحاد السوفيتي » بسبب دعوته إلى « البريستروكيا »، ومشاركته رونالد ريغان في إنهاء الحرب الباردة، ومعلوم أن « البريستروكيا » قد آتت أكلها في 26 ديسمبر 1991 عندما توارى الاتحاد السوفيتي في صفحات التاريخ بعد توقيع بوريس يلتسن على اتفاقية حل اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية.
- سنة1991 كانت من نصيب « أون سان سو تشي التي أصبحت « مستشارة الدولة (منصب يوازي رئيسة الوزراء) في (بورما) ميانمار عام 2016، وذلك بسبب « كفاحها من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان بدون عنف »، مع العلم أنها اتهمت بالإشراف على إبادة المسلمين الروهينغا، من خلال عدم تدخلها لإيقاف أعمال العنف التي تتعرض لها هذه الشريحة من المسلمين.
- سنة 1994 تقاسمها كل من ياسر عرفات، شمعون بيريز وإسحاق رابين، على خلفية اتفاقية أوسلو، مع العلم أن بيريز متورط في مذبحة مخيم جنين والياسمينة في مدينة نابلس القديمة 1987، وهو من كان وراء عملية « عناقيد الغضب » التي استهدفت لبنان عام 1996، وهو من أمر باستهداف ملجأ للأمم المتحدة في قانا وقتل مئات النساء والأطفال سنة 1996. كما أن رابين، الذي كان وزيرا للدفاع، أمر بكسر عظام المتظاهرين الفلسطينيين، باعتماد سياسة القمع العنيف المعروفة باسم « القبضة الحديدية » خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، حيث تم استشهاد حسب بعض الإحصائيات ما لا يقل عن 1550 واعتقال حوالي 100000 فلسطيني.
- سنة 2003 كانت من نصيب « شيرين عبادي » من إيران « لجهودها من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان حيث ركزت بشكل خاص على النضال من أجل حقوق النساءوالأطفال » حسب ما ورد بموسوعة ويكبيديا. واليوم، وبعد مرور 20 سنة، نرى بأم أعيننا طبيعة حقوق النساء والأطفال التي من أجلها مُنحت لها جائزة السلام.
- سنة 2005 كانت مناصفة بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومديرها العام البرادعي، المصري الجنسية « لجهودهم لمنع استخدام الطاقة النووية للأغراض العسكرية ولضمان استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية بأكثر الطرق أمانًا »، وهذا لا يمنع من تورطه في غزو العراق، وتدميره بذريعة توفره على أسلحة الدمار الشامل، إذ لا يخفى على أحد كيف تم استغلاله، أو على الأقل ضمان سكوته إلى ما بعد عملية الغزو.
- سنة 2011 كانت من نصيب كل من « إلين جونسون سيرليف » و »ليما غبوي » من ليبيريا، و »توكل كرمان » من اليمن، « لنضالهن غير العنيف من أجل سلامة النساء وحقوق المرأة في المشاركة الكاملة في أعمال بناء السلام »، ويبدو أن ما قيل بالنسبة « لشيرين عبادي » ينطبق على هؤلاء النسوة الثلاث.
- سنة 2015 سُلِّمت للرباعي الراعي « للحوار الوطني التونسي« ، وهو عبارة عن أربع منظمات تونسية وهي: الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية. ولا شك أن الأدوار التي أُسندت لليسار بصفة عامة بمن فيها اليسار التونسي، علم ذلك أم جهله، بخصوص الحريات الفردية وحقوق النساء والتربية الجنسية… كان لها دور في إسناد الجائزة لهذا الرباعي.
- وأخيرا سنة 2023 جاء دور « نرجس كريم محمّدي » التي توصف بأنها « ناشطة إيرانية في مجال حقوق الإنسان ونائبة رئيس مركز المدافعين عن حقوق الإنسان، الذي ترأسه الحائزة على جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي الإيرانية ». وإذا كانت حيازة محمدي لجائزة نوبل للسلام تنسب إلى معركتها ضد قمع النساء في إيران، فإن الهدف المتوخى والذي أصبح باديا للخاص والعام، هو تعميم النموذج الغربي بخصوص مفهوم الحرية والديموقراطية… وكل ما يستتبعهما.
أعتقد أن هذه الأمثلة كافية للبرهنة على أن جائزة نوبل للسلام لا تتوافق مع الصورة التي عمل الإعلام الغربي جاهدا على ترسيخها لدى عموم الناس، بمن فيهم مجموعة من المحسوبين على الطبقة المثقفة، من حيث حيادها ومصداقيتها، وإنما تتحكم فيها خلفيات معينة، أهمها خدمة مصالح الصهيونية العالمية وعلى رأسها مصالح إسرائيل، بالإضافة إلى العمل في إطار التكامل مع منظمات وهيئات « أممية » على تعميم النموذج الثقافي الغربي!!!!!!
الحسن جرودي
Aucun commentaire