هيمنة لغة المستعمر داء لا بد من دواء لاستئصاله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
هيمنة لغة المستعمر داء لا بد من دواء لاستئصاله
كثيرا ما نلاحظ في قاعات الانتظار لعدد من عيادات الأطباء لوحات مكتوب عليها عبارة: « تداووا فإن لكل داء دواء » وهي عبارة تجد سندها في الحديث الشريف الذي ورد بصيغ متعددة منها: « تداووا عباد الله، فإن الله عز وجل لم ينزل داء، إلا أنزل معه شفاء، إلا الموت، والهرم ».
وأنا أتدبر هذا الحديث، تساءلت في نفسي عما إذا كان الداء المقصود يقتصر عن الداء العضوي فقط أم يتجاوزه ليشمل كل الأدواء بما فيها النفسية، وإذا كان الأمر كذلك، فإني أزعم أن استلاب لغة المستعمر لعدد غير قليل من المغاربة لا يمكن إلى أن يُدرج ضمن الأمراض النفسية، بحيث لو قام طبيب نفسي بتشخيصه لعلم أن من بين أعراضه الأساسية اعتمادهم للفرنسية في لوحات جل المحلات التجارية، والمقاهي ولوحات الإشهار، إضافة إلى لغة التخاطب بحيث يندُر أن تسمع خطابا خاليا من اللغة الفرنسية، بغض النظر عن سلامتها، إلا نادرا، وذلك لدى عدد غير يسير من الشرائح المجتمعية، من بينهم رجال التعليم بمختلف تخصصاتهم، بمن فيهم أساتذة اللغة العربية والتربية الإسلامية إلا من رحم ربك، أما في المرافق العمومية من أبناك وغيرها فحدث ولا حرج.
ومما يدل على استفحال هذا المرض ظهور أعراض له حتى على حاويات القمامة، بحيث دفعني الفضول إلى الاقتراب من إحدى الحاويات التحت أرضية التي تم إحداثها مؤخرا بقرب مدرسة عمومية، للتعرف على كيفية استعمالها، لأجدها تحمل العبارة التالية « Contribuons Tous à la propreté de notre ville »(أنظر الصورة أسفله) وتساءلت عن الهدف منها وعن المستهدف منها. وبما أنها أُحدثت بجوار المدرسة افترضت أن المستهدفين هم التلامذة قصد تحسيسهم بأهمية النظافة، ومن ثم أهمية استعمال هذا النوع من الحاويات عوض المستعملة حاليا، وهذا شيء مهم، لكن الطفل الذي يلاحظ كمية الأزبال المحيطة بها وبالحاويات القديمة المجاورة لها، على الرغم من كونها أُفرغت منذ وقت غير بعيد، لا يمكنه أن يميز بين وجودها من عدمه، خاصة وأن استعمالها يبدو قليل الاحتمال، قياسا على عدم استعمال مجموعة من الحاويات ذات نفس الخصائص، والتي لا زالت لم تُستعمل وقد مضى على إحداثها زمنا غير قصير، ومن هنا، وما دام واقع الحال لا يتناسب مع المقال، يمكن التساؤل عما إذا كان استعمال الفرنسية هدفا في حد ذاته، حتى يُفهم أن النظافة مرتبطة بالفرنسية وبمتكلميها!!! وكل من لم يستعمل الفرنسية سيبقى على هذا الحال! وفي هذا الصدد أقول إذا كان لأصحاب المحلات التجارية العادية عذر الجهل بما يؤول إليه استعمال لغة الآخر، وبمقتضيات الدستور، وبما يترتب عن عدم الالتزام به، فكيف لمسؤولي الجماعة الحضرية، خاصة وأن الأمر يتعلق بلغة مستعمر الأمس واليوم مع اختلاف في الشكل لا غير، أن يتجاوزوا مقتضيات الدستور ويسمحوا بانتشار هذا الوباء على حساب اللغة الرسمية للبلاد، ليعم حاويات القمامة، مع أنه كان لأهل هذه المدينة العريقة شأو في محاربة الدخيل والدخلاء.
قد يقول قائل بأني أعطي للأمور حجما أكبر مما تستحقه، وقد يكون محقا في قوله شريطة الإفصاح عن الدافع وراء هذا الفعل؟ علما أن اللجوء إلى استعمال وسيلة من الوسائل في حياتنا العادية يفرضه أمران: إما أن تكون سببا لتحقيق قيمة مضافة لمستعملها، وإما أن تفرضها الضرورة التي بسببها يمكن للمحظور أن يصبح مباحا إذا لم يكن هناك سبيل لاعتماد الوسائل المباحة.
من هنا أتساءل عن القيمة المضافة التي يمكن أن تحققها هذه العبارة عوض استعمال عبارة « النظافة من الإيمان » على سبيل المثال لا الحصر، وعن الضرورة التي ألزمت الجماعة الحضرية بمخاطبة مواطنين من بينهم أطفال بلغة غير لغتهم، علما أنها لغة دخيلة عليهم بحكم الدستور؟ إضافة إلى أن استعمالها يتعارض مع الحد الأدنى من مقومات الاستقلال الثقافي الذي يتعين نُشدانه. ألا تكون الإصابة بداء الفرنسية هي السبب في هذا الانحراف؟ وإذا كان الأمر كذلك وجب الاستجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، والبحث عن الدواء الذي أقر بوجوده في الحديث المشار إليه أعلاه، من داخل منظومتنا العقدية والقيمية.
في الأخير علينا أن نعتقد جازمين بوجود الدواء، وما علينا سوى نبذ الخلافات الأيديولوجية، والعمل على تظافر جهود كل شرائح المجتمع، التي لن تُستثنى أي منها من الموت الحضاري المحقق لو سُمح لهذا المرض الخبيث أن يواصل انتشاره بنفس الوثيرة التي هو عليها الآن. لذا وجب على الجهات المسؤولة منع استعمال غير اللغات الرسمية في الإدارات العمومية، وفي الإعلانات والإشهارات، وعلى واجهات المحلات التجارية والمقاهي مع الالتزام باستبدال الأسماء الأجنبية بأسماء ذات دلالة وطنية. هذا على المستوى الآني، أما على المستوى المتوسط والبعيد فيتعين الاهتمام بالأجيال الصاعدة من خلال رد الاعتبار للثقافة والهوية الدينية واللغوية في العملية التربوية التي يتعين على كل الفاعلين المساهمة الواعية فيها من أسرة ومدرسة ومسجد وإعلام بكل مكوناته…أما على مستوى الأفراد فيتعين الوعي بخطورة هذا المرض والعمل على الوقاية منه من خلال بذل الجهد اللازم لاستعمال اللغة الوطنية، علما أن هذا لا يعني الدعوة إلى عدم تعلم اللغات الأجنبية والاستفادة منها، بقدر ما يعني معرفة الحدود التي يتعين الالتزام بها حتى لا تصبح أداة لهدم قيمنا واستبدالها بقيم لا تمت لديننا وأخلاقنا بصلة.
الحسن جرودي
Aucun commentaire